حول الاتفاق الإيرانى- السعودى – الحائط العربي
حول الاتفاق الإيرانى- السعودى

حول الاتفاق الإيرانى- السعودى



بعد نحو عام من الجولة الخامسة والأخيرة من المفاوضات السعودية-الإيرانية التى انعقدَت ببغداد فى أبريل ٢٠٢٢،وبينما كانت هناك مؤشرات تفيد بالتجهيز لانعقاد جولة سادسة من المفاوضات برعاية عراقية، إذا بنا نفاجأ بالصين تقطف ثمرة نحو سبع سنوات من الجهد العراقى السرّى والمعلن، وذلك بالكشف عن التوصّل لاتفاق سعودى – إيرانى على عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.على مدار هذه السنوات السبع بذلت دول عربية أخرى كسلطنة عمان وقطر جهودًا للتقريب بين السعودية وإيران، لكن الجهد الحقيقى كان جهدًا عراقيًا متواصلًا منذ أن بدأ وزير الداخلية العراقى قاسم الأعرجى فى ٢٠١٧ جسّ النبض حول إمكانية تطبيع العلاقات بين البلدين. وفى هذا فإن العراق كان صاحب مصلحة أساسية لأن أرضه كانت ساحة للتنافس الإقليمى والدولى دفع ثمنه غاليًا من استقراره السياسي. ومما شجّع العراق على لعب دور الوساطة بين السعودية وايران، هو الاستدارة العربية نحو العراق بعد فترة من الابتعاد عنه مع الاحتلال الأمريكى لأرضه فى ٢٠٠٣. إذن فإن الجهد الأساسى هو جهد عراقى، فمن خلال جولات المفاوضات المتتالية طُرِحت كل القضايا الخلافية بين البلدين، ليس فقط فيما يتعلَق بالتدخلات الإيرانية فى الشؤون العربية فى اليمن وسوريا ولبنان، لكن أيضًا فيما يتعلّق بقضية الحجاج الإيرانيين كواحدة من القضايا المتكررة بل والتى تسبَبَت فى قطع العلاقات بين البلدين عام ١٩٨٧، هذا فضلًا عن قضية أمن الخليج. وبالتالى فعندما استضافت الصين المفاوضات السعودية – الإيرانية فى الفترة من ٦ إلى ١٠ مارس ٢٠٢٣، وتم إعلان بيان ثلاثى يتضمّن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين-كان هناك أساس للتفاوض وكانت هناك وجهات نظر متبلورة من كلا الجانبين،وإلا فإنه لا يعقل أن نتصوّر أن خمسة أيام من المفاوضات يمكنها أن تُقرّب بين مواقف الدولتين التى يحكم تفاعلهما نمط من التوازن القلق، وحتى لو قلنا إن إرهاصات الوساطة الصينية بدأت فى القمم الصينية فى الخليج فى ديسمبر الماضى فإن تلك الوساطة استفادت من التراكم الذى تحقق على مدار سبع سنوات كاملة. ولعله مما يلفت الانتباه هنا أن البيان الثلاثى قد حدّد مدة شهرين لتبادل السفراء بين الدولتين، وهو ما يثير التساؤل عن الطول النسبى لهذه المدة خصوصًا مع ما سبق شرحه من وجود تمهيد سابق لاستئناف العلاقات، وهذا لا يعنى إلا شيئًا واحدًا هو أن هناك بعض النقاط الأساسية التى سيتم الاشتغال عليها قبل إعلان فتح السفارتين.

