كتائب نسائية:
دلالات تزايد الاعتماد الحوثي على “الزينبيات”

كتائب نسائية:

دلالات تزايد الاعتماد الحوثي على “الزينبيات”



في الوقت الذي يفرض فيه الحوثيون “الوصاية” على النساء بالمناطق اليمنية الواقعة تحت سيطرتهم بحرمانهم من تلقي الخدمات التعليمية والصحية وغيرها؛ اعتمدت المليشيا خلال الفترة الأخيرة بشكل مكثف على كتائبها الأمنية النسائية المعروفة باسم «الزينبيات» التي تدين بالولاء المطلق للجماعة، للقيام بجملة من المهام التي يعجز رجال الحوثي عن القيام بها، يأتي من أهمها قمع أية احتجاجات نسائية وإجبارهن إما على الانضمام لصفوف الجناح النسائي الحوثي أو دفع الأموال اللازمة لتمويل جبهات القتال، والقيام بمهام استخباراتية لإيقاع المعارضين لفكر الجماعة، وتنفيذ مهام عسكرية في جبهات القتال، وغرس الفكر الحوثي الطائفي في جيل النشء.

فقد أصدر الحوثي بالتزامن مع الاحتفالية الخاصة بـ”يوم الشهيد”، في 13 ديسمبر الجاري، قراراً يقضي بتدشين عشرات الفرق النسائية الميدانية، للقيام بمهام تعزز من قوة الجماعة الانقلابية التي تواجه في الوقت الحالي انتقادات على المستويين الداخلي والخارجي خاصة بعد رفضها الموافقة على تمديد الهدنة الإنسانية التي تم انقضاؤها في أكتوبر الماضي، واتجاهها لرفع حدة التصعيد وتهديد دول التحالف العربي والمواطنين في مناطق سيطرتها من أجل الانصياع لأوامرها حتى تتمكن من تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب في الأراضي اليمنية.

وتسعى مليشيا الحوثي في اليمن لتوسيع أعمال الجناح الأمني النسائي، لتحقيق جملة من الأهداف، يمكن تناولها على النحو التالي:

سرقة ممنهجة

1- السطو عنوة على أموال اليمنيين لتمويل جبهات القتال: إن المهمة الرئيسية التي تركز عليها الزينبيات في الوقت الراهن والتي كانت سبباً في تدشين الحوثي لعشرات الفرق النسائية، هو أن تقوم الأخيرة بممارسة عملية ابتزاز للمرأة اليمنية وتحصيل “جبايات مالية” منها تحت مسمى أن هذا الأمر واجب عليها لدعم جبهات القتال الحوثية، وفي حال رفضت تتدخل كتائب الأمن النسائية بعد حصولها على أوامر مباشرة من القيادات الحوثية باقتحام منازل اليمنيات وسرقة ما لديهن من مصوغات ومجوهرات ثمينة، وهو ما وقع مؤخراً، إذ كشفت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات في تقرير لها منتصف نوفمبر الماضي، أن العناصر النسائية اقتحمت منازل عدد كبير من النساء في مناطق سيطرتهم خلال الأشهر الأخيرة وسرقة ما بها، وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن قيام نساء الحوثي بمهام السرقة، ففي أكتوبر 2021 اقتحمت عشرات الزينبيات منزل الشيخ السلفي “محمد القيسي” في شارع بيحان بالعاصمة صنعاء، ونهبت جميع محتوياته.

ومن المتوقع أن تعتمد الجماعة الانقلابية خلال الفترة المقبلة بشكل أوسع على دور الزينبيات في عملية السرقة لرغبتها في تطوير قدراتها العسكرية استعداداً للدخول في أية مواجهة مع أطراف الصراع الأخرى، خاصة مع انخفاض الدعم المالي المقدم لهذه المليشيا من الجمهورية الإيرانية التي تعاني أزمات اقتصادية جراء العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة عليها.

