جو بايدن فى الشرق الأوسط.. دراسة تحليلية – الحائط العربي
جو بايدن فى الشرق الأوسط.. دراسة تحليلية

جو بايدن فى الشرق الأوسط.. دراسة تحليلية



بدأ الرئيس الأمريكى جو بايدن أول زيارة له فى منطقة الشرق الأوسط منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بعد 18 شهرًا. هذه الزيارة أعلن عنها الرئيس بايدن أنها جاءت فى لحظة مهمة، بعد أن ابتعدت الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط فترة طويلة، وسمحت بتعدى دول أخرى بالدخول للمنطقة، وكان يقصد بها روسيا والصين، حيث ركزت الولايات المتحدة بعد تولى بايدن على التصدى للصين وروسيا، خاصة فى حرب أوكرانيا.. ولقد عقّبت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية على أهمية هذه الزيارة، حيث ذكرت أن جو بايدن اصطحب معه أكثر من 100 صحفى ومراسل وإعلامى لتغطية هذه الزيارة، وهذا الأمر لم يحدث من قبل، كذلك علقت وسائل الإعلام الأمريكية حول هذه الزيارة بأن هدفها النفط مقابل الأمن، الأمر الذى نفته الأميرة ريما بنت بندر، سفيرة المملكة العربية السعودية فى واشنطن، وذكرت فى مقال لها نُشر فى أمريكا أن ذلك العهد قد ولّى أيام الرئيس الأمريكى ترامب.

وكان الأمر اللافت للنظر أن التكلفة الأمنية لهذه الزيارة كانت الأكثر فى تاريخ الولايات المتحدة لتأمين زيارة رئيسها إلى المنطقة، فلقد نقلت أمريكا أنظمة دفاعية كاملة من الولايات المتحدة إلى المنطقة، وخاصة إسرائيل ورام الله، شملت صواريخ باتريوت ورادارات، علاوة على عمل طائرات الاستطلاع والأقمار الصناعية الأمريكية لرصد أى تحركات عدائية قبل زيارة المنطقة، علاوة على حشد عدد كبير من جنود القوات الخاصة والمارينز والمركبات المدرعة لاستخدامها فى التحركات.

ولقد رفض المتحدث باسم البيت الأبيض الإجابة عن سؤال عن التكلفة الأمنية لهذه الزيارة، كما جاء تصريح جو بايدن قبل بدء الزيارة بأنه صهيونى ليسعد الشعب اليهودى والإسرائيلى، وكانت المحطة الأولى لزيارة جو بايدن إلى منطقة الشرق المتوسط لإسرائيل، حيث وقّع مع رئيس الوزراء الإسرائيلى هناك، يائير لابيد، ما يسمى إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة، حيث تعهد فيه جو بايدن بأن الولايات المتحدة سوف تستخدم كل إمكانياتها لمنع إيران من حيازة السلاح النووى، والمعروف أن إسرائيل حددت الآن أن عدوها الرئيسى فى المنطقة أصبح إيران، كذلك تعهد جو بايدن فى هذا الإعلان بأن الولايات المتحدة سوف تحافظ على تعزيز قوة إسرائيل العسكرية لردع أعدائها فى المنطقة، مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامى والحشد الشعبى.

وكان من أبرز تصريحات بايدن ما أعلنه فى حوار مع القناة الإسرائيلية بأنه مستعد لاستخدام القوة ملاذًا أخيرًا لمنع إيران من امتلاك السلاح النووى، كذلك أكد فى هذا اللقاء التليفزيونى أن الحرس الثورى الإيرانى سيبقى مدرجًا على قوائم الإرهاب، حتى لو كان ذلك يعنى نهاية المحادثات الأمريكية الإيرانية للاتفاق النووى، وأعتقد أن ذلك التصريح سيضع إيران فى موقف محرج للغاية، حيث أعلنت لشعبها أن ذلك أحد شروط إيران لقبول الاتفاق النووى مع الولايات المتحدة.

كما شارك جو بايدن خلال وجوده فى إسرائيل فى قمة عبر الفيديو كونفرانس للمجموعة الرباعية المسماة «أى تويوتو»، وهى الأحرف الأولى من أسماء الدول الأربع بالإنجليزية، والتى تضم الولايات المتحدة وإسرائيل والهند والإمارات.

ثم كانت المحطة الثانية بوصول جو بايدن إلى رام الله، حيث قابل الرئيس الفلسطينى محمود عباس، الذى طالب فى خطابه بحل القضية الفلسطينية من خلال الدولتين على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وطالب برفع منظمة التحرير الفلسطينية من قوائم الإرهاب، وأكد عباس أنه يقدم يده للسلام مرة أخرى بعد اتفاق أوسلو، كذلك طالب بإعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس، وطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية فورًا.

