أعلنت لجنة انتخابات نقابة الصحفيين السودانيين، في 28 أغسطس 2022، فوز “عبدالمنعم أبو إدريس علي” (56 عاماً)، بمنصب نقيب الصحفيين، وذلك بعد حصوله على 205 أصوات من إجمالي 595 عدد الأصوات الصحيحة، حيث بلغ إجمالي أصوات الصحفيين المشاركين في هذه الانتخابات 659 صوتاً، منها 63 إلكترونياً، و596 ورقياً، بينما كانت الأصوات الباطلة 64 صوتاً، ليصبح بذلك أول نقيب منتخب للصحفيين السودانيين منذ تولي الرئيس المعزول “عمر البشير” السلطة في 30 يونيو 1989.
وقد أشارت النتائج النهائية لانتخاب نقيب الصحفيين السودانيين التي أُجريت في 27 أغسطس الجاري، وتنافس فيها على منصب النقيب 7 مرشحين من ثلاث قوائم انتخابية، إلى فوز “عبدالمنعم أبو إدريس” مرشح قائمة “الوحدة الصحفية” بالمرتبة الأولى بعد حصوله على 205 أصوات، وفي المرتبة الثانية “أيمن سنجراب” مرشح “شبكة الصحفيين” بحصوله على 158 صوتاً، بينما حل “ميسرة عيسى سالم” مرشح “التحالف المهني” في المرتبة الثالثة بحصوله على 101 صوت، فيما حازت المرشحة المستقلة “درة قمبو” على 86 صوتاً، كما تنافس 110 صحفيين على عضوية مجلس النقابة (39 عضواً).
سياق مضطرب
جاء إجراء انتخابات نقيب الصحفيين في سياق ما تشهده السودان من متغيرات سياسية متسارعة تشير إلى استمرار سمة عدم الاستقرار في المشهد السياسي الراهن منذ انقلاب الجيش على السلطة الانتقالية في 25 أكتوبر الماضي، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- استمرار الجمود السياسي في البلاد: لا تزال سمة الجمود هي المسيطرة على المشهد السياسي الراهن، في ظل عدم قدرة القوى السياسية المدنية على التوصل إلى توافق شامل لإنهاء الأزمة السياسية الحالية عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتسلم السلطة من المكون العسكري، ومن ذلك إصدار قوى الحرية والتغيير – مجموعة التوافق الوطني “إعلاناً سياسياً للحكم المدني الديمقراطي” ينص على تشكيل جسم سيادي لإدارة فترة انتقالية تتفق عليها الأطراف؛ إلا أنه لم يحظَ بموافقة باقي القوى السياسية، وعلى رأسها المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير.
2- اضطرابات أمنية في دارفور: حيث شهدت ولاية شمال دارفور اعتصاماً نظمه نازحو معسكر “زمزم”، أحد أكبر المخيمات التي تُؤوي الآلاف من ضحايا الحرب بولاية شمال دارفور، والذي دخل يومه السابع، وذلك احتجاجاً على تردي الأوضاع الأمنية، وتزايد الاعتداءات التي تنفذها ضدهم مليشيات مسلحة، في ظل عدم قدرة السلطات الانتقالية على فرض الأمن والسلم بولايات دارفور المختلفة، كما أن هذا الاعتصام تزامن مع زيارة وفد الجنائية الدولية لإقليم دارفور.
3- إجراء تغييرات عسكرية موسعة: حيث شهدت البلاد إجراء تغييرات عسكرية موسعة شملت عدداً من القيادات الكبرى داخل الجيش السوداني، والتي شملت قادة القوات البرية والعمليات والإمداد، وكذلك المفتش العام للجيش، وإعادة تشكيل رئاسة هيئة الأركان، وذلك في إطار الإجراءات الدورية للحفاظ على التسلسل الهرمي والتدرج الوظيفي لضباط الجيش، وفقاً لضوابط ولوائح القوات المسلحة.
أبعاد سياسية
اكتسب انتخاب الصحفي “عبدالمنعم أبو إدريس” مرشح “قائمة الوحدة الصحفية” بمنصب نقيب الصحفيين السودانيين، أهمية خاصة، وذلك نظراً لما يحمله ذلك من دلالات سياسية هامة، من أبرزها ما يلي:
1- الانتخابات الأولى منذ ثلاثة عقود: تم إجراء الانتخابات الخاصة باختيار نقيب للصحفيين السودانيين ومجلس نقابة لأول مرة منذ 33 عاماً، عندما تولى نظام الإنقاذ السابق السلطة في 30 يونيو عام 1989، وقت أن قاد الرئيس المعزول “عمر البشير” والحركة الإسلامية انقلاباً على السلطة، وتولى الحكم، وبعدها اتخذ نظام الإنقاذ مجموعة من الإجراءات الخاصة بتثبيت دعائمه في السلطة، ومن بينها تقييد الحريات، ومن بينها القيام بحل آخر نقابة منتخبة ديمقراطياً للصحفيين في ذلك الوقت. ومنذ ذلك الحين، لم يتم إجراء انتخابات مماثلة، حيث استحدث النظام السابق والإخوان المسلمون ما أطلقوا عليه “قانون المنشأة” الذي أتاح لنظام “البشير” السابق تشكيل اتحاد للصحفيين بالمخالفة لطبيعة ولوائح النقابات، ليظل ضامناً لسيطرة الموالين له على النقابات المهنية في السودان.