فكر طائفي

2- إرغام النساء على دعم المناسبات الحوثية الطائفية: انتشرت كتائب الأمن النسائية بشكل مكثف في أحياء ومناطق العاصمة اليمنية صنعاء في 15 ديسمبر الجاري، وعقدت لقاءات تعبوية ودورات طائفية مع اليمنيات، وحثتهم على ضرورة مشاركتهن في دعم الفعاليات والمناسبات الدينية المختلفة التي تقيمها الجماعة الانقلابية، إما من خلال تقديم الموارد المالية اللازمة لتمويل هذه الفعاليات أو تجهيز أكلات متنوعة للمقاتلين، فضلاً عن دفعهم للقيام بزيارات جماعية إلى مقابر قتلى الجماعة، ومن الملاحظ أيضاً أن الزينبيات دفعت بعدد من قياداتها لتولي مهام خاصة بإقامة “فعاليات ثقافية” لحشد عناصر جدد للانضمام إليهن من جهة، والتركيز أيضاً على “النشء من الأطفال” للعبث بعقولهم واستدراجهم للقتال في صفوف الجماعة، حتى تتمكن من تخريج جيل يكون انتماؤه الأول والأخير للجماعة الطائفية من جهة أخرى.

وعليه، فإن الهيئة النسائية الثقافية التي عقدت في 8 ديسمبر الجاري و5 أكتوبر الماضي، بمحافظتي عمران والبيضاء، شهدت مشاركة عدد من الأطفال، وخلال تلك الفعاليات تقوم نساء الحوثي بإلقاء كلمة تحث النساء والأطفال على الولاء التام للجماعة الحوثية وتشجيعهم لدعم مقاتلي الجماعة نساء ورجالاً للدفاع عن اليمن وصد التدخلات الخارجية، وتختم الفعالية أيضاً بكلمة لزعيم الجماعة “عبد الملك الحوثي” لحثهم أيضاً على المشاركة لمواجهة أعداء البلاد (كما يدعي).

مهام استخباراتية

3- استدراج العناصر المعارضة للجماعة الحوثية: من أبرز الأسباب التي دفعت زعيم مليشيا الملالي إلى تعزيز وتقوية الكتائب الأمنية النسائية للقيام بأنشطة استخباراتية هدفها التجسس على المواطنين لمعرفة ما يدور في عقولهم وما يخططون له، ثم استدراج المعارضين لمشروع الجماعة واقتيادهم إلى أماكن مجهولة وإجراء تحقيقات معهم للتأكد من عدم تنفيذهم لأي مخططات خارجية تريد النيل من الحوثي. وفي الإطار ذاته، تقوم الزينبيات بمهمة الإيقاع بقيادات مطلوبة على قائمة الحوثي، وفي الغالب تكون شخصيات بمناصب أمنية وعسكرية، سواء داخل مناطق سيطرة الجماعة أو خارجها، واستقطابهم وحثهم للانضمام لصفوف الحوثي وإطلاع قيادات الجماعة على المخططات التي تريد أطراف الصراع الأخرى اتخاذها لواجهة الحوثيين، وفي حال رفضوا يتم تهديدهم بكشف أمرهم أمام قياداتهم، خاصة إذا كانوا منتمين للحكومة اليمنية الشرعية، وهو ما تمت ملاحظته خلال الفترة الأخيرة، إذ ركز الحوثيون على إطلاق شائعات بأن عدداً من المنتمين للشرعية فروا من مناطق سيطرتها واتجهوا إلى الحوثي للمشاركة في القتال بصفوفهم بزعم تأكدهم أن الأطراف الأخرى تعمل على تنفيذ مخططات خارجية هادفة لبيع ثروات ومقدرات اليمن.

احتجاجات نسائية

4- قمع الاحتجاجات المناوئة لجرائم الانقلابيين: يبدو أن الاحتجاجات النسائية التي اشتعلت في إيران منذ سبتمبر الماضي وحتى الآن جراء مقتل الفتاة العشرينية الكردية “مهسا أميني” على يد شرطة الأخلاق الإيرانية (تم حلها مؤخراً)، أخافت المليشيا الحوثية من أن تشهد العاصمة صنعاء ومناطق سيطرتها الأمر ذاته، خاصة في ظل الأعمال القمعية والانتهاكات التي تقوم بها “الزينبيات” تجاه المرأة اليمنية من جهة، وسوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يشهدها البلد من جهة أخرى.

