توزيع القدرات:
دلالات تأسيس قاعدة جوية للحرس الثوري في سيستان بلوشستان

توزيع القدرات:

دلالات تأسيس قاعدة جوية للحرس الثوري في سيستان بلوشستان



لا ينفصل إعلان إيران عن تأسيس قاعدة جوية جديدة للمسيرات والطائرات المروحية تابعة للقوة البرية في الحرس الثوري في زاهدان (عاصمة إقليم سيستان بلوشستان)، في 10 مايو الجاري، عن مجمل التطورات التي طرأت على الساحتين الداخلية والخارجية في الفترة الماضية، ولا سيما فيما يتعلق بالاحتجاجات الداخلية والتوازن مع الجيش الإيراني، ومحاولة تقليص احتمالات التعرض لضربة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية، والاستعداد لتصاعد التوتر مع بعض دول الجوار في الشرق.

وكالة أنباء “فارس”: افتتاح قاعدة القوات البرية في زاهدان

بحضور قائد الحرس الثوري حسين سلامي، أعلنت إيران، في 10 مايو الجاري، عن تأسيس قاعدة جوية جديدة تضم مسيرات وطائرات مروحية في زاهدان عاصمة إقليم سيستان بلوشستان، باسم “الشهيد علي عربي”، ووفقاً لتقارير إعلامية إيرانية، فإن القاعدة الجديدة تمتلك إمكانيات عديدة، منها هبوط وإقلاع جميع الطائرات المروحية الهجومية واللوجيستية، في فئات مختلفة على غرار 205 و206 و214، والطائرات المسيرة. وقال قائد القوات البرية في الحرس محمد باكبور، إن الهدف من تأسيس القاعدة الجوية الجديدة يتمثل في تعزيز القدرة على تنفيذ المهام الأمنية والدفاعية وتقديم الخدمات للمواطنين.

أهداف عديدة

يسعى الحرس الثوري عبر تأسيس القاعدة الجوية الجديدة إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تعزيز التواجد العسكري في زاهدان: كان لافتاً أن زاهدان تحديداً كانت بؤرة رئيسية في الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في إيران منذ منتصف سبتمبر الماضي، واستمرت لأكثر من خمسة أشهر رغم كل الإجراءات القمعية التي تبنتها السلطات الإيرانية. وقد اكتسبت هذه الاحتجاجات في زاهدان تحديداً زخماً خاصاً باعتبار أن معظم سكانها من السنة الإيرانيين. ومن هنا، يسعى الحرس الثوري عبر تأسيس القاعدة الجديدة إلى تعزيز وجوده العسكري في الإقليم، خاصة أن النظام الإيراني ما زال مصراً على اعتبار الاحتجاجات الأخيرة مخططاً دعمته قوى خارجية لتقويض دعائمه ونشر الفوضى وعدم الاستقرار في إيران. كما أن تأسيس هذه القاعدة يمثل رسالة تحذير يحاول الحرس توجيهها إلى قاطني هذا الإقليم تحديداً بأنه يمتلك من القدرات العسكرية ما يمكن من خلاله مواجهة أية تحديات قد تتعرض لها إيران خلال المرحلة القادمة، سواء كانت تحديات داخلية مثل الاحتجاجات أو خارجية مثل الهجوم العسكري.

2- إدارة التوازن مع الجيش الإيراني: جاء الإعلان عن الخطوة الجديدة بعد نحو ثلاثة أشهر من إعلان الجيش الإيراني عن تأسيس قاعدة جوية تحت الأرض باسم “عقاب 44” (7 فبراير الماضي)، يمكنها تخزين مقاتلات ومسيرات. ورغم أن النظام الإيراني حريص باستمرار على تصدير رسالة مفادها أن هناك مستوى عالياً من التنسيق بين الجيش والحرس الثوري، فإن ذلك لا ينفي أن ثمة نوعاً من المنافسة المكتومة بين الطرفين على تعزيز القدرات العسكرية، وهي منافسة ظهرت للعيان خلال الأعوام الأخيرة، خاصة بعد أن وجه بعض قادة الجيش شكاوى من اختلال توازن القوى داخل إيران لصالح الحرس الثوري. ومن هنا، فإن الإعلان عن القاعدة الجديدة يوحي بأن الحرس يحاول في المرحلة الحالية الحفاظ على المستوى الحالي من توازن القوى وعدم السماح للجيش بتقليص الفارق في القدرات العسكرية بين الطرفين.

