عودة الإسلاميين:
دلالات الإفراج عن رموز نظام الإنقاذ في السودان

عودة الإسلاميين:

دلالات الإفراج عن رموز نظام الإنقاذ في السودان



أمرت محكمة مختصة في الخرطوم، في 7 يوليو 2022، بالإفراج عن مجموعة من الضباط الإسلاميين المتهمين بالتورط في أول محاولة انقلابية بعد سقوط نظام الإنقاذ وعزل الرئيس السابق “عمر البشير”، وعلى رأسهم رئيس هيئة الأركان السابق “هاشم عبدالمطلب” الذي كان محكوماً عليه بالسجن لمدة 9 سنوات، وشمل قرار المحكمة إطلاق سراحهم بعد الاكتفاء بالمدة التي قضوها بالسجن مع الطرد من الخدمة.

فقد اتُّهم رئيس الأركان السابق الفريق “عبدالمطلب” وعدد من العسكريين في يوليو 2019 بتدبير انقلاب عسكري يهدف للإطاحة بالمجلس العسكري الانتقالي، والعودة مرة أخرى للسلطة، حيث ظهر رئيس هيئة الأركان السابق في تسجيل مسرب يذيع فيه بيانه الانقلابي، كما ظهر في فيديو آخر أثناء التحقيق معه يتحدث عن تفاصيل محاولته الانقلابية، معلناً انتماءه للحركة الإسلامية ولنظام الإنقاذ السابق، كما أنه أجرى مشاورات في هذا الخصوص مع عدد من القيادات المنتمين للإخوان المسلمين.

تطورات متزامنة

اكتسب قرار الإفراج عن الفريق “هاشم عبدالمطلب” وعدد من العسكريين المتورطين في محاولة الانقلاب على مجلس السيادة الانتقالي في عام 2019، أهمية خاصة، نظراً لما تشهده البلاد من تطورات سياسية وأمنية هامة في الوقت الحالي، ومن أبرزها ما يلي:

1- صدور قرارات سيادية، استند القرار القضائي الصادر بالإفراج عن هؤلاء العسكريين إلى تصديق الفريق أول ركن “عبدالفتاح البرهان” قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، على قرار إسقاط متبقي مدة السجن المفروضة على الفريق “هاشم عبدالمطلب” لمدة 9 سنوات، بعد قضائه سنتين ونصف السنة منها، وذلك ضمن القرارات التي أعلنها الفريق “البرهان” منذ مطلع شهر يوليو القادم بدءاً بالإعلان عن الانسحاب من المفاوضات السياسية التي تُشرف عليها الأمم المتحدة لإجراء حوار وطني شامل لتسوية الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، ومن بعدها قرار إعفاء المدنيين الخمسة من عضوية مجلس السيادة الانتقالي، على أن تقوم القوى السياسية المدنية بالتوصل إلى توافق سياسي شامل، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى مهمة صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية للدولة، وبسط واستتباب الأمن وإعادة الاستقرار في البلاد، ومعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، والترتيب للانتخابات القادمة.

2- اندلاع احتجاجات متواصلة، إذ تزامن قرار الإفراج عن العسكريين المنتمين للحركة الإسلامية الموالية للرئيس المعزول “عمر البشير” مع إعلان لجان القوى الثورية وقوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين السودانيين مواصلة الاحتجاجات الشعبية والاعتصامات المفتوحة والتنظيم لتظاهرات موسعة في 17 يوليو الجاري، إلى حين الاستجابة لمطالبهم الخاصة بتسليم السلطة للقوى السياسية المدنية، وإرجاع العسكريين لثكناتهم والابتعاد عن الحياة السياسية، في ظل عدم اقتناع القوى الثورية بقرار انسحاب الجيش من المفاوضات السياسية، ووصفه بأنه مناورة من القوات المسلحة واتهامها بتدمير العملية السياسية.

3- تعثر جلسات الحوار الوطني، كما جاء إصدار قرار الإفراج عن هؤلاء الضباط في ظل تعثر الجهود الإقليمية والدولية الخاصة بتسوية الأزمة السياسية في البلاد تحت إشراف الآلية الثلاثية (بعثة الأمم المتحدة في السودان “يونيتامس”، الاتحاد الأفريقي، الإيجاد) حيث لا تزال الخلافات متصاعدة بين المكونين المدني والعسكري في ظل استمرار غياب الثقة في المكون العسكري بسبب عدم التزامه بتنفيذ إجراءات الثقة (وقف استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين – الإفراج عن باقي المعتقلين السياسيين – تسليم السلطة للمدنيين…). كما تتصاعد الخلافات بين السلطات الانتقالية ورئيس بعثة اليونيتامس “فولكر بيريتس”، إذ تم استدعاؤه مرتين خلال فترة زمنية قصيرة لم تتجاوز عشرة أيام؛ لتحذيره من خطورة استمراره في التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد وذلك على خلفية انتقاده استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين المناهضين للانقلاب العسكري ضد السلطة الانتقالية.

