تحديات مشتركة:
دلالات انعقاد اجتماع “5+5 دفاع” في الرباط

تحديات مشتركة:

دلالات انعقاد اجتماع “5+5 دفاع” في الرباط



استضافت المملكة المغربية، في 27 أكتوبر الفائت، فعاليات الاجتماع الرابع عشر لرؤساء أركان القوات المسلحة لثماني دول أعضاء في مبادرة “5+5 دفاع”، هي فرنسا وإيطاليا وليبيا ومالطا وموريتانيا والمغرب والبرتغال وإسبانيا. ومثّل هذا الاجتماع مبادرة مهمة لإطلاق المشاورات السياسية بين الدول الأعضاء بما يهدف لتعزيز العلاقات السياسية بين هذه الدول ورفع مستوى التنسيق حول العديد من الملفات التي تكتسب طابعاً أمنياً في المقام الأول.

سياق مختلف

يمكن القول إن الاجتماع الأخير لمبادرة “5+5 دفاع” – التي تضمخمس دول من الضفة الجنوبية للمتوسط، وخمس دول من الضفة الشمالية – اكتسب أهمية خاصة، تميزه عن ما سبقه من اجتماعات، خاصة أنه يعقد في ظل بيئة إقليمية ودولية تبدو مفعمة بكثير من عوامل التوتر والتصعيد، على نحو لم تشهده الساحتان الإقليمية والدولية خلال العقود الأخيرة.

إذ يأتي الاجتماع في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر بين الجزائر والعديد من الدول المشاركة في المبادرة، على غرار المغرب وأسبانيا، بسبب قضية الصحراء تحديداً. فضلاً عن ذلك، فإنه رغم الجهود التي بذلتها فرنسا من أجل احتواء التصعيد المستمر مع بعض دول المغرب العربي، إلا أن ثمة خلافات ما زالت قائمة بين الطرفين، ويأتي في مقدمتها أزمة التأشيرات، التي أثارها قرار الحكومة الفرنسية تخفيض التأشيرات الممنوحة للمواطنين القادمين من هذه الدول.

كما برز خلاف بين المغرب وتونس بعد استضافة الأخيرة زعيم جبهة البوليساريو في 26 أغسطس الماضي، على هامش اجتماعات المنتدى الاقتصادي الأفريقي-الياباني، حيث أثارت تلك الخطوة استياء المغرب، التي اعتبرت أنها تمثل “عملاً خطيراً وغير مسبوق”.

إلى جانب ذلك، فإن انعقاد الاجتماع تزامن مع تصاعد حدة التهديدات التي تفرضها التطورات الميدانية في بعض الدول، على غرار ليبيا، التي تحظى باهتمام خاص من جانب كل الدول المشاركة في المبادرة، لاعتبارات أمنية واقتصادية وسياسية عديدة. بالإضافة إلى تزايد حالة الانفلات الأمني في دول أخرى مثل بوركينافاسو التي شهدت انقلاباً عسكرياً، في بداية أكتوبر الفائت. ويتوازى ذلك مع تفاقم المخاوف من التداعيات التي يمكن أن يفرضها الانسحاب العسكري الفرنسي من منطقة الساحل، والذي تسعى قوى دولية عديدة إلى ملء الفراغ الناتج عنه، مثل روسيا، على نحو لا يتوافق مع مصالح العديد من الدول المشاركة في المبادرة، خاصة في ظل استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية التي بدأت في 24 فبراير الماضي.

ورغم ذلك، فإن هذه التطورات في مجملها بقدر ما فرضت تحديات أمام المبادرة، بقدر ما يمكن أن تمثل دافعاً للدول المشاركة فيها من أجل توسيع نطاق التشاور والتنسيق فيما بينها حول العديد من القضايا والأزمات التي تحظى باهتمام مشترك. وقد انعكس ذلك في التوصيات التي انتهى إليها الاجتماع، والتي ركزت على ضرورة العمل على مواصلة عقد هذه الاجتماعات بما يساعد في استمرار المبادرة، وبذل الجهود متعددة الأطراف للتعامل مع قضايا مثل السلامة البحرية والأمن الجوي، إلى جانب اتخاذ خطوات إجرائية لرفع مستوى التعاون في مجال البحث الأكاديمي، دون إغفال قضايا أخرى مثل الهجرة غير الشرعية، والإرهاب، والتلوث البحري، وإزالة الألغام.

