العنوان مستعار من عبارة استخدمها بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطانى، في افتتاح مؤتمر جلاسجو لحماية المناخ. والعبارة نفسها شائعة في الأدب الشعبى السياسى للدلالة على الإلحاح في ضرورة التصرف، وإلا كانت النتائج كارثية على الجنس البشرى وربما كافة أعضاء الممالك الحية على وجه الأرض. فلحظة منتصف الليل فاصلة بين يوم انتهى وآخر يبزغ، ولذا كثرت التعبيرات التي تقول إن المؤتمر هو آخر الفرص المتاحة للإنسانية لكى تنقذ نفسها من الزوال. والسبب أنه منذ بداية القرن التاسع عشر حينما تبلورت الثورة الصناعية الأولى فإن مناخ الأرض أخذ في الارتفاع، وهو الأمر الخطير الذي تسبب في تغيرات مناخية أضرت بالجليد في القطب الشمالى، فتفكك وأصبح ماء، ارتفعت بسببه البحار والمحيطات حتى باتت تهدد الجزر، وبعضها دول، والمدن المطلة على الماء، مع إضفاء الملوحة على دلتا الأنهار التي تصب في البحر. في حديث جونسون المشار إليه أشار إلى أن هناك ثلاث مدن كبرى في العالم مهددة بالخطر: شنغهاى في الصين، وميامى في الولايات المتحدة، والإسكندرية في مصر. وربما ما لم يعلمه البريطانى هو أن الحكومة المصرية قد اتخذت الإجراءات الكفيلة بحماية المدينة والميناء وسواحلها الشمالية بوجه عام؛ ولكن القضية العالمية تبقى ملحة بشدة من ناحية آثارها السلبية، ونتيجة أنها قد باتت موضع معارضة يمينية تولدت في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وقوامها أن ما يحدث على الكوكب ليس جديدا، وأن التاريخ قد عرف دورات من هذا النوع كانت نتيجتها أحيانا زوال حضارات كاملة، منها الحضارة المصرية القديمة التي لم تهن بسبب الغزو الأجنبى، أو الهوان الداخلى، وإنما بسبب الجفاف الذي حرمها من فرع النيل الثانى الذي كان جاريا في الصحراء الغربية، ومن الغابات والزراعة وكلتاهما كانت أكثر اتساعا. وأن ما ورد في الكتب المقدسة عن السنوات العجاف والأخرى السمان، والطوفان الذي عاصره النبى نوح، والأعاصير التي دمرت أقواما كاملة، لم تكن أكثر من حالات مناخية شديدة، ما لبثت أن عادت الأرض بعدها مرة أخرى إلى توازنها المناخى .
أيا ما كان الجدل الدائر في السياسة الغربية، الذي دعمه كثيرا فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية قبل سنوات، وأمثاله في دول صناعية أخرى، فإن الغالبية الساحقة من العلماء في العالم يؤكدون أن الأمر هذه المرة شديد الخطورة، وما لم يتخذ البشر ما يكفى من إجراءات للتغلب على سخونة الكوكب، فإن النتائج سوف تكون كارثية. المعضلة هنا هي أن الدول المتقدمة التي عاشت الثورات الصناعية المختلفة كانت هي التي راكمت التلوث الكربونى في العالم. إن ثلاث دول فقط هي الصين والولايات المتحدة والهند، مضافا لها عدد من الدول الصناعية الأخرى، يقع في مقدمتها دول الاتحاد الأوروبى، تتحمل هذه المسؤولية في ٥٣٪ من مجموع أطنان الكربون الملوث للبيئة العالمية، حيث نصيب الأولى ٢٧٪ و٩.٨ مليار طن من الكربون، والثانية ١٥٪ و٥.٣ مليار طن، والثالثة ٦.٨ ٪ و٢.٥ مليار طن. الآن فإن أنظار العالم المتقدم وهى تقع على أبواب الثورتين الصناعيتين الثالثة والرابعة، وكلتاهما نظيفة من الكربون، تتطلع وتضغط من أجل وضع المسؤولية في إنقاذ الكرة الأرضية على عاتق الدول النامية المنتجة للنفط والغاز، والطاقة الأحفورية في عمومها، باعتبارها المصدر الأساسى للتلوث الكربونى .
ورغم أن لا أحد يختلف على أهمية، بل ضرورة، التعاون الدولى للتعامل مع قضية هي كونية بامتياز، إلا أنه في الواقع العملى فإن إشكاليات السياسة الدولية في كثير من الأحيان تظل ضاغطة وملحة. خطاب الرئيس بايدن في جلاسجو لا يخلو من إلحاح على قضية «القيادة» الأمريكية في العالم ليس فقط في هذه للقضية وإنما كل أمر آخر. الصين في جانبها لا تريد أن تجعل صعودها إلى مرتبة الدولة العظمى الثانية في العالم متهما باستناده إلى إفساد مناخ الكون. روسيا الراغبة في استعادة مكانتها، وهى في صدارة الدول المنتجة للنفط والغاز، لا تريد قيودا ولا سقوفا دولية على حركتها وإنتاجها الذي هو حيوى بالنسبة لاقتصادها. الدول النامية في العالم، وبعضها معرض للخطر أكثر من الآخرين، تلح على التعاون الدولى، وعلى وفاء الدول الصناعية المتقدمة بوعودها الخاصة بإنشاء صندوق خاص للتحول البيئى في البلدان النامية. مصر المعرضة لهذا الخطر بأشكال شتى تسير في مسار تحويل اقتصادها إلى اللون الأخضر، وتزيد من نصيب الطاقة المتجددة في اقتصادها، وفوق ذلك تدعو العالم إلى اجتماع أكثر فاعلية بعد عام من الآن .
نقلا عن المصري اليوم