دلالات سياسية

حملت القرارات والأحكام القضائية الصادرة بالإفراج عن الضباط الإسلاميين المتورطين في محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة في عام 2019، مجموعة من الدلالات السياسية الهامة، وذلك كما يلي:

1- الانفراد بالقرارات السيادية، حيث تشير القرارات الخاصة بالإفراج عن الضباط الإسلاميين وتصديق الفريق “البرهان” على إلغاء الأحكام القضائية ضدهم، إلى تأكيد الفريق “البرهان” سيطرته على عملية صنع واتخاذ القرارات المتعلقة بتكريس هيمنته وسيطرته على السلطة الانتقالية في الوقت الحالي، ومن المؤشرات الدالة على ذلك إصدار “البرهان” قرارات أخرى بتعيين خمسة عسكريين كسفراء في وزارة الخارجية وعدد من دول الجوار (تشاد – أفريقيا الوسطى – جنوب السودان..)، وهو ما يعكس رغبة “البرهان” في تعيين عدد من العسكريين الموالين له في مناصب هامة، بما يسهم فيما بعد في تعزيز شوكة المجلس العسكري المزمع تشكيله عقب تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد أن تتوصل القوى السياسية إلى توافق شامل فيما بينها.

2- عودة رموز الإنقاذ، تؤكد هذه القرارات الاتهامات الموجهة إلى المكون العسكري بتسهيل إعادة رموز نظام الإنقاذ السابق من الإسلاميين وقيادات حزب المؤتمر الوطني “المنحل” إلى الحياة السياسية مرة أخرى، وذلك بغرض تعزيز بقاء المكون العسكري على رأس السلطة الانتقالية، فقد سبق هذه الخطوة الإفراج عن عدد من القيادات الكبيرة في حزب المؤتمر الوطني المنحل وعلى رأسهم رئيس الحزب “إبراهيم غندور” في شهر أبريل الماضي، وهو ما أثار حفيظة قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة الثورية. ورغم نفي الفريق “البرهان” اتهامات الاستعانة برموز النظام السابق، فإن قراراته تشير إلى عكس ذلك، وتؤكد الحديث حول توظيفه هذه الرموز لمواجهة القوى السياسية المدنية المعارضة له والمطالِبة بعودة الجيش لثكناته. ومن جهة أخرى، تكشف البيانات الصادرة عن حزب المؤتمر الوطني المنحل المؤيدة لقرارات الفريق “البرهان” عن العلاقة بينه وبين أنصار النظام السابق.

3- تسييس عمل القضاء، يأتي قرار الإفراج عن الضباط الإسلاميين الموالين لنظام الإنقاذ السابق في إطار توظيف الجيش السوداني انفراده بالسلطة الانتقالية، وإصدار القرارات التي يراها مناسبة لتكريس بقائه على رأس السلطة الانتقالية في الوقت الحالي، كما يشير ذلك إلى حرص القوات المسلحة على حماية أفرادها والمنتمين لها.

4- احتواء الضباط الانقلابيين، تعكس قرارات الإفراج عن الضباط المتورطين في محاولة الانقلاب الفاشلة على المجلس العسكري الانتقالي في عام 2019، رغبة القوات المسلحة في احتواء هؤلاء الضباط واستخدام قرار الإفراج عنهم كورقة ضغط عليهم لتجنب تكرار ما فعلوه من محاولة انقلابية فاشلة، وتحذيرهم من إمكانية القبض عليهم إذا حاولوا تكرار ما قاموا به، كما أن البلاد أصبحت تشهد أوضاعاً سياسية مغايرة لما كانت عليه البلاد وقت محاولة الانقلاب قبل ثلاث سنوات.

   5- تصاعد نشاط الإسلاميين، من شأن الإفراج عن هؤلاء الضباط المنتمين للحركة الإسلامية المساهمة في تعزيز موقف الإسلاميين داخل البلاد، وخاصة عقب إعلانهم عن تشكيل ما أطلقوا عليه تحالف “التيار الإسلامي العريض” في شهر أبريل الماضي، والذي يمثل تدشيناً رسمياً لعودة الإسلاميين إلى الحياة السياسية في البلاد مرة أخرى، ومحاولة تصدر المشهد السياسي في مرحلة ما بعد سقوط نظام الإنقاذ.

إرباك سياسي

خلاصة القول، إن الإفراج عن عدد من القادة العسكريين المتورطين في محاولة الانقلاب على السلطة الانتقالية، من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من إرباك المشهد السياسي الراهن في السودان، والذي يتسم بحالة من الاضطراب وعدم الاستقرار نتيجة لتفاقم الأزمة السياسية منذ إطاحة الجيش بالسلطة الانتقالية في أكتوبر الماضي. وترجح المعطيات الراهنة أن تؤدي مثلُ هذه القرارات إلى إثارة حفيظة القوى السياسية المعارِضة لبقاء الجيش على رأس السلطة الانتقالية، خاصة وأنها جاءت بالتزامن مع إعلان القوى الثورية استمرار الاحتجاجات إلى حين إنهاء الانقلاب العسكري وتسليم السلطة للمدنيين، الأمر الذي يُنذر بمزيد من عدم الاستقرار السياسي في السودان خلال الفترة القادمة.