أهداف عديدة

سعت الدول التي شاركت في اجتماع مبادرة “5+5 دفاع” في نسخته الـرابعة عشرإلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- توسيع نطاق التنسيق السياسي: تحاول الدول المشاركة في المبادرة تشجيع استمرار دورية هذا الاجتماع، وتطوير آلياته، باعتبار أنه يمكن أن يُشكل منتدى مهماً ربما يساعد في تعزيز المشاورات والتنسيق فيما بينها، خاصة في ظل القضايا التي تحظى باهتمام مشترك، والتي يمكن أن تفرض التطورات التي تشهدها تهديدات مباشرة على أمنها ومصالحها. ومن هنا، جاءت الدعوة التي وجهها العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى دول المبادرة، من أجل تفعيل الإطار الجيواستراتيجي للتشاور السياسي فيما بينها وتعزيز التعاون بهدف دعم الأمن والاستقرار في المنطقة ومعالجة الأسباب الرئيسية لبعض الأزمات، على غرار الهجرة غير الشرعية.

2- بناء تحالفات استراتيجية إقليمية ودولية: تسعى المغرب عبر مثل هذه المنتديات إلى تأسيس تحالفات استراتيجية مع الدول التي تشاركها الاهتمام في العديد من الملفات الإقليمية والدولية. ويأتي ذلك في سياق الجهود التي تبذلها الرباط لدعم موقعها ومكانتها كقوة إقليمية في منطقة شمال أفريقيا، تمارس دوراً في العديد من المناطق الأخرى، على غرار المنطقة الأورومتوسطية، والساحل والصحراء، فضلاً عن دورها في العديد من الملفات، مثل الملف الليبي. وفي هذا السياق، كان من اللافت تأكيد الفريق أول الفاروق بلخير، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية، قائد المنطقة الجنوبية، على تمسك القوات المسلحة الملكية بالتعاون العسكري متعدد الأطراف للتصدي لمختلف التحديات التي تواجهها المنطقة.

3- تطوير التعاون البحري الثنائي والمتعدد: يُمثل الأمن البحري أحد أهم الملفات التي تسعى الدول المشاركة في المبادرة إلى وضعها كمحور رئيسي في المباحثات التي تجري فيما بينها. وقد اهتمت توصيات الاجتماع بالتركيز على التعاون متعدد الأطراف في مجال السلامة البحرية، والتعامل مع الكوارث البحرية التي يمكن أن تقع في نطاق المنطقة التي تضم دول المبادرة. ومن دون شك، فإن ذلك يعود، في قسم منه، إلى تفاقم أزمة الهجرة غير الشرعية من جنوب المتوسط إلى شماله، على نحو بات يفرض تداعيات أمنية واقتصادية واجتماعية لا تبدو هينة على الدول الأوروبية بشكل عام، والدول المشاركة في المبادرة على سبيل الخصوص.

4- تعزيز العلاقات العسكرية والأمنية: استهدف اجتماع “5+5 دفاع” تعزيز التعاون العسكري والأمني،  لا سيما فيما يتعلق بتبادل المعلومات المتعلقة بالمراقبة الجوية والبحرية، فضلاً عن ترسيخ آليات التدريبات العسكرية المشتركة، على نحو يمكن تفسيره في ضوء تزايد قلق الدول المشاركة من استمرار أنشطة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، وعدم استبعاد سعيها إلى استغلال موجات الهجرة غير الشرعية من أجل تجاوز الإجراءات الأمنية التي تفرضها الدول الأوروبية وتعزيز قدرتها على استئناف تنفيذ عمليات إرهابية داخل تلك الدول، على غرار ما حدث في الأعوام الماضية.

جهود مستمرة

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن استمرار المشاورات بين هذه الدول ربما يساعد في تطوير هذا المنتدى وتوسيع نطاقه خلال المرحلة القادمة، ليتحول إلى محور إقليمي جديد تحاول الدول المشاركة فيه تعزيز جهودها للتعامل مع التحديات الأمنية والاستراتيجية التي تواجهها. وربما من هنا يمكن تفسير حرص هذه الدول على الوصول إلى توصيات سوف يتم تضمينها في الإعلان المشترك الذي سيتوج أعمال الاجتماع الثامن عشر لوزراء دفاع دول المبادرة الذي سوف يعقد أيضاً في الرباط في 16 ديسمبر القادم.