السؤال الذى يطرح نفسه هنا إذا كان الجهد عراقيًا بالأساس فكيف خطفَت الصين الأضواء وتصدّرت مشهد تطبيع العلاقات السعودية – الإيرانية؟ يذهب السفير والمحلل السياسى البارز رمزى عزّ الدين، إلى أنه بالنظر لأهمية الشرق الأوسط فى تنفيذ مشروع الحزام والطريق أكبر المشاريع الاستراتيچية الصينية على الإطلاق، كان الباب مفتوحًا أمام الصين لتنتقى من نزاعات الشرق الأوسط ما يساعد على تخفيف حدّة التوتّر وبالتالى توفير بيئة آمنة لحماية مصالحها الاقتصادية، خصوصًا على ضوء مبادرة الأمن العالمى التى طرحها الرئيس الصينى شى جين بينج فى ٢٠٢٢. ولما كان النزاع السعودي-الإيرانى يرتبط بحزمة من النزاعات الفرعية فى الشرق الأوسط، ويؤدى حلّه إلى قلْب المشهد السياسى فى المنطقة رأسًا على عقب، فلقد وقع اختيار الصين عليه، وقررَت من خلاله أن تبدأ دورًا سياسيًا جديدًا عليها فى الشرق الأوسط. أعجبنى وصف السفير عزّ الدين المنطقة بما يشبه بازار النزاعات، وهو تشبيه جديد وحقيقى فبحكم الأهمية الچيواستراتيچية للمنطقة فإن القوى الكبرى الدولية والإقليمية تنتقى لنفسها ما تتدخّل فيه من النزاعات، بحسب أهمية النزاع من جهة، والأهم بحسب القدرة على التأثير فى مسار النزاع من جهة ثانية، ومن المعلوم أن علاقة ايران بالصين ممتازة وقديمة وبينهما اتفاقية استراتيجية لمدة ٢٥ عامًا، كما أن علاقة السعودية بالصين هى علاقة متطورة ومتنامية وآخر مظاهر نموها القمم الصينية – الخليجية، كما أن الدولتين معًا السعودية وإيران تمثلان المصدر الأساسى لتزويد الصين بالطاقة، وباختصار فإن الصين لديها ما يدفعها للتوسط، كما أن لديها مقبولية من الطرفين بحكم سياستها القائمة على عدم إعطاء دروس للدول حول ما يجب فعله وما لا يجب. هذا كله صحيح تمامًا، لكن بالمثل فإن السعودية وإيران كانتا راغبتين فى مكافأة الصين وجعلها تقطف الثمرة التى غرسها العراق، ولولا تلك الرغبة لانعقدت جولة سادسة من المفاوضات فى بغداد. جانب من تفسير رغبة الدولتين هو الثقل الدولى للصين وقدرتها على إعطاء ضمانات لكلا الطرفين بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.وجانب آخر هو رغبة السعودية فى تأكيد المنحى المتوازن لسياستها الخارجية واستقلالية قرارها الخارجى عن التوجهات السياسية الأمريكية، ولن يكون أكثر دلالة على هذا التوازن والاستقلالية من توسيط الصين التى تمثل التهديد الاستراتيچى الأساسى للولايات المتحدة من أجل تصفير المشكلات مع إيران التى تمثّل تهديدًا من نوع آخر للمصالح الأمريكية وبالتأكيد الإسرائيلية فى الشرق الأوسط. وبالطبع لن يفوتنا هنا التذكير بصفقة الطائرات الضخمة التى أعلنَتها السعودية مع شركة بوينج الأمريكية، ما يعنى أن اتخاذ مسافة عن الولايات المتحدة لا يعنى القطيعة معها. أما بالنسبة لإيران فإن كل تقليص للوجود الأمريكى سواء العسكرى أو السياسى فى الشرق الأوسط يصّب فى مصلحتها، وهذا دور تلعبه الصين أو روسيا ولا يلعبه العراق.كما لا أستبعد أن تكون إيران غير راضية تمامًا عن سياسات حكومة محمد شيّاع السودانى كما اتضح فى أزمة تسمية كأس الخليج لكرة القدم، وبالتالى فإن إيران بانفتاحها على محيطها العربى وفى القلب منه السعودية تطبّق مقولة بيدى لا بيد عمرو.

هكذا أخذَت الصين اللقطة التى جهّز لها العراق المسرح, ونحن الآن بصدد متابعة تفاعلات أبطال العرض: السعودية وإيران.

نقلا عن الأهرام