تحجيم العودة:
دلالات العمليات العسكرية الجديدة ضد “داعش” في العراق

تحجيم العودة:

دلالات العمليات العسكرية الجديدة ضد “داعش” في العراق



أعلنت الأجهزة المعنية في العراق (26 ديسمبر الماضي) تنفيذ عملية عسكرية موسعة في ثلاث محافظات لملاحقة فلول تنظيم “داعش” الإرهابي، ومكافحة الجريمة بمختلف صورها، في ظل نشاط ملحوظ للتنظيم خلال الأشهر القليلة الماضية، وتتركز العملية في محافظات الأنبار غرباً ونينوى وصلاح الدين شمالاً. ووفقاً لبيان خلية الإعلام الأمني التابعة لوزرة الدفاع؛ فإن العملية الأولى انطلقت في جنوب غربي قضاء الرطبة بمحافظة الأنبار، أما الثانية فانطلقت غرب مدينة الثرثار بمحافظة صلاح الدين، فيما انطلقت العملية الثالثة جنوب قضاء الحضر بمحافظة نينوى، بما يطرح تساؤلاتٍ حول دلالات العملية الموسعة لناحية توقيتها ونطاقاتها الجغرافية.

سياقات مهمة

بالنّظر إلى عمليات تنظيم “داعش” في العراق خلال الشهرين الماضيين على وجه الخصوص، أي قبل وأثناء العمليات العسكرية، سواء في ديالى أو في المحافظات الجديدة؛ يتضح أن معدل العمليات تزايد بواقع 42 عملية في ديسمبر الماضي، مقارنة بـ31 عملية في شهر نوفمبر الماضي، وفقاً لحصر عدد العمليات الذي أعلنته وكالة “أعماق” الموالية لـ”داعش”. ويُظهر الجدول التالي توزيع عمليات التنظيم في العراق خلال شهر ديسمبر الماضي:

ولم تكن العملية العسكرية الموسعة للقوات العراقية الأولى خلال شهر ديسمبر على وجه التحديد في عدد من المحافظات العراقية، على وقع عمليات تنظيم “داعش”، ولكنها تأتي في ظل سياقات مهمة، يمكن تحديد أبرزها:

1- استكمال العمليات العسكرية في ديالى: تخوض القوات العراقية مواجهات مستمرة في محافظة ديالى، وتحديداً في جبال حمرين، منذ شهر نوفمبر الماضي، وتجددت في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر، وأعلنت حينها هيئة الحشد الشعبي عن إطلاق عملية واسعة النطاق، لملاحقة فلول تنظيم “داعش”، بالتنسيق مع قيادات عمليات ديالى للجيش العراق، لتقييد تحركات التنظيم في تلك المنطقة، وعلى 5 محاور، وبغطاء جوي من طيران الجيش.

2- انتهاء المهام القتالية للتحالف الدولي: تأتي العملية الأمنية الموسعة في أعقاب انسحاب القوات القتالية للتحالف الدولي لمواجهة تنظيم “داعش” من العراق، بموجب الاتفاق مع الحكومة، وأكدت قيادة التحالف إجلاء القوات القتالية منذ 9 ديسمبر الماضي، أي قبل الموعد المحدد للانسحاب الكامل بما يزيد على 20 يوماً، المحدد في 31 ديسمبر الماضي، بما يعني أن القوات العراقية هي المسؤولة تماماً عن مواجهة تنظيم “داعش”.

3- النطاق الجغرافي لعمليات تنظيم “داعش”: بالنظر إلى النطاق الجغرافي للعملية الأمنية الأخيرة التي أعلنت عنها القوات العراقية، فإنها تركز على ثلاث محافظات هي (نينوى، وصلاح الدين، والأنبار)، إضافة إلى العملية الرابعة المستمرة منذ ما يزيد على شهر في ديالى. وبمراجعة النطاق الجغرافي لعمليات “داعش” يتضح أن المثلث (كركوك، وصلاح الدين، وديالى) كان الأكثر استهدافاً في عمليات التنظيم بمعدل 665 من أصل 995 عملية في الفترة من يناير إلى أكتوبر 2021، وفقاً لتقديرات غربية.

4- رفض سياسي لدور مستشاري التحالف: تأتي العملية الأمنية الموسعة في ظل خلافات سياسية داخلية تتعلق برفض أي دور للتحالف الدولي لمواجهة تنظيم “داعش” في العراق. ويظهر في هذا الإطار رئيس التيار الصدري “مقتدى الصدر”، الذي يرفض أي دور للتحالف، وأصدر بياناً يتضمن جملة من الشروط التي إذا تحققت تُعد مهام التحالف الدولي القتالية بقيادة الولايات المتحدة منتهية فعلياً، في حين أن التحالف سيقتصر دوره فقط على عمليات التدريب والاستشارة، وبدا أن الشروط التي طرحها “الصدر” تشكك في عدم الانخراط في أعمال قتالية على الأراضي العراقية، كما أنها تمثل مقدمة للدفع باتجاه إنهاء وجود مستشاري التحالف في فترة قريبة.

