تعددت الدلالات الكاشفة لاستهداف قاعدة اليمن لقائد الحزام الأمني في محافظة أبين، عبداللطيف السيد، وفقاً لما أعلنه التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي في 23 مارس الجاري، ومن أبرزها امتلاك خلايا داخل تلك المحافظة التي كانت أحد معاقل التنظيم، وهو ما يفسر تتبعها خط سير قيادة أمنية كبيرة، والتركيز على العمليات المؤثرة والنوعية في محافظة أبين، فضلاً عن عدم القدرة على التوسع الميداني، وهو ما يفسر القيام بعمليات خاطفة في أكثر من محافظة. وأمام الملاحقات من عدة أطراف فاعلة على الساحة اليمنية وتحديداً في الجنوب، فإن التنظيم ربما يلجأ إلى نمط لا مركزي في العمليات عبر خلاياه المختلفة.
فقد أعلن تنظيم “القاعدة” في اليمن، مسؤوليته عن استهداف موكب قائد الحزام الأمني في محافظة أبين، عبد اللطيف السيد، بين منطقتي زنجبار ووقار، في بيان نشرته حسابات تابعة للتنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي (23 مارس 2022)، باستخدام سيارة مفخخة، تبعها هجوم “انغماسي” لثلاثة من عناصر التنظيم على الموكب، مما أسفر عن إصابته، إضافة إلى مقتل وإصابة 14 فرداً من الموكب الأمني. ولم تكن عملية استهداف قائد الحزام الأمني، هي الأولى في محافظة أبين، وتحديداً مع بداية تسلل عناصر “القاعدة” إلى المحافظة في عام 2019، بعد تراجع على وقع توجيه قوات الحزام الأمني ضربات متلاحقة لطرد عناصر التنظيم من المحافظة، وكان آخرها عملية “السيل الجارف” التي انطلقت في مارس 2018.
ويمكن تحديد عددٍ من الدلالات الرئيسية لاستهداف قائد الحزام الأمني في محافظة أبين، كالتالي:
عملية مركبة
أولها- امتلاك خلايا داخل محافظة أبين: يمكن النظر إلى عملية الاستهداف بأنها عملية مركبة، إذ استخدم التنظيم سيارة مفخخة، وأعقب الانفجار هجوم “انغماسي” لثلاثة من عناصر التنظيم، للتأكد من إتمام مهمة استهداف قائد قوات الحزام الأمني. وينطوي هذا الهجوم من ناحية إمكانية تحديد خط سير قيادة أمنية كبيرة، على مكامن خطورة، إذ إن تحديد خط سير موكب القيادات الأمنية يمكن عبر آليتين رئيسيتين:
الأولى: اختراق للدوائر الأمنية في أبين، بغض النظر عن طبيعة ومستوى هذا الاختراق.
والثانية: عملية رصد دقيقة لتحركات موكب قائد الحزام الأمني من خلال خلايا لجمع المعلومات داخل المحافظة، تتولى عملية مراقبة وتحديد خط سير الموكب وعدد السيارات المرفقة وبالتبعية عدد قوات الحراسة، وهذه العملية قد تستغرق وقتاً ليس بالقليل، بما يعكس نشاطاً لعناصر التنظيم في المحافظة، بالصورة التي تستدعي تكثيف الجهود الأمنية لملاحقة تلك الخلايا وحرمان التنظيم من مصادر المعلومات.
هجمات مؤثرة
ثانيها- التركيز على عمليات مؤثرة على أهداف عالية القيمة: إذيشير استهداف قائد قوات الحزام الأمني، إلى التركيز على العمليات المؤثرة والنوعية في محافظة أبين، التي كانت أحد معاقل التنظيم. وأمام تراجع قدرات “القاعدة” في اليمن وتحديداً منذ عام 2016 على وقع ضربات تحالف دعم الشرعية وقوات الجيش اليمني وبعض قوات المجلس الانتقالي في جنوب اليمن، إضافة إلى الغارات الأمريكية لاستهداف القيادات البارزة؛ يبدو أن التنظيم بات غير قادر على توسيع نطاق عملياته وتكثيفها خلال الفترة الحالية.
ويأتي ذلك بالنظر إلى العمليات المتباعدة التي يُعلن التنظيم عنها أو تلك المرتبطة به دون إعلان رسمي، وبالأخص في محافظة أبين خلال عام 2018 بعد عمليات عسكرية موسعة ضده. ولكن منذ أواخر عام 2019، ارتبط اسم التنظيم بعدد من العمليات الإرهابية في محافظة أبين، إذ أشار زعماء قبائل محليون وقيادات عسكرية في الحزام الأمني إلى أن التنظيم بدأ يُعيد ترتيب صفوفه في المحافظة مجدداً، مما يعزز هذا التوجه باتجاه عمليات لأهداف عالية القيمة، وهو ما أشار إليه بيان التنظيم بأنه سيواصل ملاحقة قائد قوات الحزام الأمني وغيره من القيادات.
