من المتوقع أن يُساهم قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق بالإطاحة بأحد أركان الرئاسات الثلاث في البلاد، رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، في تشكيل خارطة سياسية مختلفة في العراق، وذلك عبر تداعيات هذا القرار، وأهمها: اختيار رئيس جديد للبرلمان بديل للحلبوسي، في ظل تنافس الكتل السنية للفوز بهذا المنصب. فضلاً عن مدى تأثير استقالة نواب حزب “تقدم”، حزب الحلبوسي، من البرلمان، وأعضائه من الحكومة، على حكومة محمد شياع السوداني (الحكومة الائتلافية) وأدائها، بما يطرح العديد من التساؤلات حول تراجع نفوذ الكتل السُنية، وغموض مصير “ائتلاف إدارة الدولة” في العراق.
فيما يشبه زلزالاً سياسياً، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، أطاحت المحكمة الاتحادية العليا في العراق برئيس البرلمان محمد الحلبوسي، عبر إثبات “واقعة تزوير” بحقه، في خطوة قد تتسبب في أزمة محتملة من خلال تداعياتها المتوقعة على المشهد السياسي، خاصة أن الخطوة تأتي في تزامن مع استعدادات الكتل السياسية لإجراء انتخابات مجالس المحافظات، المُقرر لها في 18 ديسمبر القادم، ومع وجود نوايا لتمديد عمل مجلس مفوضية الانتخابات من جانب البرلمان.
إذ يُعد الحلبوسي أحد الأرقام الصعبة في العملية السياسية بالعراق، التي تم بناؤها على أساس التوازن المكوناتي، ومن ثمّ تبدو مجموعة من التداعيات المتوقعة نتيجة قرار عزله من عضوية البرلمان، وتالياً من رئاسته.
تداعيات متوقّعة
ولعلّ أهم هذه التداعيات تلك التي تتمثل فيما يلي:
1- عواقب استقالة أعضاء “تقدم” من الحكومة: ففي إثر قرار المحكمة الاتحادية العليا، بعزل رئيس البرلمان، أعلن حزب “تقدم” الذي يتزعمه الحلبوسي، ليس فقط مقاطعة جلسات ائتلاف إدارة الدولة، ولكن أيضاً استقالة ممثلي الحزب من الحكومة الاتحادية، وكذلك استقالة ممثليه من رئاسة ونواب رؤساء اللجان النيابية، فضلاً عن المقاطعة السياسية لأعضاء الحزب لجلسات مجلس النواب.
ويبدو إعلان الحزب بمثابة نوعٍ من التأثير السلبي -ولو نسبياً- على مجريات العملية السياسية داخل البرلمان، إذ يُمثل الحزب 37 نائباً، من خلال الانتخابات التشريعية، وهي كتلة ليست بالهينة، حيث تُمثل أكبر ائتلاف سُني داخل البرلمان، وهو ما ساعد الحلبوسي، المحافظ السابق لمحافظة الأنبار ذات الأغلبية السُنية غربي البلاد، في الحصول على أول ولاية له كرئيس للبرلمان في عام 2018.
2- تأثر المناطق الغربية ذات الأغلبية السُنية: فوفق عُرف سياسي سائد في العراق، بعد أول انتخابات برلمانية عام 2005، يتولى الشيعة رئاسة الحكومة والأكراد رئاسة الجمهورية والسُنة رئاسة مجلس النواب. ومع قرار المحكمة الاتحادية العليا المُفاجئ وغير المتوقع، بعزل الحلبوسي، أُصيبت المناطق الغربية من البلاد، وهي المناطق التي تتمتع بأغلبية سُنية، بـ”صدمة سياسية”، كان من نتائجها أن شهدت محافظة الأنبار تظاهرات حاشدة، على خلفية قرار المحكمة.
بل إن المتظاهرين قد أعربوا عن غضبهم من قرار المحكمة بحق الحلبوسي، المُحافظ السابق للمحافظة، رافعين لافتات مؤيدة لـ”الرئيس الحلبوسي”، خاصة بعد الإنجازات الكبيرة التي تحققت في مجال التطور العمراني للمحافظة، إذ أصبحت الأنبار واحدة من المدن المتقدمة عمرانياً على مستوى العراق.
3- الاختلاف حول البديل في رئاسة البرلمان: فمنذ إصدار المحكمة قرارها، بدأت الخلافات السياسية داخل القوى والكتل السُنية تلوح في الأفق، بما يُشير إلى أن الأيام القادمة سوف تشهد عودة الصراع بشأن منصب رئيس مجلس النواب، ومحاولة عدم تكرار نموذج “ديكتاتورية الحلبوسي”، كما أصبح يصفها حلفاؤه السياسيون من الكتل السُنية الأخرى.
