تحديات قائمة:
دلالات انعقاد مؤتمر “دعم سوريا” في بروكسل

تحديات قائمة:

دلالات انعقاد مؤتمر “دعم سوريا” في بروكسل



تستعد بروكسل لاستضافة النسخة السابعة من مؤتمر “دعم سوريا” في 14 و15 يونيو الجاري، برعاية الاتحاد الأوروبي، وبمشاركة عدد واسع من القوى الإقليمية والدولية ومنظمات المجتمع المدني. ويستهدف المؤتمر بصورة رئيسية ضمان استمرار الدعم للشعب السوري، سواء في سوريا أو في المنطقة الأوسع، من خلال تعبئة المجتمع الدولي لدعم حل سياسي شامل وموثوق للنزاع السوري يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وثمة رهان على أن هذا المؤتمر يمكن أن يساعد في إنهاء حالة التوتر والاحتقان المتصاعدة في البلاد، والتأسيس لتفاهمات جديدة ما بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والأطراف السياسية الفاعلة في معادلة الصراع السوري.

توقيت لافت

تأتي النسخة السابعة لمؤتمر “دعم سوريا”، والتي من المقرر عقدها خلال الأيام المقبلة، في توقيت لافت يتزامن مع تطورات مغايرة تشهدها الأزمة السورية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- الانفتاح الإقليمي على دمشق: يُعقد مؤتمر “دعم سوريا” في بروكسل بالتوازي مع انفتاح إقليمي واسع على دمشق، وظهر ذلك في محاولات تركيا الوصول إلى تفاهمات مع سوريا، وتقليص حدة التوتر بين البلدين برعاية روسية ومشاركة إيرانية. ويمكن أن تساعد عودة العلاقات مع أنقرة في احتواء بعض أزمات الاقتصاد السوري، فضلاً عن أن استدارة أنقرة ناحية دمشق تمنح الأخيرة فرصاً أكبر لمواجهة الضغوط الغربية المفروضة عليها.

2- عودة سوريا إلى الجامعة العربية: لا ينفصل توقيت انعقاد مؤتمر “دعم سوريا” عن التطور الملحوظ في العلاقات العربية-السورية، وهو ما بدا جلياً في حضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة العربية التي استضافتها الرياض في 19 مايو الفائت. ويُشار في هذا الصدد إلى أن دمشق بدأت تنخرط في مفاوضات عربية لصياغة ترتيبات وتنفيذ شروط من أبرزها ضمان وصول المساعدات وإعادة اللاجئين، واستئناف عمل اللجنة الدستورية، والإفراج عن السجناء، وكذلك إجراء انتخابات مع خطوات ميدانية وعسكرية ترتبط بوقف إطلاق النار وإخراج القوات الأجنبية.

3- تصاعد حدة الضغوط الأمريكية: تُبدي الولايات المتحدة الأمريكية سياسة أكثر تشدداً حيال النظام السوري، مقارنة بالدول الأوروبية التي تسعى إلى تأمين حل سياسي للأزمة السورية التي فرضت ارتدادات سلبية على مصالحها وأمنها بسبب أزمة اللاجئين. وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد كشفت، في 30 مايو الفائت، عن إصدارها عقوبات جديدة تتعلق بسوريا، استهدفت شركتي “الفاضل” و”الأدهم” للصرافة. ويشار إلى أنه منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011 فرضت الإدارات الأمريكية المتعاقبة عقوبات على كيانات وأشخاص مرتبطين بالنظام السوري. كما تقدم مشرّعون أمريكيون، في 12 مايو الفائت، بمشروع قانون يمنع الاعتراف بأي حكومة سورية بقيادة بشار الأسد، ويوسع قانون “قيصر” الأمريكي الذي يفرض مجموعة عقوبات صارمة على سوريا منذ 2020.

4- تفاقم الأزمة الإنسانية الداخلية: تتزامن النسخة السابعة من مؤتمر “دعم سوريا” مع تصاعد حدة الأزمة الإنسانية في سوريا، والتي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة بعد زلزال 6 فبراير الماضي الذي ضرب مناطق جنوب تركيا وشمال سوريا. وتكشف تقديرات الأمم المتحدة أن الأضرار والخسائر الإجمالية التي سببها الزلزال في سوريا تبلغ قرابة 9 مليارات دولار. كما تُشير التقديرات إلى ضرورة تأمين حوالي 15 مليار دولار لجهود الإنعاش في المناطق المنكوبة.