ست دلالات

بخلاف العمليات العسكرية والأمنية للقوات العراقية ضد تنظيم “داعش”، والتي نفذتها القوات العراقية في 9 محافظات خلال عام 2021، هي: بغداد، وكركوك، وصلاح الدين، ونينوى، وديالى، وذي قار، والبصرة، وكربلاء، والنجف؛ فإن العملية الأخيرة تحمل عدداً من الدلالات، أبرزها كالتالي:

1- التخوف من ارتدادات انسحاب قوات التحالف: يبدو أن ثمة تخوفات من الارتدادات العكسية لانسحاب التحالف الدولي من العراق وإنهاء الأعمال القتالية بنهاية الشهر الماضي، بما يمكن أن يؤدي إلى نشاط متزايد لتنظيم “داعش” خلال الفترة المقبلة. وعلى عكس الموقف السياسي الرافض لأي تواجد لقوات التحالف، فإن تصريحات العسكريين العراقيين جاءت مخالفة تماماً، إذ قال المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، إن القوات العراقية تحتاج للدعم في مجال الاستطلاع والمعلومات الاستخباراتية، وأيضاً المشورة والتدريب من التحالف الدولي، مشيراً إلى أن الحاجة لطيران التحالف الدولي ستكون عند أي ضرورة تحتاج لقدرات أعلى من القدرات العراقية، وبالتالي فإن الحملة الأمنية الموسعة تحاول تعويض أي تراجع في قدرات القوات العراقية، بفعل خسارة جهود قوات التحالف، وتحديداً الدعم الجوي.

2- قطع خطوط إمداد “داعش” بين المحافظات: يمكن أن تؤدي العمليات الأمنية الموسعة في أكثر من محافظة إلى قطع أي خطوط إمداد لتنظيم “داعش” بين المحافظات التي ينشط فيها، وتحديداً في مثلث (ديالى، كركوك، صلاح الدين). فعلى الرغم من أن العملية العسكرية في ديالى منذ ما يزيد على شهر؛ إلا أنّ المواجهات لا تزال مستمرة، ربما أحد الجوانب هو استمرار إمدادات التنظيم للمنطقة، وبالتالي فإن فتح المعركة على أكثر من جانب يمكن أن يؤثر على تحركات التنظيم، وبالتالي عزل مجموعاته عن بعضها بعضاً.

3- السعي لتحجيم نشاط “داعش” في شمال العراق: ثمة دلالة مهمة لاتساع النطاق الجغرافي للعمليات حتى عن مثلث ديالى وكركوك وصلاح الدين، وهي محاولة تحجيم نشاط “داعش” في المناطق الشمالية من العراق، خاصة بعد سيطرة عناصر التنظيم خلال الأسبوع الأول من شهر ديسمبر الماضي على إحدى القرى بمحافظة كركوك. فقد أفادت تقارير إعلامية بأن عناصر “داعش” اقتحموا قرية لهيبان التابعة لقضاء الدبس، وأضرموا النيران في المنازل، من دون تدخل قوات البيشمركة أو الجيش العراقي، قبل أن تنسحب تلك العناصر.

4- مواجهة تسلل العناصر من سوريا إلى العراق: على الرغم من أن محافظة الأنبار لم تشهد عدد عمليات كبيراً مقارنة بالمحافظات الأخرى؛ إلا أن العملية الأمنية بتلك المحافظة تعكس رغبة في توجيه ضربات استباقية لعناصر التنظيم في المحافظة، إضافة إلى مواجهة تسلل أي عناصر عبر الحدود بين العراق وسوريا، خاصة أن القوات العراقية أعلنت أكثر من مرة توقيف عناصر تابعة لـ”داعش” تسللت من سوريا.

5- فشل السيطرة الميدانية: على الرغم من بدء العملية الأمنية في محافظة ديالى وتحديداً في جبال حمرين منذ ما يزيد على شهر، إلا أن المواجهات لا تزال مستمرة، ويستمر التنظيم في تنفيذ عمليات بتلك المنطقة، بما يعكس عدم القدرة على السيطرة ميدانياً حتى الآن. وبمراجعة عدد عمليات التنظيم خلال شهر ديسمبر الماضي، احتلت محافظة ديالى المرتبة الأولى بمعدل 17 عملية، تليها كركوك بمعدل 13 عملية، بما يعكس وجود أزمة تستدعي حالة استنفار للقوات العراقية على أكثر من محور.

6- محورية الأبعاد السياسية: تحمل العمليات الأمنية أبعاداً سياسية مهمة، وتحديداً في أعقاب انسحاب قوات التحالف، لإظهار قدرة القوات العراقية ومن خلفها هيئة الحشد الشعبي على ضبط الأوضاع الأمنية ومواجهة تهديدات تنظيم “داعش”، خاصة وأن رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” أشرف على أوسع عملية أمنيةضد “داعش” في شمال البلاد، في مقر المحور السادس في قضاء مخمور، خلال اجتماع القيادات الأمنية من الجيش والشرطة والبيشمركة، في 9 ديسمبر الماضي.

تحديات المواجهة

وأخيراً، على الرغم من العمليات العسكرية والأمنية المتلاحقة التي تنفذها القوات العراقية، فإن ثمة تحديات في مواجهة نشاط تنظيم “داعش”، بعضها يرتبط بنمط وتكتيك عمليات التنظيم، الذي يعتمد على تنفيذ عمليات خاطفة ضد قوات عسكرية أو مدنية ثم الاختباء في مناطق وعرة مثل جبال حمرين في محافظة ديالى، أو الاستقرار في المناطق التي لا تحظى بتواجد أمني مكثف، وتحديداً في المناطق بين إقليم كردستان العراق وباقي المحافظات، إضافة إلى عدم التنسيق الكامل بين القوات العراقية، والتي تضم هيئة الحشد الشعبي من ناحية، وقوات البيشمركة من ناحية أخرى، هذا على الرغم من محاولات التنسيق بين الطرفين والتي كان أبرزها زيارة وفد من قوات البيشمركة بغداد لعقد لقاءات من قيادات عسكرية لبحث خطط ومواجهة تنظيم “داعش”، كما أن عدم القدرة على توجيه ضربات جوية بدقة كبيرة تمثل أزمة بالنسبة لجهود مواجهة التنظيم في ظل انتهاء الأعمال القتالية لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.