جلسة استماع:
“حدود تأثيرات الأزمة الروسية الأوكرانية على المنطقة العربية”

جلسة استماع:

“حدود تأثيرات الأزمة الروسية الأوكرانية على المنطقة العربية”



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 2 مارس 2022، جلسة استماع بعنوان “تأثيرات الأزمة الروسية الأوكرانية على الإقليم”. واستضاف المركز الدكتور جمال عبدالجواد، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ محمد الفقي، والأستاذ هيثم عمران، والأستاذة ميرفت زكريا، والأستاذة ياسمين أيمن.

محددات رئيسية

وضع عبدالجواد محددات رئيسية لفهم أبعاد الأزمة الروسية الأوكرانية، التي يمكن أن تُسهم في فهم تداعيات الأزمة على مستوى المنطقة العربية، كالتالي:

1- أزمة شديدة الخطورة: تُعد الأزمة الروسية الأوكرانية أهم حدث يشهده العالم منذ الحرب العالمة الثانية، وبالتالي فهي أزمة كبيرة للغاية، وتستمد أهميتها من أنها حرب تحدث في أوروبا، في حين أنه حدث لم يكن متخيلاً على الإطلاق في أوروبا، وكان التصور أن هذا الجزء من العالم كان معفياً من الحروب والصراعات، باعتبار أن أوروبا هي قاطرة العلم والتقدم والمساواة والقيم والمبادئ في العالم.

2-الشرق الأوسط ليس معفياً من الأزمة: لا يمكن التصور أن هناك أحداً معفياً من هذا النزاع، ففي منطقة الشرق الأوسط نحن قريبون جداً من هذه الأزمة، وتلك المنطقة عادةً ما تشهد تأثيراً للأزمات، ليس فقط على المستوى القرب الجغرافي، ولكن أيضاً من الناحية الموضوعية، وبالتالي ستكون هناك تداعيات على المنطقة، حسب سيناريوهات مستقبلها خلال الفترة المقبلة.

3- روسيا أهم منتج للطاقة في العالم: ونحن نتحدث عن الأزمة الروسية الأوكرانية، لا يجب أن نغفل أن أحد الأطراف المتورطة، هي أهم منتج للطاقة في العالم، وبالتالي فإن التأثيرات على سوق الطاقة ستكون حاضرة، وما يهمنا في المنطقة العربية هو التأثيرات سواء على مستوى الدول المصدرة أو تلك المستوردة.

4- الطبيعة الشخصية للرئيس الروسي: علينا أن نفهم الطبيعة الشخصية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فهو شخص لن يتقبل أي هزيمة في أوكرانيا، لذلك فهو بعيد عن النموذج العقلاني الذي يهتم بحسابات المكاسب والخسائر. وبغض النظر عن هزيمة أوكرانيا عسكرياً، لكن موسكو تحت وقع الخسائر، إذ إن الأزمة ستجعل روسيا مستنزفة لفترة طويلة، وأي إصلاحات نُسبت لبوتين ستختفي، حيث وضع روسيا على محط الاختبار مع الغرب، خاصة وأن الأداء أظهر وجود مشاكل على مستوى الأداء والدعم اللوجيستي.

5- موقف النخب الروسية: لا نعرف بشكل واضح هل هناك أطراف في النخب الروسية متحمسة لخطوة بوتين، فعلى مستوى النخب الرأسمالية التي يمكن وصفها بـ”رأسمالية النظام”، فهي النخب التي تدير الثروة وتعتبر مصدر دعم لبوتين، هل ستكون سعيدة بتجميد أموالها ومستعدة للتخلي عن الرفاهية؟ بالتأكيد سيخسر تأييد هذه النخب. وعلى مستوى النخبة العسكرية، إلى أي حد سعيدة بهذه الحرب؟ ولكن يمكن النظر إلى مشهد استجواب الرئيس الروسي لرئيس المخابرات على الهواء، هذا المشهد يعكس أن بوتين يحيط نفسه بأتباع وليسوا مستشارين، وهؤلاء يؤدون وظيفة، ولكن يمكن أن تُحدث هذه النخب انقلاباً في السياسة الروسية، خاصة أن حل الأزمة يكمن في اختفاء بوتين من المشهد.

