دور محوري:
دلالات الجولة الأفريقية لوزير الدفاع الأمريكي

دور محوري:

دلالات الجولة الأفريقية لوزير الدفاع الأمريكي



اكتسبت الجولة الأفريقية التي قام بها وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن وزار خلالها جيبوتي وكينيا وأنجولا، في الفترة من 24 إلى 27 سبتمبر الفائت، أهمية خاصة، لا سيما أنها أول جولة من نوعها لأوستن في القارة، كما أنها تأتي في توقيت حرج، حيث تتزايد مخاوف دول منطقة شرق أفريقيا من تصاعد إرهاب حركة “شباب المجاهدين” في ظل التحديات التي تواجه العملية العسكرية الصومالية لاجتثاث الحركة من معاقلها، في الوقت الذي تتجه فيه قوة الاتحاد الأفريقي “أتميص” إلى سحب قواتها تدريجياً وفق جدول زمني بنهاية عام 2024.

فضلاً عن ذلك، تسعى قوى دولية عديدة، مثل روسيا، إلى تعزيز وجودها في القارة. لذلك، استهدفت الجولة في المقام الأول التأكيد على أهمية الوجود العسكري الأمريكي في جيبوتي والمنطقة، وتعزيز الشراكة الأمنية والعسكرية مع الدول الحليفة، إلى جانب طمأنة هذه الدول بأن الحرب على الإرهاب لا تزال على قمة اهتمامات واشنطن.

أهداف عديدة

سعت واشنطن عبر الجولة الأفريقية التي قام بها وزير الدفاع لويد أوستن إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تأكيد أهمية الوجود الأمريكي: قام أوستن بزيارة خاصة للقوات الأمريكية في قاعدة “ليمونييه” بجيبوتي، كما خاطب تشكيلاً صغيراً يتكون من جنود وبحارة وطيارين ومشاة البحرية التي تعمل خارج القاعدة، حيث قال: “إن العمل الذي تقومون به هنا مع شركائنا الجيبوتيين وحلفائنا الآخرين هنا مهم”، ووجه الشكر للقوات الأمريكية وذلك لدورها الذي وصفه بأنه “مثير للإعجاب” في إجلاء الدبلوماسيين الأمريكيين من السودان في أبريل 2023 عندما تصاعدت حدة الصراع المسلح بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وقد كشفت الأزمة السودانية عن أهمية دور هذه القاعدة الأمريكية، حيث أعلنت واشنطن مع تصاعد هذه المواجهات أنها “تجري تخطيطاً حكيماً لمختلف حالات الطوارئ”، و”تنشر قدرات إضافية في مكان قريب في المنطقة”، وذلك بهدف “تأمين وتسهيل مغادرة موظفي السفارة الأمريكية من السودان”.

فضلاً عن ذلك، أشار مراقبون إلى أن الجولة تأتي في أعقاب الزيارات العسكرية للوفود الروسية لبعض دول القارة، وأهمها زيارة وفد عسكري إلى ليبيا في أغسطس الماضي، لبحث فرص الجيش الروسي للعمل في تلك المناطق، ومن ثم يبدو أن هذه الجولة تستهدف موازنة التحركات العسكرية الروسية في القارة.

2- تعزيز الشراكة الأمنية والعسكرية: بدأ أوستن جولته في جيبوتي، موطن القاعدة العسكرية الأمريكية الرئيسية في القارة الأفريقية، في إشارة إلى الأهمية الاستراتيجية للشراكة الأمريكية مع الأخيرة، حيث التقى خلال زيارته بالرئيس إسماعيل عمر جيله ووزير الدفاع حسن عمر محمد برهان، لمناقشة الشراكة الأمنية بين البلدين والأولويات المشتركة في المنطقة.

وكان أوستن قد أكد هذا الاهتمام بشكل واضح في 10 أغسطس الماضي، خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس عمر جيله، عندما أشاد بـ”الدور الحاسم الذي لعبته جيبوتي في تمكين الإجلاء الآمن للموظفين الأمريكيين من السودان في أبريل الماضي”.

3- استمرار الانخراط في جهود مكافحة الإرهاب: سعت واشنطن عبر هذه الجولة إلى توجيه رسالة مباشرة مفادها أن الحرب على الإرهاب لا تزال على رأس جدول أولوياتها، وقد ظهر ذلك جلياً خلال لقاء وزير الدفاع الأمريكي بالرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ومناقشة الجهود المشتركة لمواجهة العمليات الإرهابية لحركة “الشباب” في المنطقة، وقد أكد حسن شيخ محمود أنه “يحتاج إلى مزيد من الوقت في إدارة المعركة مع الحركة” لأنه “يواجه مهمة صعبة تتمثل في مواصلة الضغط على الحركة بينما يقوم في الوقت نفسه بحشد القوات حتى يتمكن من البقاء فعالاً”.

