دبلوماسية عربية جريئة تلاقي مواقف شومر – الحائط العربي
دبلوماسية عربية جريئة تلاقي مواقف شومر

دبلوماسية عربية جريئة تلاقي مواقف شومر



بعد نحو 6 أشهر على الدعم الأميركي الكامل وغير المشروط لحرب إسرائيل على حركة «حماس» في غزة، يبدو أن التباينات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بدأت تخرج إلى العلن بشكل لم تشهده منذ إدارة دوايت إيزنهاور وحرب السويس سنة 1956. ومع ذلك، ينبغي التشديد على أن الخلاف هو بين إدارة جو بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو وحلفائه من اليمين المتعصب المتشدد، وليس مع إسرائيل الدولة.

وسط تصاعد التوترات خلال شهر رمضان، وفشل الجهود الدبلوماسية المستمرة منذ أشهر لوقف الحرب في غزة، تجري إدارة بايدن بعض التحوّلات التكتيكية في سياساتها بشأن الحرب، من دون أن يعني ذلك تغييراً كبيراً في نهج الولايات المتحدة الاستراتيجي في المنطقة. تتلخَّص السياسة الأميركية تجاه حرب غزة بدعم دفاع إسرائيل عن نفسها، وهدفها المتمثل في القضاء على التهديدات التي تشكلها «حماس» وحلفاؤها، وتأمين العودة الآمنة للرهائن، وعدم توسّع الحرب، وحماية المدنيين، وتأمين الحاجات والمساعدات الإنسانية، والحفاظ على العلاقات القوية مع الشركاء والحلفاء العرب.

من المرجح أن ألا يستمر الخلاف العلني بين بايدن ونتنياهو فحسب، لا بل أن يتصاعد، ما دامت الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية على خلاف في السياسات حول عدد من القضايا الرئيسية بشأن الحرب في غزة بشكل خاص، وما يسمى خطة «اليوم التالي» بشكل عام. الإدارة الأميركية تتمسَّك بحل الدولتين، ومقاومة مشاريع التهجير، وتغيير الحدود، وإنشاء مناطق عازلة داخل القطاع، وتوسيع الاستيطان، بينما الحكومة الإسرائيلية الحالية ترفض مفهوم الدولتين، وتقاوم تحديد نهاية واضحة للحرب في غزة ومصير القطاع والموقف من السلطة الفلسطينية برمتها. والبعد الإضافي الآخر الذي يحرك هذا الخلاف هو السياسة الداخلية داخل البلدين، ولكل منهما توقيته وتعقيداته الخاصة.

اللافت أن التباين الأميركي – الإسرائيلي بدأ يتسلل إلى خارج البيت الأبيض ليطول الهياكل السياسية الأميركية الأخرى، وتجلَّى ذلك في الانتقادات الحادة التي وجهها لنتنياهو زعيم الأغلبية الديمقراطية وأعلى مسؤول يهودي منتخب في الولايات المتحدة، تشاك شومر، في خطاب ألقاه أمام مجلس الشيوخ، وعدَّه عقبة أمام حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وعلى الرغم من أنَّه لم يدعُ صراحة إلى إطاحة نتنياهو، فإنه تحدث عن ضرورة أن يُتاح للإسرائيليين فرصة اختيار قيادة جديدة. موقف شومر يتجاوز شخصه، على أهميته، ليعكس تحولاً في السياسة الأميركية تجاه المنطقة وأهدافها والمهددة من نتنياهو وحكومته.

إلى انتقادات شومر، برزت قبلها بأيام رغبة أميركية ببناء رصيف مؤقت لجلب المساعدات إلى شاطئ غزة بعد تأمين ممر بحري لهذه الغاية بينها وقبرص. تُوّج التوتر في العلاقات الأميركية مع حكومة نتنياهو بتقديم الولايات المتحدة مشروع قرار أمام مجلس الأمن يدعو «لوقف فوري لإطلاق النار مرتبط بإطلاق الرهائن»، لم يُقر بفعل «فيتو» روسيا والصين. لا يمكن قراءة هذه الخطوات بمعزل عن الضغوط المباشرة على نتنياهو رداً على تعنته، ما يعكس اتساع الفجوة بينه وبين بايدن.

