لا مؤشرات إلى نهاية قريبة للحرب بين قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”. وغلبت أجواء التشاؤم، مع مسارعة دول العالم إلى إجلاء سفاراتها ورعاياها تحت النار.
ما من طرفٍ إقليمي أو دولي بقادرٍ حتى الآن على إقناع الجنرالين بوقف النار. هذا، لأن كلاً منهما مقتنع بأنه يخوض معركة بقاء بالنسبة اليه. وكلاهما كانا يشتريان الوقت منذ الانقلاب الذي نفذاه بالتكافل والتضامن ضد المكون المدني في مجلس السيادة في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021.
تكشفت الأحداث عن حقائق لا لبس فيها. إن أياً من الرجلين لم يكن في يومٍ من الأيام جدياً في تسليم السلطة للمدنيين. و”الإتفاق الإطاري” لم يكن سوى ملهاة انطلت على الأطراف الدولية، التي دعمت الاتفاق واستبشرت به خيراً كمرحلة انتقالية نحو الحكم المدني.
إن المعضلة الحالية أبعد من قضية الخلاف على المدة الزمنية التي يتعين فيها دمج قوات الدعم السريع بالجيش السوداني. إنها في الجوهر صراع على من يجب أن تكون مقاليد السودان في يده. من سيحكم السودان: البرهان أم حميدتي؟
أما وقد اندلعت الحرب، فإنها لن تلبث أن تورط أطرافاً خارجية فيها، نظراً الى هشاشة الأوضاع في الدول المحيطة بالسودان، من إثيوبيا إلى التشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى، فهذه دول كلها تشهد نزاعات داخلية ومن السهولة أن تنعكس الحرب السودانية عليها. ولن تكون منطقتا القرن الأفريقي والبحر الأحمر بمنأى عن التطورات الجارية.
وكل الحروب الأهلية السابقة في السودان شهدت تدخلات من الخارج وكانت لها انعكاسات على هذا الخارج أيضاً. وانفصال الجنوب عن الشمال في 2011 بعد حرب أهلية استمرت عقوداً، لم يلبث أن انفجر صراعاً على السلطة في الجنوب نفسه بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك ماشار. وهذا أدى إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح الملايين. ورغم ذلك لا يعير سلفا كير وماشار آذاناً صاغية لكل النداءات في العالم وللعقوبات المفروضة عليهما من أجل التوصل إلى حل دائم. فلماذا سيفعل البرهان وحميدتي؟
وأدت الصراعات السابقة بين القوات المسلحة والحركات المتمردة في دارفور والنيل الأزرق إلى مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين أيضاً. وقوات الدعم السريع هي من إفرازات نزاع دارفور مثلاً. فإلى أين يمكن أن يتجه السودان مع الصراع الدائر الآن بين الجيش وقوات شبه عسكرية؟ الأمر هنا لا يتعلق بنزاع بين القوات الحكومية وحركات متمردة ولا تنطبق عليه صفة الحرب الطائفية التي سبغت الحرب بين الشمال والجنوب أو الطابع القبلي والعرقي الذي تميزت به حرب دارفور. هنا النزاع يدور بين قوات تتبع للحكومة بشكل أو بآخر.
يدفع البرهان وحميدتي السودان إلى وجهة مظلمة أخرى، وكل السيناريوات مطروحة. فإذا تمكن البرهان من طرد حميدتي من الخرطوم، فإن الأخير سيلجأ إلى لعب الورقة القبلية ويشن تمرداً لقبائل موالية له في مسقط رأسه دارفور. وفي سيناريو كهذا ستكون الحرب مرشحة للاستمرار سنوات، بعدما تكون تورطت فيها أطراف إقليمية ودولية.
والأخطر والأدهى من كل ذلك، هو أن الفوضى ستؤدي إلى تسلل التنظيمات الجهادية إلى السودان من دول الجوار، ما يجعل منطقة القرن الأفريقي في وضع مشابه لوضع منطقة الساحل التي تخوض دولها نزاعاً مع تنظيمي “القاعدة” و”داعش “، لا سيما في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. والجهاديون موجودون في ليبيا والتشاد وفي شمال سيناء في مصر.
إن الحرب تهدد السودان بالتحول إلى دولة فاشلة بالكامل، وتقضي على أي أمل باستعادة الاستقرار في المدى المنظور، وسط أوضاع اقتصادية مزرية، فكيف سيكون الحال مع الحرب الدائرة الآن.
إن حسابات البرهان وحميدتي مختلفة تماماً.
نقلا عن النهار العربي