فرغم أن النظام الإيراني لديه قدرات عسكرية هائلة إلا أنه فشل في إخماد تلك الاحتجاجات بل ورضخ لمطالب المتظاهرين وحل شرطة الأخلاق، وهو ما كشف عن قوة العنصر النسائي، ولذلك فإن اتجاه الحوثي في الوقت الراهن للاعتماد على “الزينبيات” اللواتي هنّ في الغالب زوجات قادة حوثيين خضعن لتدريبات في الأراضي الإيرانية على يد عناصر نسائية إيرانية وفي لبنان على يد حزب الله؛ يكشف عن قلق هذه الجماعة من المرأة اليمنية، خاصة أنه حالياً لن يتحمل وجود أية احتجاجات تهدد وجوده أو تضعف قدراته العسكرية التي ينميها استعداداً للدخول في أية مواجهات مقبلة مع أطراف الصراع اليمني.

ولم يجد الحوثي سوى كتائبه النسائية لإخماد أي نشاط نسوي معارض تشهده مناطق سيطرته خلال الفترة المقبلة، وهو الدور الذي لطالما قامت به على مدار السنوات الثماني الماضية منذ نجاح الانقلاب الحوثي. فعلى سبيل المثال، عندما اندلعت احتجاجات في القسم النسائي بالسجن المركزي بالعاصمة صنعاء جراء الانتهاكات وتردي أوضاعهن المعيشية، استعانت رئيسة السجانات على الفور بعناصر من “الزينبيات” وطالبتهن بقمع تلك المظاهرات، وهو ما نجحن فيه فعلاً، إذ كشفت وسائل إعلام يمنية أن عناصر الجناح العسكري النسائي الحوثي لبت النداء على الفور، واعتدين على السجينات بالهراوات والعصيّ الكهربائية حتى فرقن احتجاجاتهن.

أدوار عسكرية

5- مساندة قيادات الحوثي في مهامهم العسكرية الميدانية: رغم أن الجماعة الانقلابية تضع بشكل مستمر قيوداً على عمل وتعليم المرأة اليمنية، كان آخرها قرار حوثي في 21 ديسمبر الجاري يقضي بضرورة وجود مَحرم للمرأة إذا قررت التنقل أو السفر إلى مدن أخرى؛ إلا أنها تسمح بانتشار عناصر الأمن النسائي عند نقاط التفتيش طوال اليوم لتفتيش الركاب، هذا بجانب عملهم على “تهريب الأسلحة” إلى مناطق صنعاء وموانئ الحديدة ومحافظة تعز. وقد أثبتت العناصر النسائية نجاحها في أداء هذه المهمة، خاصة بعد تدريبهن على استخدام الأسلحة النارية الخفيفة والمتوسطة تحت إشراف وزارة الداخلية الحوثية. بل وأصدر الحوثي، في يناير 2020، قراراً يقضي بمنح مئات المجندات من الكتائب النسائية “رتباً عسكرية” من “ملازم ثانٍ” إلى رتبة “رائد”، بحسب أقدمية الالتحاق بالمليشيات. وبين حين وآخر يُدفع بهذه الكتائب للقيام بـ”عرض عسكري” باستخدام السلاح كمحاولة للقول إن الحوثي لديه القدرات والإمكانيات والعناصر البشرية الكافية التي تمكنه من تحقيق مكاسب في الداخل والخارج.

وعليه فإن الجماعة الانقلابية بحاجة في هذا الوقت لتعزيز الدور العسكري لجناح الأمن النسائي، لتعويض أي نقص يمكن أن تواجهه خلال الفترة المقبلة في صفوف قياداتها في ظل عدم استقرار تطورات الأوضاع على الأرض، وتهديد الجماعة الحوثية بشكل مستمر بالتصعيد إذا لم تستجب الحكومة الشرعية ودول التحالف لمطالبها، خاصة المتعلقة بصرف رواتب جميع موظفي الدولة من عائدات النفط في المناطق المحررة.

تصعيد مرتقب

خلاصة القول، إن جناح الأمن النسائي الحوثي المعروف بـ”الزينبيات” قد يشهد خلال الفترة المقبلة مزيداً من الدعم والتدريب والتطوير من قبل “عبدالملك الحوثي”، وأن اتجاه الأخير لتضييق الخناق على المرأة اليمنية الرافضة لفكره هو محاولة لإجبارها على الانضمام لصفوف مليشياته النسائية، ولذا فإن إصدار الحوثي قرارات بتدشين عشرات الفرق النسائية يعني أن هذه الجماعة تتخوف مما حدث في إيران من جهة، وتريد تقوية مؤسساته وضمان الولاء التام لها حتى تستطيع تنفيذ مخططاتها في الأراضي اليمنية من جهة أخر