تداعيات محتملة

استعرض عبدالجواد بعض التداعيات المحتملة على المنطقة العربية جراء استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، كالتالي:

1- توفير فرصة للدول المصدرة للطاقة: نحن في المنطقة العربية معنيونبأي شيء يحدث في مجال الطاقة، والأزمة الحالية فرصة للشرق الأوسط، فأي تعثر في إمدادات الطاقة من روسيا يخلق فرصاً للدول المصدرة للنفط في منطقتنا، وإذا تدخلت للحفاظ على إمداد الطاقة والحفاظ على السوق، فسيتوجه العالم بالشكر لها لتعويض النقص في الإمدادات، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الثروات، كما أن هناك فرصاً سياسية أكثر لحل الأزمة بين الدول المصدرة للنفط وبعض دول العالم، مثل السعودية والولايات المتحدة، ربما تكون هناك انفراجة لتجاوز عقبات كانت قائمة في فترات سابقة.

2- زيادة الاستثمار في مصادر الطاقة غير التقليدية: تؤدي هذه الأزمة الحالية إلى ارتفاع أسعار الطاقة، وهي قضية تتعلق بـ”أمن الطاقة”، خاصة وسط شكوك حول إمكانية توفير مصادر الطاقة في لحظة فارقة مثل الأزمة الروسية الأوكرانية، وهو ما يدفع إلى تسارع وتيرة تطوير الاستثمار في إنتاج الطاقة غير التقليدية، في ظل فوائدها الكبيرة من ناحية الفروق مع زيادة أسعار الطاقة التقليدية، وتحديداً على المستوى الأوروبي، إذ لم يعد هناك أمان في الاعتماد على المصادر الخارجية للطاقة، في ظل شعورها بالتعرض للابتزاز، وهنا فإن اتجاه الدول النفطية إلى تنويع مصادر التمويل خطوة صحيحة.

3- تزايد الضغوط الاقتصادية على بعض الدول: في مقابل التأثيرات الإيجابية للدول المصدرة للطاقة، هناك تأثيرات سلبية على الدول المستوردة للطاقة، في ظل ارتفاع الأسعار سواء على مستوى الطاقة أو ارتفاع أسعار الغذاء وتحديداً الحبوب، وعلى تلك الدول مواجهة ارتفاعات متوقعة بخلاف الارتفاعات المرتبطة بالتضخم العالمي بالأساس قبل الأزمة الحالية، والدول المحظوظة فقط هي التي لديها وضع متوازن، تصدر وتستورد الطاقة، مثل مصر، ولكنها ستعاني في إطار تراجع السياحة الروسية والأوكرانية.

4- وقوع اضطرابات سياسية محتملة: تداعيات ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء ستكون لها انعكاسات في بعض الدول التي تشهد اضطرابات سياسية، إذ يتوقع خلال الفترة المقبلة أن تزيد تلك الاضطرابات بفعل ارتفاعات الأسعار المتوقعة، خاصة في دولة مثل تونس، التي تمر بمرحلة انتقالية حرجة، في ظل مجتمع سياسي نشط وأحزاب قوية يمكنها حشد الشارع، ويمكن النظر أيضاً إلى لبنان التي تعاني بشدة في ظل غياب أي مخرج سياسي، في ضوء حالة جمود لتصبح الحكومة عاجزة عن اتخاذ القرار، إذ تعيش الدولة وضعاً اقتصادياً صعباً للغاية.

5- أزمات إنسانية في بلاد الصراعات: ومن المتوقع أن تشهد بعض الدول التي تمر بصراعات وحالة صدام مسلح، أزمات إنسانية، خاصة في ظل استبعاد التغيير السياسي. اليمن -على سبيل المثال- ستعاني بشدة، وسوريا فقيرة وتعتمد على روسيا تماماً، ومع ارتفاع الأسعار ستكون تلك الدول في حاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية ضخمة، وتضامن عربي كبير.

6- زيادة الاستقطاب وتعقد الأزمات: من الناحية السياسية، فإن مناطق الاضطرابات والصراعات العربية مرشحة لمزيد من الاستقطاب خلال الفترة المقبلة على وقع الأزمة الروسية الأوكرانية، فروسيا طرف في كل هذه المناطق المتوترة. فعلى مستوى ليبيا، فهي أحد الرعاة لبعض الأطراف الرئيسيين في الصراع الليبي عبر مساعدات عسكرية، وبالتالي ستدفع ليبيا ثمن العلاقات المتوترة بين روسيا والغرب، ويمكن أن تلعب روسيا دور المخرب لأي توافقات، من منطلق حرمان الطرف الآخر من الوجود في هذه المنطقة.