3- توجيه رسالة تحذير إلى دول الجوار: وهنا تحديداً فإن الرسالة موجهة إلى كل من أذربيجان وحركة طالبان في أفغانستان. فالأولى انخرطت في تصعيد متبادل مع إيران على المستوى الدبلوماسي خلال المرحلة الأخيرة، بعد القيام بعمليات طرد متبادل لبعض أعضاء البعثة الدبلوماسية، وقبلها اتهام أذربيجان لإيران بالتغاضي عن فرض حماية أمنية مشددة على سفارتها في طهران، بشكل أدى إلى اقتحامها في 27 يناير الماضي ومقتل مدير الأمن فيها. وبالطبع، فإن تعزيز العلاقات السياسية بين أذربيجان وإسرائيل كان له الدور الرئيسي في هذا التوتر، خاصة بعد أن قامت الأولى بافتتاح سفارتها في تل أبيب، في 29 مارس الماضي.

ورغم أن هناك تفاهمات وقنوات تواصل مستمرة بين إيران وحركة “طالبان” منذ وصول الأخيرة إلى الحكم في كابول مجدداً في أغسطس 2021، إلا أن ذلك لا ينفي أن محفزات التوتر والتصعيد ما زالت قائمة، في ظل التباين الملحوظ في سياسات كلتا الدولتين إزاء العديد من القضايا. ومن هنا، فإن إيران رغم حرصها على الحفاظ على استقرار علاقاتها مع “طالبان” في المرحلة الحالية، إلا أنها لا تستبعد أن يتجدد التوتر مرة أخرى، على غرار ما حدث في عام 1998 عندما وصل هذا التوتر إلى درجة كادت أن تؤدي إلى اندلاع حرب بعد حشد القوات على الطرفين، وهو ما دفعها إلى الاستعداد مسبقاً لتعزيز قدراتها العسكرية في المناطق المتاخمة للحدود.

4- توسيع نطاق المواجهة مع إسرائيل: تستهدف إيران أيضاً عبر هذه القاعدة توسيع نطاق المواجهة مع إسرائيل، خاصة أنها تتوقع أن تواصل الأخيرة عملياتها الأمنية والاستخباراتية لمهاجمة منشآتها النووية والعسكرية خلال المرحلة القادمة، في ظل استمرار التصعيد بين الطرفين بسبب البرنامجين النووي والصاروخي والدور الإقليمي. وفي هذا الصدد، فإن هذه القاعدة توفر لإيران مزيداً من الخيارات فيما يتعلق بمهاجمة أهداف في بحر العرب وخليج عُمان، وهي المناطق التي سبق أن تعرضت فيها سفن إسرائيلية لهجمات وجهت فيها تل أبيب اتهامات مباشرة لطهران، التي تحاول عبر ذلك رفع كلفة العمليات الاستخباراتية التي تقوم بها إسرائيل في الداخل.

5- تقليص تداعيات أي هجوم عسكري محتمل: لم تعد إيران تستبعد أن تتعرض لهجوم عسكري سواء من جانب الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل بسبب استمرار الخلافات العالقة بين الطرفين حول العديد من الملفات. وقد بدا ذلك جلياً على سبيل المثال في التصريحات التي أدلى بها مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في 4 مايو الجاري، والتي قال فيها: “إن الولايات المتحدة أوضحت لطهران أنها لن تسمح لها بامتلاك أسلحة نووية، وأنها ستقوم بكل الإجراءات اللازمة لمنعها، بما في ذلك الاعتراف بحرية إسرائيل في اتخاذ الإجراءات اللازمة”.

ومن هنا، فإن إيران تسعى في الوقت الحالي إلى تقليص التداعيات التي يمكن أن يفرضها أي هجوم عسكري ضدها، عبر توزيع قواعدها العسكرية في مختلف أنحاء إيران، إلى جانب إخفاء بعض تلك القواعد تحت الأرض لحمايتها من مثل هذه الهجمات.

تشدد مستمر

في ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن هذه الإجراءات التي تتخذها إيران في المرحلة الحالية تطرح دلالات رئيسية ثلاث:

الأولى، أنها ما زالت ترى أن هناك مخططاً تقوده قوى خارجية يسعى للإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية حتى بعد تراجع حدة الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في منتصف سبتمبر الماضي.

والثانية، أنها باتت تعتبر أن التهديدات التي تتعرض لها في المرحلة الحالية لم يعد مصدرها جانبها الغربي فقط، خاصة من خلال الوجود العسكري الأمريكي في الخليج والعراق، وإنما من جانبها الشرقي أيضاً عبر الوجود الإسرائيلي الذي يتسع نطاقه في بعض دول آسيا الوسطى، على نحو بدا جلياً في نجاح إسرائيل في افتتاح سفارتها في تركمانستان، في 20 أبريل الفائت، بعد رفع مستوى علاقاتها مع أذربيجان. والثالثة، أن إيران لن تتراجع عن سياستها الحالية التي تقوم على تطوير برنامجيها النووي والصاروخي، حتى لو أبرمت صفقة جديدة مع القوى الدولية، بالتوازي مع تعزيز التمدد الإقليمي في دول الجوار، على نحو دفعها إلى تبني سياسة تقوم على أن “التوتر” سوف يكون عنواناً رئيسياً لعلاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل خلال المرحلة القادمة.