سدّ الثغرات:
دلالات إعلان طهران تسليح الدفاع الجوي الإيراني بمسيّرات مزودة بالصواريخ

سدّ الثغرات:

دلالات إعلان طهران تسليح الدفاع الجوي الإيراني بمسيّرات مزودة بالصواريخ



تتمثل أبرز أهداف إيران من تطوير منظومة “كرار” للدفاع الجوي وتزويدها بصواريخ جو-جو في تقليص الفجوة القائمة في القدرات الدفاعية للدولة، والاستعداد لهجوم عسكري إسرائيلي محتمل، ونقل خبرة الدفاع الجوي إلى المليشيات الموالية في إطار استيعاب دروس حرب غزة، وتبني خطوات تصعيدية ضد دول الجوار بالتوازي مع الخطوات السياسية.

وكالة أنباء “مهر”: مميزات مسيرة كرار المزودة بصواريخ جو جو من طراز “مجيد”

تواصل إيران مساعيها لتطوير قدراتها العسكرية، لا سيما في مجال الدفاع الجوي، إذ أعلنت، في 11 ديسمبر الجاري، أن الجيش قام بتسليح قواته بمسيرات بعيدة المدى من طراز “كرار” مزودة بصاروخ جو-جو من طراز “مجيد” الذي يبلغ مداه 8 كم، فيما يبلغ مدى المسيرة، حسب وكالة أنباء “فارس” 1000 كم.

ومن دون شك، فإن هذه الخطوة لا تعبر عن سياسة جديدة تتبناها إيران في المرحلة الحالية، لكن أهميتها تكمن في أنها تكشف إلى حد كبير عن التوجه الاستراتيجي العسكري الجديد الذي تعمل إيران على صياغته حالياً في ضوء المعطيات التي تفرضها التطورات التي طرأت على الساحة الإقليمية في الفترة الماضية، سواء في منطقة الخليج العربي، أو في منطقة المشرق العربي، أو حتى في المجال الاستراتيجي الحيوي بالنسبة لإيران الذي يصل إلى مضيق باب المندب والبحر الأحمر.

وكالة أنباء “إسنا”: ضم مسيرة “كرار” إلى منظومة الدفاع الجوي في المنطقة الشمالية الغربية

أهداف عديدة

يمكن القول إن إيران تسعى عبر هذه الخطوة الجديدة إلى تحقيق أهداف رئيسية متعددة يتمثل أبرزها في:

1- تقليص الفجوة في القدرات الدفاعية: يمكن وصف القدرات الدفاعية الإيرانية بأنها كانت تمثل -حتى وقت قريب- إحدى نقاط الضعف التي تعاني منها إيران. فقد منحت الأخيرة الأولوية لتطوير بعض القطاعات الرئيسية، ولا سيما الصواريخ الباليستية، والقوة البحرية، وحققت في هذا الصدد تقدماً ملحوظاً، ثم جاء اهتمامها تالياً بتطوير برنامج الطائرات من دون طيار. لكن هذه القطاعات الثلاثة كانت ذات طبيعة هجومية إلى حد كبير، فيما بقيت هناك إشكالية في الدفاع الجوي، رغم اعتماد إيران على تطوير إمكانياتها العسكرية في هذا الصدد.

إذ تعتمد إيران على منظومة صواريخ “إس 300” الروسية، كما أنتجت طرازات محلية من بعض المنظومات. لكن كان لافتاً أن هذه المنظومات لم تنجح في تجنيب إيران التعرض لهجمات بواسطة طائرات من دون طيار استهدفت منشآتها النووية والصاروخية.

فقد تعرضت منشأة عسكرية في محافظة أصفهان، في 29 يناير الماضي، لهجوم بواسطة طائرات من دون طيار. ورغم أن إيران أعلنت التصدي لها، فإن مجرد استخدام أطراف مناوئة لإيران لهذه الآلية يعني أنهم على دراية بأن هناك فجوة في أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية.

كما تعرض قيادي كبير في الحرس الثوري لمحاولة اغتيال في منطقة كرج التي تقع غرب طهران، في 24 فبراير الماضي، بواسطة طائرات من دون طيار، وإن كانت بعض وسائل الإعلام الإيرانية قد نفت ذلك، مشيرةً إلى أن أصوات الانفجارات تعود إلى إجراء مناورة عسكرية.

لكن الضربة الأهم تعرضت لها ورشة إصلاح أجهزة الطرد المركزي في كرج، في 23 يونيو 2021، والتي استخدمت فيها 3 طائرات من دون طيار. وكانت هذه الضربة من القوة بحيث دفعت إيران إلى اتخاذ قرار بنزع كاميرات المراقبة التي كانت موضوعة في تلك المنشأة، إلى جانب 30 كاميرا أخرى في منشآت نووية مختلفة، في إطار ردها على تلك العمليات وفي سياق محاولاتها ممارسة ضغوط على الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمطالبتها بإصدار إدانة لهذه العمليات، وتحميل إسرائيل المسؤولية عنها، وهو ما رفضته الوكالة، باعتبار أنها لا تملك دليلاً على ذلك.

2- الاستعداد لهجوم إسرائيلي محتمل: إذا كانت إيران قد استبعدت في السابق التعرض لهجوم عسكري مباشر من جانب إسرائيل، فإنها لم تعد تستطيع تبني التوجه نفسه في المرحلة القادمة، وذلك لاعتبارين رئيسيين: أولهما، أنها باتت تتوقع أن تتجه إسرائيل، في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب في قطاع غزة، التي ما زالت تتصاعد حدتها حالياً، إلى محاولة الرد على الدعم الذي قدمته إيران لحركة حماس والفصائل والمليشيات الأخرى التي قامت بتكوينها وتدريبها لتهديد أمن إسرائيل، وخاصة حركة الجهاد الإسلامي وحزب الله اللبناني.

ويعني ذلك أن إيران باتت ترى أنه أياً كان المسار الذي سوف تتجه إليه الحرب الحالية في قطاع غزة، فإنها لن تنتهي بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، وإنما ستستأنف بطرق أخرى ومع أطراف مختلفة في مرحلة لاحقة، ويأتي في مقدمتهم إيران وربما حزب الله.

وثانيهما، أنها تواصل تطوير البرنامج النووي بشكل بات يثير قلق إسرائيل، التي ترى أن إيران تحاول استغلال انشغالها مع الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة العمليات العسكرية في قطاع غزة من أجل تحقيق أكبر قدر من التقدم في البرنامج النووي، خاصة في ظل انهماك إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أيضاً في الاستعداد للانتخابات الرئاسية التي سوف تُجرَى في نهاية العام القادم. وقد كشف التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي صدر في منتصف نوفمبر الفائت، أن كمية اليورانيوم التي أنتجتها إيران بنسبة 60% (وهي الكمية الأقرب للوصول إلى مرحلة تخصيب بنسبة 90%) تصل إلى أكثر من 128 كيلوجراماً، أي أنها تكفي، حسب رؤية المراقبين والخبراء، لإنتاج ثلاث قنابل نووية، في حالة ما إذا استكملت الإجراءات الأخرى اللازمة على غرار صدور قرار سياسي من القيادة العليا بالوصول إلى هذه المرحلة، والبدء في محاولة إنتاج المفجّر النووي.

3- نقل الخبرة إلى المليشيات الموالية في الشرق الأوسط: ربما حاولت إيران خلال الفترة التي تلت اندلاع الحرب الإسرائيلية في قطاع عزة استيعاب دروس تلك الحرب، ولا سيما فيما يتعلق بسبل مواجهة التفوق الجوي لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. فسلاح الجو الإسرائيلي والأمريكي كان فارقاً وحاسماً في المعارك التي اندلعت مع حركة حماس، وكذلك التصعيد المحدود والمنضبط بين إسرائيل وحزب الله، فضلاً عن أنه كان له دور في إدارة المعارك بين القوات الأمريكية والمليشيات الشيعية الموالية لإيران، والتي سعت إلى رفع كلفة الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل في الحرب، على المستويين السياسي والعسكري.

وبحسب تقارير عديدة، فإن المليشيات الموالية لإيران، خاصة حزب الله، تعتمد في مواجهة التفوق الجوي الإسرائيلي تحديداً على المدافع المضادة للطائرات، وليس منظومات دفاعية أكثر تطوراً. وقد أعلنت إيران، في 24 فبراير الماضي، أنها ستعمل على إدخال منظومة “15 خرداد” للدفاع الجوي إلى سوريا.

ورغم أن المبرر الذي استندت إليه في ذلك هو دعم قدرة سوريا على التصدي للهجمات الإسرائيلية، إلا أن أحد الأهداف الأخرى التي حاولت تحقيقها من خلال ذلك هو نقل هذه التكنولوجيا إلى حزب الله في جنوب لبنان، وبالتالي تعديل توازنات القوى بين الطرفين، وتقليص قدرة إسرائيل على استخدام سلاح الجو كآلية حاسمة في إدارة الصراع العسكري مع خصومها. ويبدو أن إسرائيل كانت مدركة لخطورة ذلك، ومن ثمّ عملت على توجيه ضربات قوية لمنع نقل هذه التكنولوجيا إلى داخل لبنان.

ومن هنا، فإن إيران تعمل، في سياق سياستها القائمة على أن تعدد الآليات والإمكانيات العسكرية ونقلها عبر مصادر مختلفة من شأنه تشتيت جهود إسرائيل، على تطوير منظومة “كرار” الجديدة ومحاولة استخدامها سواء في تعزيز قدراتها الدفاعية أو لنقلها إلى وكلائها في المنطقة.

4- موازنة الخطوات التصعيدية السياسية بتطوير القدرات العسكرية: كان لافتاً أن إيران لا تكتفي فقط بردود الفعل السياسية المتشددة تجاه بعض التطورات التي تخص علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما الإمارات. إذ إنها لا ترفض فقط البيانات الصادرة عن الاجتماعات الخليجية، سواء الثنائية أو متعددة الأطراف، والتي تصدر عنها بيانات تؤكد سيادة الإمارات على الجزر الثلاث المحتلة من جانب إيران، وإنما ترافق ذلك دائماً بخطوات على صعيد تطوير قدراتها العسكرية.

فقد جاء الإعلان عن تطوير المنظومة الدفاعية الجديدة “كرار” بعد نحو أسبوع من تأكيد بيان قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في الدوحة، في 5 ديسمبر الجاري، على سيادة الإمارات على الجزر الثلاث، حيث لم تكتفِ إيران بمزاعم أن “الجزر الثلاث هي جزء لا يتجزأ من أراضيها”.

وتكرر الأمر نفسه في 3 أغسطس الماضي، عندما قال قائد القوة البحرية في الحرس الثوري علي رضا تنكسيري إن “الجزر مثل نواميسنا، ونحن أبناء الشعب الإيراني ملزمون بالدفاع عن نواميسنا وشرفنا”، بالتوازي مع الإعلان عن انضمام صاروخي كروز “قدير” و”فتح 360″ إلى بحرية الحرس الثوري خلال مناورات “اقتدار” التي أُجريت قبالة جزيرة أبو موسى. وجاء ذلك عقب صدور بيان عن اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا الذي عقد في موسكو في 10 يوليو الماضي، وأكد دعم مبادرة الإمارات للوصول إلى حل سلمي لقضية الجزر من خلال المفاوضات الثنائية أو محكمة العدل الدولية.

تطوير مستمر

إن ما سبق في مجمله يشير إلى أن إيران بصدد اتخاذ مزيدٍ من الإجراءات الخاصة بتطوير قدراتها العسكرية، على نحو لا يهدف فقط إلى تقليص احتمال تعرض إيران لهجوم عسكري مباشر، وإنما أيضاً تعزيز حضور إيران في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في دول الصراعات، عبر تمكين وكلائها من التصدي للضربات العسكرية التي تتعرض لها مواقعهم من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.