وعلى الجانب الآخر، أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن من رام الله أنه أول الداعمين لحل الدولتين على أساس حدود 67، وهو أنسب أسلوب لتحقيق السلام فى المنطقة، عكس مفهوم الرئيس الأسبق ترامب بالدولة الواحدة فى اتفاقية القرن، وأكد جو بايدن من رام الله أن الشعب الفلسطينى يستحق أن تكون له دولة ذات سيادة، وأعلن دعمه لمنظمة الأونروا لدعم الشعب الفلسطينى، وأكد أنه سيدفع 100 مليون دولار لدعم المستشفيات الفلسطينية، كما أكد ضرورة دعم المواطن الفلسطينى فى حياة كريمة.

بعدها توجه بايدن برحلته إلى المملكة العربية السعودية، التى فاجأت الجميع قبل وصول بايدن بإعلان أنها سمحت للطيران الإسرائيلى بالطيران فوق الأجواء السعودية، الأمر الذى اعتبرته أمريكا بادرة طيبة لتحقيق الاستقرار والتعاون بين الدول فى المنطقة.

وبوصول جو بايدن إلى السعودية يكون هو الرئيس الأمريكى الثامن فى تاريخ أمريكا الذى يزور المملكة السعودية، بعد ريتشارد نيكسون وكارتر وبوش الأب ثم بوش الابن وكلينتون وأوباما ثم ترامب، وأخيرًا جو بايدن، ولقد هدفت زيارة بايدن إلى مؤتمر قمة مع رؤساء دول التعاون الخليجى الست، السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وعمان، علاوة على رؤساء مصر والعراق والأردن، وكانت البداية مقابلة ملك السعودية، ثم ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، ثم الاجتماع الموسع بين الوفدين السعودى والأمريكى، والذى نتج عنه توقيع 18 اتفاقية تعاون مشترك بين الدولتين فى مجال الطاقة والفضاء والاتصالات.. إلخ. وتم الاتفاق فى هذا اللقاء على أن أمريكا مسؤولة عن ردع التدخلات الإيرانية فى المنطقة ومنع إيران من الحصول على سلاح نووى، والاتفاق على تسويق النفط فى الأسواق العالمية، ويُقصد منه بالطبع ضرورة إمداد دول أوروبا بالطاقة فى الفترة القادمة لتعويض النقص فى الغاز الروسى، خصوصًا فى حالة امتداد الحرب الروسية الأوكرانية إلى الشتاء القادم، الذى سيكون شتاءً قاسيًا على دول أوروبا بسبب منع روسيا إمداد الغاز إليها.

ومن هذا المنطلق قررت السعودية زيادة سقف إنتاج النفط ليكون 13 مليون برميل يوميًّا، وجاء اجتماع القمة ليعلن بايدن من خلاله أن أمريكا لن تسمح بنشر إيران للقوات فى المنطقة، وأن أمريكا مسؤولة عن توفير الدعم لحلفائها فى المنطقة، كما أكد أن واشنطن ستواجه الإرهاب فى كل مكان.. أما ولى عهد السعودية بن سلمان فقد دعا إيران إلى التعاون ووقف التدخل فى شؤون المنطقة.

وجاءت كلمة الرئيس السيسى لتُظهر قدرة مصر الحقيقية، فلقد قدم لمؤتمر القمة خريطة الطريق للعمل من خلال خمسة محاور: الانطلاق نحو المستقبل يتوقف على التعامل مع أزمات الماضى، ويُقصد بها القضية الفلسطينية، ثم أزمات الوقت الحالى، وهى سوريا وليبيا، وبناء المجتمعات الجديدة يتم من الداخل لضمان استقرار الدولة، وأن الأمن القومى العربى لا يتجزأ، وأننا ملتزمون بمكافحة الإرهاب والتطرف، ولا مكان للميليشيات والمرتزقة، وضرورة إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، ودعم قدرات الدول لمواجهة الأزمات العالمية.

كذلك دعم الأمن المائى، واحترام القوانين الدولية لحقوق دول المصب والمنبع، وهذا ما أكده أيضًا البيان الختامى للمؤتمر.

ويمكن تلخيص ما جاء فى فكر هذا المؤتمر بأن فكر عودة الولايات المتحدة إلى الخليج والشرق الأوسط لضمان استقرار المنطقة أن إيران لن تملك السلاح النووى، وأن أمريكا ضمنت استمرار تدفق النفط والغاز العربى بأقصى الإمكانيات، وجاء تعليق الرئيس الأمريكى بعد مقابلة الرئيس السيسى بأن مصر أصبحت ركيزة الأمن والاستقرار فى المنطقة هو أقوى التصريحات فى هذه القمة للاعتراف بدور مصر فى تحقيق الاستقرار، كذلك ظهر واضحًا للجميع أنه لا صحة للأخبار التى تم نشرها من قبل بوجود ناتو عربى، حيث إن الجميع يرفض الدخول فى أى أحلاف، وعلى رأسهم مصر، التى تتبنى ذلك الفكر والمفهوم منذ عقود طويلة. عمومًا، نرجو أن تنجح هذه القمة فى التوصل إلى استقرار ليس فى المنطقة العربية فقط، ولكن فى دول العالم الثالث أجمع.

نقلا عن المصري اليوم