2- تراجع هيمنة إخوان السودان: جاء انتخاب الصحفي “أبو إدريس” نقيباً للصحفيين السودانيين ليوجه هزيمة وتراجعاً لهيمنة الإخوان المسلمين على نقابة الصحفيين، بعد أن فرضت سيطرتها عليها طوال عهد الرئيس المعزول “عمر البشير” في إطار تطبيق سياسة التوغل داخل كافة مؤسسات الدولة والنقابات المهنية داخل البلاد، لتحقيق أغراض ومكاسب حزبية ضيقة على حساب المصالح الوطنية للبلاد. وتُشير المصادر المحلية أيضاً إلى فشل محاولات أنصار الإخوان المسلمين وحزب المؤتمر الوطني المنحل في إفشال هذه الانتخابات عبر تعطيلها أو تأجيلها، وذلك من خلال نشر شائعات مكثفة لتعطيل عملية الانتخابات ومن بينها إيقاف التصويت بواسطة مسجل تنظيمات العمل التابع لوزارة العدل، كما سحبت دوريات الشرطة من مقر الاقتراع.
3- دعم حرية الرأي والتعبير: أشارت التصريحات الأولى لنقيب الصحفيين السودانيين عقب إعلان فوزه بهذا المنصب إلى اتجاهه لتنفيذ برنامجه الانتخابي الخاص بتطوير العمل النقابي على عدة مستويات؛ أولها المستوى السياسي الذي يؤيد فيه التحول المدني الديمقراطي وحرية الحقوق والتعبير عن الرأي، وعلى المستوى المهني العمل على تأسيس نقابة مهنية حرة تعمل على تصحيح أوضاع الصحفيين التي تعرضت للظلم طوال الثلاثين عاماً الماضية، وخاصة فيما يتعلق بأجور الصحفيين ورفع خبراتهم المهنية عبر دورات تدريبية مكثفة في الداخل، وعبر التعاون مع النقابات الصحفية خارج البلاد، وفي ذلك مؤشر على تبني نقيب الصحفيين المنتخب نهجاً إصلاحياً يهدف إلى التطوير وتحسين أوضاع الصحفيين، بما يتماشى مع الظروف السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد.
4- تشكل تحالفات صحفية جديدة: جاء فوز “أبو إدريس” بمنصب نقيب الصحفيين ليعكس نجاح تجربة التحالفات القائمة بين ثلاثة كيانات صحفية هي: “التجمع الديمقراطي للصحفيين السودانيين”، و”القائمة المهنية المستقلة”، و”كيان الصحفيات” وتحالف تحت مسمى “قائمة الوحدة الصحفية”، وذلك بعد سلسلة اجتماعات ومشاورات بين هذه الكيانات الثلاثة لخوض هذه الانتخابات والفوز بها، عبر دعم مرشح للحصول على منصب النقيب، وفي الوقت نفسه الإعداد لضمان المشاركة في مجلس النقابة المقرر تشكيله في شهر سبتمبر القادم، شريطة أن يضمن تمثيلاً معتبراً للصحفيات لا يقل عن 25% من أعضاء مجلس النقابة، وأن يمثل مجلس النقابة من بعض الولايات السودانية، ولا يقتصر فقط على العاصمة الخرطوم.
5- تأييد الحكم المدني الديمقراطي: جاءت عملية انتخاب نقيب جديد للصحفيين السودانيين، بمثابة الخطوة الأولى في عملية البناء الديمقراطي بهذه المرحلة السياسية الحرجة التي يمر بها السودان، حيث قدم الصحفيون الذين شاركوا في هذه الانتخابات –وفقاً للمراقبين- تجربة خاصة اتسمت بالشفافية والنزاهة، ورسموا صورة متحضرة للممارسة الديمقراطية في سبيل تأسيس الدولة المدنية، وهو ما يمكن تكراره على المستوى القومي إذا أُتيحت الفرصة لإجراء انتخابات عامة (برلمانية، ورئاسية، ومحلية) في البلاد. ولعل البيان الصادر عن قائمة الوحدة الصحفية يشير إلى رفضهم الحكم الديكتاتوري الشمولي، في إشارة إلى رفض حكم المكون العسكري وبقائه على رأس السلطة.
6- تطبيق تجربة التصويت الإلكتروني: وذلك لأول مرة في تاريخ التصويت داخل النقابات السودانية بصفة عامة، وتشير نتائج التصويت إلى صحة 63 صوتاً تم الإدلاء بها إلكترونياً، وهي سابقة من نوعها في السودان، بشكل يمنح القائمين على أية انتخابات قادمة، التفكير في تطبيق هذا الأمر تسهيلاً على الناخبين، وتشجيعاً لتسجيل نسبة مشاركة أعلى عند تطبيق الوسائل الإلكترونية في التصويت.
تحديات ضاغطة
خلاصة القول، تشير المعطيات الراهنة إلى أن انتخاب “أبو إدريس” نقيباً للصحفيين السودانيين، سوف تواجهه بعض التحديات خلال الفترة القادمة، خاصة وأن النقيب الجديد يتبنى وجهة النظر الرافضة لانقلاب الجيش على السلطة الانتقالية، كما يرفض عودة أنصار النظام السابق من قيادات حزب المؤتمر الوطني المنحل والحركة الإسلامية إلى السلطة مرة أخرى، وهو ما قد يؤثر -بشكل أو بآخر- على تنفيذ أجندته الانتخابية التي تدعمها الكيانات الصحفية المتحالفة تحت مسمى قائمة الوحدة الصحفية، وخاصة فيما يتعلق بتطوير العمل الصحفي داخل نقابة الصحفيين، ودعم مطالبهم ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي، في ظل ما تواجهه البلاد من أزمة اقتصادية متفاقمة، وأزمة سياسية ممتدة مرشحة للاستمرار في ظل غياب التوافق السياسي بين الأطراف السودانية.