أزمة متصاعدة:
دلالات انعقاد “قمة برازافيل” حول ليبيا

أزمة متصاعدة:

دلالات انعقاد “قمة برازافيل” حول ليبيا



عقدت اللجنة رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي المعنية بليبيا اجتماعاً في الكونغو برازافيل، في 5 فبراير الجاري، وذلك بمشاركة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، ورئيس جمهورية جزر القمر المتحدة، ورئيس الاتحاد الأفريقي، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، والمبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي، وممثلين عن دول الجوار، وممثلي الدول والحكومات الأعضاء في اللجنة.

ودعا الاجتماع جميع الأطراف الخارجية إلى التوقف عن التدخل في الشئون الداخلية لليبيا، كما طالب بخروج المرتزقة الأجانب من ليبيا، ورحب بعقد اجتماع للقوى السياسية الليبية من أجل إتمام المصالحة في أبريل المقبل. ويطرح عقد هذا الاجتماع تساؤلات عديدة حول أسباب اهتمام الاتحاد الأفريقي، والكونغو برازافيل، بممارسة دور بارز في الجهود التي تبذل من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة الليبية، والتعامل مع الإشكاليات التي فرضتها، على غرار الموقف من المليشيات المسلحة والمرتزقة.

دوافع عديدة

يمكن تفسير اهتمام الكونغو برازافيل، والاتحاد الأفريقي، بالمساهمة في الجهود التي تبذل من أجل الوصول إلى تسوية للأزمة الليبية في ضوء دوافع عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- تعزيز الدور داخل الاتحاد الأفريقي: تتولى الكونغو برازافيل رئاسة اللجنة رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الأفريقي والمعنية بليبيا. لذلك تتطلع من خلال رئاستها لهذه اللجنة إلى تعزيز دورها داخل الاتحاد الأفريقي وعلى الساحة الأفريقية بشكل عام، حيث تقدمت، في عام 2017، بمقترح إلى الاتحاد لجمع الأطراف الليبية ووضع خريطة طريق من أجل تحقيق السلام في ليبيا. كما عين الرئيس الكونغولي دينيس ساسو نغيسو وزير الخارجية جان كلود جاكوسو مبعوثاً خاصاً في الملف الليبي، والذي أجرى مباحثات مع المسئولين الليبيين من أجل دعم فرص إنهاء المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

2- دعم الجهود الأفريقية في الملف الليبي: أكد الرئيس الكونغولي دينيس ساسو نغيسو أن “هذه القمة تدعم الجهود الأفريقية من أجل وضع حلول لمشاكل القارة بعيداً عن التدخلات الأجنبية التي تفاقم الأزمات وبما يضمن سيادة ووحدة أراضي دول القارة”. وتبذل الكونغو برازافيل منذ بداية عام 2023 جهوداً دبلوماسية مكثفة لتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية الليبية، وعقدت اللجنة رفيعة المستوى اجتماعاتها في هذا الخصوص خلال العامين 2017 و2018، غير أنها لم تنجح في تحقيق نتائج مُرضية، ولم تعقد اجتماعات منذ عام 2019، لكن يبدو أن الكونغو تحاول استغلال حالة التراجع النسبي في مستوى المواجهات العسكرية بين الجيش والمليشيات في ليبيا، لدفع العملية السياسية ودفع مسار المصالحة السياسية بين القوى الليبية، حيث يمكن أن يضطلع الاتحاد الأفريقي، وفقاً لرؤيتها، بدور محوري في هذا الملف.

3- توسيع نطاق التعاون مع واشنطن: التقى الرئيس الكونغولي دينيس ساسو نغيسو في واشنطن مع مسئولين ليبيين، حيث أجريت مباحثات حول المصالحة الوطنية في ليبيا، وذلك على هامش القمة الأمريكية- الأفريقية الأخيرة التي عقدت في الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر 2022.

وتشير تقارير عديدة إلى أن الكونغو تدرك أهمية الدور الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية في الملف الليبي، وهو ما يدفعها إلى بذل جهود حثيثة من أجل تعزيز علاقاتها مع واشنطن، على اعتبار أن ذلك يمكن أن يمثل متغيراً مهماً قد يكون له تأثير في توسيع نطاق الدور الذي تقوم به برازافيل في هذا الملف تحديداً.

عقبات مختلفة

على الرغم من أن قمة برازافيل تكتسب أهمية خاصة في تحديد مدى قدرة الاتحاد الأفريقي على دفع الأطراف الليبية إلى الجلوس على مائدة التفاوض وإتمام المصالحة الليبية، لكن يمكن القول إن ثمة تحديات داخلية وخارجية لا تزال تعرقل الجهود التي تبذل في هذا الصدد، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- موقف المليشيات من المصالحة: تعد المليشيات المسلحة التي تسعى إلى تعزيز نفوذها داخل ليبيا أحد أهم العقبات التي تحول دون الوصول إلى توافق عام بين القوى والمؤسسات الليبية لإنهاء المرحلة الانتقالية الحالية والوصول إلى المصالحة الوطنية، حيث ترى أن هذا التوجه يمكن أن يهدد مصالحها ويخصم من نفوذها، وهو ما يمكن من خلاله تفسير تصاعد حدة المواجهات المسلحة بين تلك المليشيات خلال الفترات التي تتواصل فيها الجهود لإنهاء المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

2- إشكالية خروج المرتزقة الأجانب: يرى مراقبون أن ثمة صعوبات تواجه خروج المرتزقة الأجانب من ليبيا، وهو من التوصيات الهامة التي انتهت إليها قمة برازافيل، حيث لا تزال بعض القوى الليبية تتمسك وتعتمد على المرتزقة الأجانب في دعم نفوذها السياسي والعسكري في الداخل الليبي، كما تمارس قوى إقليمية ودولية دوراً رئيسياً في دعم بقاء المرتزقة لحماية مصالحها في ليبيا.

3- التنافس بين الدول الأعضاء: رغم أن اللجنة تضم عديداً من دول جوار ليبيا والدول الأفريقية المعنية بوضع حل للأزمة الليبية، لكن يبدو أن ثمة خلافات ومنافسات بدا لافتاً أنها أنتجت تأثيرات مباشرة على مواقف الدول الأعضاء، وهو ما يحد من دور اللجنة كآلية فعالة لتحقيق المصالحة في ليبيا، ويجعل منها، حسب اتجاهات عديدة، أقرب إلى منتدى إقليمي لإصدار توصيات غير ملزمة لأطرافها أو للقوى السياسية وأجنحتها العسكرية في ليبيا.

إجمالاً، يُمكن القول إن ثمة تحديات عديدة لا تزال تواجه دور الاتحاد الأفريقي في تحقيق التقارب بين القوى السياسية وإتمام عملية المصالحة الوطنية في ليبيا. وكان المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي قد عبر خلال كلمته في اجتماع اللجنة، عن حجم الخلافات العالقة بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب بشأن المصالحة الوطنية، حيث يتنافس المجلسان من أجل السيطرة على إدارة عملية المصالحة والملفات الهامة، وهو الأمر الذي يزيد من حدة الصراع والتنافس في ملف المصالحة الذي يواجه اختباراً صعباً في الفترة الحالية.