والمُلاحظ أن الكتل السُنية باتت معنية في مدة غير محددة، لكنها قصيرة زمنياً، أن تبلغ مرحلة التوافق السياسي حول مُرشح سُني واحد لرئاسة البرلمان، والتصويت لصالحه؛ خاصة أنه من المُقرر أن يُحل مجلس النواب العراقي بحلول العام بعد القادم (2025)، وبالتالي فإن عملية اختيار المُرشح القادم لرئاسة البرلمان، لا بد لها من تفاهمات بين الكُتل السُنية، بما يُمكن في حال الاختلاف بينها أن يؤثر على نفوذها ككتلة سياسية لصالح القوى السياسية الأخرى.
4- تعزيز دور الإطار التنسيقي داخل البرلمان: من الواضح أن عزل محمد الحلبوسي من رئاسة البرلمان العراقي، سوف يفرض عدداً من السيناريوهات على الواقع السياسي في البلاد، خاصةً بعدما استطاع “الهيمنة” على الحضور السُني، بفضل قيادته لحزب “تقدم” ذي الأغلبية السُنية داخل البرلمان، فضلاً عن تحالفات الحلبوسي الداخلية وعلاقاته الخارجية.
ومن ثمّ فإن خروج الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب سيكون له تأثير سياسي مُباشر على الانتخابات العراقية المُقبلة، سواء انتخابات مجالس المحافظات، أو الانتخابات النيابية أيضاً، في حال حصلت بشكل مُبكر أو في توقيتها الدستوري، وهو ما يعني زيادة تعزيز نفوذ تحالف “الإطار التنسيقي” في المجلس النيابي، حيث يضم 130 نائباً، إضافةً إلى تعزيز نفوذه في الانتخابات المُقبلة، خاصةً تلك المُقرر إجراؤها نهاية الشهر القادم.
5- الغموض بشأن مصير “ائتلاف إدارة الدولة”: ففي إثر قرار المحكمة الاتحادية العليا، باشرت قوى “الإطار التنسيقي” الشيعي، و”ائتلاف إدارة” الدولة، اجتماعات مُباشرة بخصوص إنهاء عضوية الحلبوسي، إضافةً إلى بحث مدى تأثير ذلك على الانتخابات المحلية المُقبلة، خاصةً بعد إعلان مقتدى الصدر مقاطعة أنصاره لهذه الانتخابات.
واللافت أن عزل الحلبوسي هو البند الأهم بالنسبة إلى ائتلاف إدارة الدولة، الذي يضم كلاً من الأكراد والسُنة، بجانب القوى الشيعية الرئيسة التي تُمثل الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً. وبالتالي، ففي حال لم يُشارك التيار السُني في الاجتماعات، بوصفه أحد الأركان الثلاثة في معادلة الائتلاف الحاكم والداعم للحكومة، فإن مصير هذا الائتلاف سوف ينتابه الغموض لأول مرة بعد عام على تشكيل الحكومة الحالية التي يترأسها محمد شياع السوداني.
6- التأثير على انتخابات “مجالس المحافظات” القادمة: حيث يلوح في الأفق احتمال أن تتغير خارطة التحالفات ومعادلة توازنات القوى السياسية، في انتخابات مجالس المحافظات القادمة، بعد حوالي شهر، بما يُعزز من فرص خصوم الحلبوسي في هذه الانتخابات، بعد قرار إقالته وعزله من البرلمان العراقي.
لذلك، يبدو أن الوضع السياسي في العراق، خلال المرحلة المُقبلة، سيكون مفتوحاً على تحديات ليست سهلة، خاصة أن بعضاً منها غير متوقع، بما يجعل من الاستحقاق الدستوري محطة صعبة، وسط التجاذب المستمر بين القوى السياسية، بل وفي إطار الضغوط المستمرة من الشارع العراقي على النخبة السياسية، خاصةً بعد الإعلان عن مقاطعة التيار الصدري للانتخابات.
خلط أوراق
في هذا السياق، يُمكن القول إن إنهاء عضوية الحلبوسي، وتالياً إقالته من رئاسة البرلمان العراقي، سوف تترتب عليه توترات سياسية داخل العراق، من حيث الصراع السُني السُني حول رئاسة البرلمان، فضلاً عما هو متوقع من تغيير خارطة التحالفات في انتخابات مجالس المحافظات المُقبلة، بين الكتل السياسية الثلاث (السُنة، والشيعة، والأكراد)، في ظل رفض التيار الصدري المشاركة في الانتخابات.
هذا، وإن كان يعني احتمال أن تشهد المرحلة المُقبلة نوعاً من “خلط الأوراق”، فإنها في الوقت نفسه سوف تضع الكتل السُنية في موقف مُعقد، خاصة في ظل انقسام الساحة السُنية إلى أربع كتل: “الحسم الوطني” و”العزم” و”السيادة”، إضافة إلى “تقدم” الذي أعلن عن انسحابه من البرلمان ومن عضوية الحكومة؛ بما يعني إمكانية أن تفقد الكتل السُنية نفوذها في ظل حالة الانقسام والاختلاف الذي يبدو بوضوح حول البديل في رئاسة البرلمان.