7- وضع قلق على مستوى القضية السورية: الوجود الروسي في سوريا حالة بحد ذاتها، ويمكن أن تلقي الأزمة الحالية بظلالها على أكثر من مستوى، فروسيا هي الطرف الأول في سوريا، فعلى الرغم من أن التدخل الروسي عقد الأزمة السورية، إلا أنه كان دوراً إيجابياً مقارنة بتمكن إيران من السيطرة على سوريا، أو وقوعها في يد الجماعات المتطرفة، ولذا فإن ما سيحدث لروسيا سيكون مهماً لسوريا، وهناك احتمالات مفتوحة، ويمكن النظر أيضاً إلى العلاقة بين روسيا وتركيا، وانعكاساتها على الساحة السورية، خاصة أن الطرفين لديهما تفاهمات حيال تقاسم النفوذ، وإذا توترت العلاقة على مستوى الأزمة الأوكرانية فسيؤدي إلى تأثيرات في سوريا، إذ يمكن أن تراجع روسيا هذه التفاهمات، وتدفع باتجاه توجيه ضربات للجزء الشمالي الغربي بما يؤدي إلى موجة نزوج وهجرة إلى أوروبا، وهي ورقة مهمة في يد روسيا، ولها تداعيات على إمكانية إحداث انقسام أوروبي حيال ملف استقبال اللاجئين.

8- تباطؤ في الملف النووي الإيراني: يبدو السؤال المهم في إطار الملف النووي الإيراني الذي يهم المنطقة العربية هو: هل الأزمة الروسية الأوكرانية تخلق بيئة غير مناسبة؟ فعلى الرغم من اتخاذ خطوات في إطار المباحثات حيال هذا الملف، ومع تحمس الغرب لتوقيع الاتفاق، إلا أنه على ما يبدو ستكون هناك رغبة في الإبطاء من إتمام هذا الملف، إذ إن إعادة دمج إيران في النظام الدولي يستتبعه سؤال: أي نظام دولي؟ وهنا فإن أي تمكين لإيران من أموال مجمدة ستكون له تأثيرات محتملة على الانحياز لروسيا والتمكن في سوريا، خاصة في ظل عدم معرفة هل سيكون هناك تراجع لروسيا في سوريا، بما يعطي مساحة لإيران.

سياسات جديدة

اختتم الدكتور جمال عبدالجواد بالتطرق إلى سيناريوهات مستقبل الأزمة الأوكرانية وانعكاساتها على مستوى رسم السياسات في المنطقة العربية خلال الفترة المقبلة، وهي:

1- استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية: في حالة استمرار الأزمة الحالية، هناك من يتحدث عن تجدد الحرب الباردة، وهو ما يؤدي إلى استدعاء كل الضغوط والفرص في المشهد، وهنا يتضح عدم التكافؤ الأيديولوجي في ميزان القوى بين الكتلتين، فبينما تتصرف بحذر ولا تنخرط في هذا النزاع، وفي الوقت نفسه حريصة على ألا تكون روسيا مهزومة، لكن على الناحية الأخرى فإن الغرب متماسك أيديولوجياً، وبدا أن هذا المعسكر أقرب لبعضه.

كل الدول العربية شركاء للولايات المتحدة، وتستخدم الآخرين لتوسيع نطاق الحركة وتحسين شروط التفاوض مع الغرب، وفي حالة استمرار الأزمة والصدام فسيكون على الجميع حسم الخيارات، وإعادة صياغة السياسة الخارجية.

2- انتصار الغرب في الأزمة: الكل يتساءل: ماذا لو انهزمت روسيا؟ لكن علينا السؤال أيضاً: ماذا لو خرج الغرب منتصراً من هذه المعركة؟ فلو تمكن الغرب من الفوز في هذه المعركة فسيعود قوياً، ونرى حالة التضامن الكبيرة واصطفاف بعض الدول مرة أخرى داخل الصف الغربي، وهنا فإن هذا الانتصار إذا حدث سيكون هناك تأكيد بشكل أكبر على القيم الغربية، وما يتصل بذلك من موقف أكثر قوة وحسماً عن ذي قبل في ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان.