مصالح مشتركة:
دلالات التعاون بين العراق ومليشيا “قسد” في مواجهة “داعش”

مصالح مشتركة:

دلالات التعاون بين العراق ومليشيا “قسد” في مواجهة “داعش”



اتجهت العراق نحو توسيع نطاق التعاون مع مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في مواجهة تنظيم “داعش”، على نحو بدا جلياً في تسلمها بعض العناصر العراقية التي تنتمي للتنظيم وكانوا محتجزين في السجون التي تسيطر عليها المليشيا في مناطق شمال شرق سوريا، حيث تم القبض عليهم خلال المواجهات التي اندلعت بين التنظيم والمليشيا أو استسلموا للأخيرة خلال عام 2019 بعد طرد التنظيم من آخر معاقله في الباغوز، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء رغبة “قسد” في إنهاء ملف المحتجزين، ورفع مستوى التنسيق لضبط الحدود، وتقليص احتمالات عودة خلايا “داعش” لتنفيذ عمليات نوعية جديدة.

أعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية، في أول يونيو الجاري، تسلم 50 عنصراً ينتمون لتنظيم “داعش” عبر منفذ طريبيل الحدودي مع سوريا، في ضوء التفاهمات والاتفاقيات المشتركة التي تم التوصل إليها مع “قسد” بهدف مكافحة التنظيم. وسبق أن تسلمت العراق بعض مواطنيها من المنتمين لـ”داعش” من “قسد” في شهري ديسمبر ويناير الماضيين، وفقاً لبيانات خلية الإعلام الأمني العراقي، على أن تتولى عملية تسلم تلك العناصر وكالة الاستخبارات والتحقيقات في وزارة الداخلية العراقية، لاتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم.

وبالنظر إلى عدد دفعات تسلم العراق لمواطنيها من عناصر “داعش” بداية من عام 2019 وحتى يونيو 2022، إضافة إلى عدد تلك العناصر؛ فإن العراق تعد، وفقاً لاتجاهات عديدة، من أكثر الدول استعادة لمواطنيها الذين انضموا للتنظيم، مقارنة بدول أخرى، بعضها رفض تسلم تلك العناصر، من دون تقديم أىٍ من الجانبين حصراً دقيقاً حول عدد المُرحَّلين إلى العراق، أو عدد العراقيين في سجون “قسد”.

سياقات مهمة

يأتي تسلم العراق دفعةً جديدةً من مواطنيها الذين كانوا محتجزين في سجون “قسد”، في ضوء عدد من السياقات، التي يمكن تناولها على النحو التالي:

1- محاولات “داعش” المتواصلة لتحرير عناصره: منذ عام 2019، ورغم تراجع تنظيم “داعش” على الساحة السورية عقب طرده من آخر معاقله في الباغوز، وإيداع كثير من عناصره في السجون التي تخضع لسيطرة “قسد”، ويصل عددهم، حسب بعض التقديرات، إلى نحو 12 ألف عنصر، لم يتوقف التنظيم عن محاولات تحريرهم، عن طريق التخطيط لهجمات منظمة على تلك السجون، وكان أبرزها الهجوم على سجن “غويران” في 21 يناير الماضي. وتُعد عمليات تحرير عناصر “داعش” من السجون استراتيجية رئيسية تتزايد محاولات تنفيذها بين حين وآخر بتوجيهات من القيادة المركزية للتنظيم.

2- عدم قدرة “قسد” على تأمين السجون: رغم إعلان قوات “قسد” أكثر من مرة إحباط مخططات تنظيم “داعش” لاقتحام أو شن هجمات على السجون، والقبض على خلاياه؛ إلا أن واقعة اقتحام سجن “غويران” تعكس عدم قدرة “قسد” على تأمين تلك السجون، ليس فقط من الناحية الأمنية خارج الأسوار، ولكن أيضاً من جهة عدم القدرة على ضبط الوضع الداخلي في السجون، في ظل عدم وجود خبرات في التعامل مع أعداد كبيرة من تلك العناصر في سجون تضم بضعة آلاف، خاصة مع استمرار حالات التمرد ومنها محاولة التمرد في سجن “غويران” في أكتوبر الماضي، واستعانة “قسد” بالقوات الأمريكية الموجودة في سوريا، للمساعدة في إخماد هذه المحاولات.

3- تصاعد نشاط التنظيم مجدداً في سوريا والعراق: يسعى “داعش” إلى تعزيز نشاطه على الساحتين السورية والعراقية على حدٍ سواء، ووفقاً لمعدل عمليات التنظيم في سوريا منذ الربع الأخير من العام الماضي وحتى الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، فإنه يتجه إلى تصعيد العمليات باتجاه المناطق التي تخضع لسيطرة قوات “قسد”، مع استمرار عملياته في منطقة البادية السورية، إذ يحاول تنشيط الخلايا في المناطق الحدودية بين الدولتين. كما يتزايد معدل عمليات “داعش” على الساحة العراقية خلال موجة العنف الأخيرة التي أطلقها المتحدث باسم التنظيم في أبريل الماضي، وفقاً لبيانات وكالة “أعماق” الموالية لـ”داعش”، بما يُشير إلى رغبة الأخير في استعادة قدر من السيطرة على مناطق نفوذه التقليدية في نطاق “القيادة المركزية” في الدولتين.