نمط محدد
ثالثها- عدم القدرة على التوسع الميداني: مع تراجع تنظيم القاعدة في اليمن خلال السنوات الماضية، يسعى التنظيم منذ العام الماضي على وجه الخصوص إلى محاولة استعادة جزء من مكانته السابقة في بعض المناطق الجنوبية، ولكن عبر عمليات خاطفة، تعكس عدم القدرة على التوسع الميداني، ويبدو أن هذا خيار استراتيجي خلال الفترة المقبلة. ويمكن النظر إلى هذا التوجه من خلال نقل عناصره إلى أبين مستغلاً الاضطرابات الأمنية الناتجة عن المواجهات بين عدد من قوات المجلس الانتقالي وقوات الحكومة اليمنية خلال عام 2019.
كما اتجه التنظيم إلى عمليات خاطفة في محافظات شبوة والبيضاء خلال العام الماضي ومطلع العام الحالي، وهو ما عبر عنه زعيم التنظيم “خالد باطرفي” في حوار له خلال شهر نوفمبر الماضي، في سياق مخطط لإعادة الهيكلة وترتيب الصفوف مجدداً، بعد الهزائم التي تعرض لها التنظيم، من دون إغفال اتجاه التنظيم إلى استخدام السيارات المفخخة ومجموعات “الانغماسيين” في عملياته، بما يُشير إلى تدعيم هذا النمط من العمليات لخلق حالة من الاضطراب الأمني.
لا مركزية عملياتية
رابعها- تبني نمط لا مركزي في العمليات: وفقاً للخبرات السابقة عند الحديث عن فرع تنظيم القاعدة في اليمن، فإنه يمتاز بالقدرة على التكيف في مواجهة الظروف المحيطة، وبالنظر إلى اتجاه التنظيم إلى استراتيجية العمليات الخاطفة، في أكثر من محافظة وأمام الملاحقات من عدة أطراف فاعلة على الساحة اليمنية وتحديداً في الجنوب؛ فإن التنظيم ربما يلجأ إلى نمط لا مركزي في العمليات عبر خلاياه المختلفة، من دون إغفال الالتزام بالمحددات والرؤى الاستراتيجية العامة.
ويمكن تفسير ذلك من خلال تتبع بيانات التنظيم التي يُعلنها عن عملياته، والعمليات المرتبطة به. وبالنظر إلى البيان الأخير الذي أعلن فيه استهداف قائد قوات الحزام الأمني، فإن الحسابات الموالية للتنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي نشرته (23 مارس 2022)، في حين أن تاريخ كتابته (20 مارس 2022)، على الرغم من أن عملية الاستهداف كانت في منتصف شهر مارس الجاري. وهنا يمكن الإشارة إلى اتجاه التنظيم إلى خفض مستويات التواصل بين قياداته ومجموعاته في إطار عمليات الاستهداف المستمرة من قبل الولايات المتحدة باستخدام طائرات من دون طيار.
محاولات العودة
وأخيراً، فإن تنظيم القاعدة في اليمن، يسعى لاستعادة نشاطه في معاقله الرئيسية السابقة، بعد تراجع ملحوظ بفعل مقتل عدد كبير من قيادات وعناصره، إضافة إلى تراجع الدعم القبلي بعد عمليات تحالف دعم الشرعية عبر عمليات مؤثرة دون الدخول في مواجهات مباشرة بعمليات سيطرة ميدانية، إذ يحاول حالياً إحداث حالة من الخلل الأمني لمحاولة الاستفادة من تعقيدات المشهد اليمني، على خلفية استمرار المواجهات مع الحوثيين، والاتجاه إلى مناطق سيطرة ونفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي، خاصة وأن القوات التابعة للمجلس شاركت في مواجهة تنظيم القاعدة خلال السنوات الماضية في أكثر من محافظة ومن بينها محافظة أبين. كما أن التنظيم بدأ في التركيز على استهداف القوات الأمنية في الجنوب، بعدما تراجعت المواجهات مع تنظيم “داعش” في البيضاء، وعدم الدخول في مواجهات مع الحوثيين في المحافظة ذاتها، خاصة مع الحديث عن صفقة تبادل للأسرى بين الحوثيين والقاعدة، بما يتيح قدراً من التحرك بصورة أكبر في مناطق الجنوب اليمني خلال الفترة المقبلة، وإمكانية نقل عناصره إلى المناطق المحررة.