وفي المقابل، وفي الوقت الذي وصلت فيه العلاقات الأميركية – الإسرائيلية إلى هذا المستوى من التوتر، تعلو أصوات فلسطينية وأخرى عربية من أكثر من جهة تتراوح بين التشكيك في مواقف واشنطن ورفضها، واتهامها بالتخطيط للبقاء في غزة، معتبرين نزول قوات أميركية على أرض غزة بداية لوجود أميركي طويل الأمد في القطاع. يضاف إلى ذلك تهم معلبة جاهزة من إعداد محور الممانعة، كمقولة إنه لا فرق بين أميركا وإسرائيل، وإنه لا مساحة أو مسافة تفصل بينهما، ولا خلافات بين الإسرائيليين وكلهم سواسية، وينبغي مقاومتهم جميعاً. البعض الآخر يتبنَّى المواقف نفسها في الوقت الذي يطالب فيه أميركا بالمساعدة أو الوساطة.

هؤلاء يتجاهلون المواقف المستجدة المنتقدة لنتنياهو وحكومته من الجهات المؤيدة لإسرائيل بين السياسيين والإعلاميين والأكاديميين الأميركيين، وبعض هؤلاء رأى أنَّ إسرائيل «إذا فقدت تشاك شومر، فقد خسرت أميركا». ولا ننسى موقف يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية وأحد القادة الإسرائيليين القلائل الذين رحَّبوا بتصريحات شومر، واصفاً خطابه بأنَّه «دليل على أنَّ نتنياهو يخسر كبار مؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة واحداً تلو آخر».

هذا العرض لحال العلاقات بين الإدارة الأميركية ونتنياهو هو برسم الفلسطينيين بشكل خاص والعرب بشكل عام، لأنَّه من السذاجة تجاهل هذا المتغيّر في سياسة واشنطن في هذه المرحلة، ومن الضروري انتهاز هذه الفرصة التي قد تكون محدودة في الزمان والمكان لا سيما قبل الانغماس في غمار الانتخابات الرئاسية وما قد تسفر عنه، خصوصاً إذا وصل دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. على حلفاء الولايات المتحدة العرب الاستفادة منها لمساعدة الأميركيين على المتابعة في هذا النهج، والعمل الجاد على تجيير المواقف الأميركية لصالح القضية الفلسطينية، والبناء عليها لتطويرها، وعدم تقديم الذرائع للإسرائيليين لإعادة الربط مع واشنطن. المطلوب أولاً الوضوح بخيار السلام والتمييز بين العدو والصديق والشريك والحليف، وثانياً الواقعية والتمييز بين الممكن والصعب والمستحيل، وثالثاً الإصلاحات الفلسطينية، وأخيراً الاستفادة من دروس هذه الحرب بدءاً من عشرات آلاف الضحايا البريئة والخسائر المادية الرهيبة، والتدمير في البشر والحجر الذي ستستغرق إعادة تأهيله وبنائه سنوات طويلة. يضاف إلى ذلك المتغيّر الدولي المتعاطف مع الفلسطينيين وليس بالضرورة مع «حماس»، تعاطف دولي غير مسبوق رافقه انكفاء روسي ملحوظ لا يخفى أو يموّه بعد 6 أشهر من القتل والتدمير، وصل حتى النأي بالنفس عن المساعدة الإنسانية، بينما الصين تنتظر النهاية للبناء عليها وفقاً لما تقتضيه مصالحها.

من الضرورة الإسراع للاستفادة من المواقف الإيجابية الدولية والأميركية المستجدة، والبناء عليها، وعدم تكرار التجارب – الخيبات السابقة على مدى أكثر من 7 عقود، علّ ذلك يثمر هذه المرة نتائج للصالح الفلسطيني والعربي، على الرغم من المعوقات الكثيرة التي تقيد خيارات بايدن، خصوصاً استخدام الضغوط القصوى. بايدن يرفض إفراط إسرائيل في استعمال القوة والخسائر المروعة الناتجة عنها في أرواح المدنيين الأبرياء، لكنَّه يشاركها أهداف الحرب: القضاء على قدرات «حماس» العسكرية وأخطارها، وإنهاء سيطرتها على غزة بوصفها مصنفة أميركياً أنَّها إرهابية ومدعومة من إيران، وتسعى إلى اقتلاع إسرائيل.

ملاقاة أميركا في منتصف الطريق ضرورة استراتيجية عربية وفلسطينية ملحة إنسانياً وسياسياً للخروج من الدائرة المغلقة التي يدور داخلها النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني وتداعياته على الأمن الإقليمي، خصوصاً بعد نتائج الحرب في غزة وما سوف تسفر عنه مستقبلاً، علماً بأن كل ممارسات إيران المزعزعة للاستقرار هدفها الأخير تفاهمات أو تسويات مع الأميركيين لتمكين دورها ونفوذها في المنطقة.

نقلا عن الشرق الأوسط