4- تفاقم أزمة مخيم “الهول”: لا تزال أزمة مخيم “الهول”- الذي يضم عائلات عناصر “داعش” أو من يُشتبه في تورطهم مع التنظيم- قائمة وتتفاقم حدتها تدريجياً، ليس فقط على المستوى الإنساني، في ظل تجاهل الدول دعوات استقبال مواطنيها القاطنين في المخيم بصورة أوسع، حيث يُقيم في المخيم نحو 56 ألف شخص، نصفهم دون سن الـ12، وفقاً للممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، التي زارت المخيم في 6 يونيو الجاري، وإنما على المستوى الأمني أيضاً بسبب صعوبة السيطرة الأمنية على المخيم كاملاً وضبط الأوضاع داخله، فضلاً عن تكرار هجمات عناصر “داعش” على المخيم في محاولة لتهريب بعض العائلات.

5- عدم وجود إطار قانوني لترحيل الإرهابيين: تزايدت معضلة سجناء “داعش” في سجون مليشيا “قسد”، منذ عام 2019، في ضوء عدم وجود إطار قانوني لترحيل تلك العناصر إلى دولهم، حيث ترفض بعض هذه الدول استقبال مواطنيها من عناصر “داعش”، في حين يصر البعض الآخر على استقبال النساء والأطفال، أو الأطفال فقط، لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.

دوافع متعددة

يمكن تفسير تعزيز التعاون بين بغداد و”قسد” في مواجهة تنظيم “داعش” في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:

1- رغبة “قسد” في تصفية ملف السجون: تسعى “قسد” عبر ذلك إلى تصفية ملف سجناء التنظيم ومخيم “الهول”، في ظل عدم القدرة على تحمل المسئوليات الأمنية المرتبطة بعمليات التأمين، فضلاً عن ضبط الوضع داخل السجون ومخيم “الهول”، كما أنها تتخوف من احتمالية نجاح محاولات عناصر “داعش” في اقتحام السجون أو المخيم، وتهريب العناصر والعائلات، كما حدث في سجن “غويران”، بغض النظر عن السيطرة على الوضع لاحقاً، لا سيما أن قدرات التنظيم تعكس إمكانية تكرار تلك المحاولات، وقد ينتج عنها هروب عدد من العناصر، على نحو سيدعم محاولات التنظيم توسيع نشاطه ونفوذه بمناطق شمال شرق سوريا، التي تخضع لسيطرة “قسد”، بما يمثل تحدياً أمنياً كبيراً لها.

2- تعزيز التعاون لضبط الحدود: في ضوء التحديات المشتركة التي تواجه العراق وسوريا فيما يتعلق بالتخوفات من تصاعد نشاط “داعش” بما يسمح له بتزايد نفوذه خلال الفترة المقبلة، فإن التعاون يكتسب أهمية كبيرة في تعزيز الجهود المشتركة لضبط الحدود بين الدولتين، وتحديداً بالنسبة للعراق، خاصة وأن بغداد بدأت في تشييد سور خرساني على جانبى الحدود بمنطقة جبال سنجار التي تشهد حركة انتقال عبر الحدود مع سوريا، وتبرز التخوفات من عدم قدرة “قسد” على ضبط الحدود بالمناطق التي تخضع لسيطرتها، في حين تتولى مليشيات أخرى السيطرة على أجزاء من الشريط الحدودي، بصورة تدفع إلى إحكام الرقابة لمنع انتقال عناصر “داعش” بين البلدين.

3- التخوف من ارتدادات هروب الإرهابيين: تعكس استجابة العراق لدعوات استقبال مواطنيها من “داعش”، تخوفات شديدة من ارتدادات عكسية عليها، حال فرار عناصر التنظيم من السجون التابعة لـ”قسد”، بسبب عدم القدرة على ضبط الوضع الأمني كما ظهر في محاولة اقتحام سجن “غويران”، وبالتالي فإن العراق تدفع إلى تخفيف الأعباء على “قسد” من خلال استقبال مواطنيها، إذ أصدرت الأخيرة عقب محاولة اقتحام السجن بياناً حذرت فيه من محاولة عودة “داعش”، والتباطؤ في حسم ملف السجون والمخيمات التي تحوي معتقليه.

4- ممارسة ضغوط على الدول لتسلم مواطنيها: يمكن النظر إلى إسراع العراق في استقبال مواطنيها في سياق ممارسة قدر من الضغوط على بعض دول العالم لاتخاذ الخطوة نفسها، خاصة وأن العراق تطالب بحل ملف السجون والمخيمات، وهو ما جاء على لسان مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، في 8 يونيو الجاري، حينما طالب الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط على الدول لسحب رعاياها من مخيم “الهول”، وأن تكون هناك إرادة حقيقية للدول لاستقبالهم، خلال لقائه السفيرة الأمريكية في بغداد ألينا رومانوسكي، التي أكدت على أهمية المطلب العراقي في استقبال الدول لرعاياها الموجودين في المخيم.

تحديات قائمة

وأخيراً، يعكس التقارب والتفاهم بين العراق و”قسد” حيال ملف استقبال الدول لمواطنيها المنخرطين أو المتهمين بالانضمام لتنظيم “داعش”، وإسراع العراق في اتخاذ خطوات لاستقبال مواطنيها على دفعات؛ وجود مصالح مشتركة بين الجانبين، في ضوء التحديات المتعلقة بضرورة مواجهة أى محاولات لعودة التنظيم واستعادة نفوذه في العراق وسوريا، اعتماداً على تحرير بعض عناصره في السجون، على نحو يفرض تهديدات جدية لأمن واستقرار الدولتين.