بالتوازي مع ذلك، كانت منظمة العفو الدولية قد دعت، في 13 مايو الفائت، إلى استمرار مساعدات الأمم المتحدة عبر المعابر الحدودية بين سوريا ودول الجوار، والتي يعتمد عليها ملايين الأشخاص المتضررين من زلزال 6 فبراير لضمان بقائهم على قيد الحياة.

أهمية استثنائية

تحظى النسخة السابعة من مؤتمر “دعم سوريا” بأولوية استثنائية، حيث تعد هذه النسخة الأهم كونها تتزامن مع سياقات مغايرة تشهدها الأزمة في سوريا، ولذلك تمثل نتائجها أهمية كبرى حيال معالجة الصراع السوري أو على الأقل محاصرة تداعياته السلبية. إذ يتوقع أن يساهم مؤتمر بروكسل المقبل في تجديد الدعم السياسي والمالي من جانب المجتمع الدولي لسوريا، ودول الجوار السوري التي تستضيف اللاجئين. وتجدر الإشارة إلى أن الفترة الماضية شهدت عقد مؤتمر خاص للجهات المانحة لدعم شعبى تركيا وسوريا في أعقاب زلزال فبراير. ويبقى مؤتمر بروكسل السابع الحدث الرئيسي للإعلان عن التبرعات هذه السنة لسوريا وكل الدول المجاورة لها.

فضلاً عن ذلك، يوفر مؤتمر “دعم سوريا” في نسخته السابعة مناخاً مواتياً لتعزيز فرص الحوار والتواصل مع المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية الناشطة في سوريا والمنطقة. كما يتوقع أن يدفع مؤتمر بروكسل إلى تقليص حدة المواقف الغربية المتشددة تجاه سوريا، خاصة في ظل نجاح النظام السوري في تحقيق اختراق وتعزيز حضوره على الصعيدين الإقليمي والعربي خلال الفترة الماضية.

وبالتوازي مع ذلك، يمكن أن تساهم النسخة السابعة من المؤتمر في تخفيف الضغوط الاقتصادية على النظام السوري، خاصة مع عودة الاحتجاجات الشعبية في بعض المناطق السورية بسبب تردي الأوضاع المعيشية، وتراجع مؤشرات الاقتصاد، وتفاقم معدلات التضخم والبطالة. لذلك، قد تستثمر دمشق هذا المؤتمر لاحتواء الاستياء الشعبي المتنامي، ومحاصرة الاحتجاجات التي تطالب بتحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية للمواطنين.

عقبات رئيسية

على الرغم من الفرص التي يحتمل أن توفرها النسخة السابعة من مؤتمر “دعم سوريا” في بروكسل، إلا أن ثمة تحديات تواجه هذا المؤتمر، في الصدارة منها محاولات الولايات المتحدة الأمريكية محاصرة النظام السوري، على نحو بدا جلياً فياستمرار بعض المواقف الأمريكية المتشددة تجاه النظام السوري، فبينما تصر واشنطن على خروج نظام الأسد من السلطة وضرورة الوصول إلى تسوية تتوافق مع القرار الأممي رقم 2254، وتمضي قدماً في دعم مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية (قسد) في شمال سوريا التي تعتبر أنها طرف مهم في الحرب ضد تنظيم “داعش”، ترفض كذلك الجهود التي تبذل للوصول إلى تسوية للخلافات العالقة بين تركيا وسوريا تمهيداً لتطبيع العلاقات بين الطرفين.

وعلى صعيد متصل، لا يزال العنف والعنف المضاد على الساحة السورية أحد العوامل التي تمثل تحدياً أمام أية تحركات لمساعدة سوريا، فضلاً عن الاحتجاجات المحلية التي بدأت تعود للأفق مجدداً بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، التي قد تزيد من تعقيدات المشهد السياسي.

ختاماً، يمكن القول إن مؤتمر “دعم سوريا” بقدر ما يكتسب أهمية في هذا التوقيت، خاصة مع تفاقم الأوضاع في الداخل السوري؛ إلا أنهمن غير المتوقع في المدى القريب أو المتوسط أن تسفر نتائج هذا المؤتمر عن تحقيق اختراق واسع في معالجة الأزمة السورية سياسياً، أو تقليص حدة التداعيات الاقتصادية في البلاد، في ظل تبني قوى غربية، منها الولايات المتحدة الأمريكية، مواقف متشددة تجاه النظام السوري.