وخلال زيارته لكينيا، أكد أوستن على أهمية دعم الجهود الإقليمية لمكافحة الإرهاب، وقال في هذا الصدد: “نعلم أن التقدم لا يكون دائماً خطاً مستقيماً، لذلك قد نرى الأمور تتحسن يوماً ما، وربما نرى تحديات في اليوم التالي”، وأضاف: “ما يقلقنا هو أننا بنينا بعض الزخم ونريد الحفاظ عليه”.

وكان لافتاً أن هذه التصريحات جاءت بعد أيام قليلة من طلب الحكومة الصومالية إرجاء انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال “أتميص”، في رسالة موجهة إلى الأمم المتحدة، لمدة تسعين يوماً، في ظل التحديات التي تواجه العملية العسكرية الصومالية للقضاء على حركة “الشباب”.

تداعيات محتملة

يمكن القول إن هذه الجولة وما سوف يليها من تحركات أمريكية، على مستويات مختلفة، سوف تفرض تداعيات عديدة، هي:

1- تصاعد التنافس مع موسكو: أنهى أوستن جولته بزيارة أنجولا، ليصبح أول وزير دفاع أمريكي يزورها على الإطلاق، حيث تتنافس واشنطن مع موسكو على تصدير الأسلحة، وترغب الأولى في أن تحل محل الثانية كمُورِّد للأسلحة. وفي هذا السياق، قال أوستن: “إن أفريقيا تستحق أفضل من محاولة الغرباء إحكام قبضتهم على هذه القارة، وإن أفريقيا تستحق أفضل من الحكام المستبدين الذين يبيعون الأسلحة الرخيصة، ويدفعون قوات المرتزقة مثل مجموعة فاجنر، أو يحرمون الحبوب من الجوعى في جميع أنحاء العالم”.

2- زيادة حدة الاستقطاب الدولي: لا تنفصل تلك الجولة عن اتساع نطاق الاستقطاب الدولي داخل القارة الأفريقية، بسبب اتجاه العديد من القوى الدولية إلى محاولة تعزيز نفوذها، على غرار روسيا، التي حاولت استغلال الانقلابات العسكرية الأخيرة التي شهدتها منطقة غرب أفريقيا، من أجل تحقيق ذلك، لا سيما أن هذه التطورات تتوازى مع تراجع حضور قوى أخرى مثل فرنسا.

ومن هنا، كان لافتاً أن أوستن حرص في تصريحاته خلال زيارته لأنجولا على توجيه انتقادات للمجالس العسكرية الأفريقية التي تم تشكيلها في أعقاب الانقلابات التي وقعت في دول مثل النيجر والجابون وبوركينافاسو ومالي، في إشارة إلى النظم العسكرية التي اتجهت إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا، حيث قال أوستن: “الجيوش موجودة للدفاع عن شعوبها، وليس لتحديها. وأفريقيا تحتاج إلى جيوش تخدم مواطنيها وليس العكس”.

3- توسيع نطاق التعاون الأمني والعسكري: كشفت الجولة عن اهتمام أمريكي بتوسيع نطاق التعاون العسكري ليس فقط مع جيبوتي ولكن مع الدول الحليفة في المنطقة، لا سيما بعد أن وقع أوستن مع نظيره الكيني أدن دوالي، في 25 سبتمبر الفائت، اتفاقية تعاون دفاعي مدتها خمس سنوات، كما تعهد أوستن بتقديم 100 مليون دولار لدعم عمليات الانتشار الأمنية الكينية، حيث تستعد كينيا لقيادة مهمة حفظ السلام متعددة الجنسيات لمكافحة عنف العصابات في هايتي.

احتواء التهديدات

في النهاية، يمكن القول إن الجولة الأفريقية لأوستن استهدفت بالأساس التأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تبقى طرفاً رئيسياً في التفاعلات التي تجري على الساحة الأفريقية، رغم تزايد اهتمامها بالتعامل مع أزمات وملفات دولية أخرى، على نحو لا يمكن فصله عن تزايد التهديدات التي تواجهها المصالح الأمريكية في القارة، سواء بسبب تصاعد الصراع على النفوذ مع بعض القوى الدولية، أو بسبب استمرار نشاط التنظيمات الإرهابية مثل “داعش” و”القاعدة” والجماعات المحلية الموالية لهما.