العالم العربي لم يكن في حال جيدة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، باستثناء تطور التنمية والثروة والقيادة في دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية. لكن ما سميت ثورات “الربيع العربي” في العقد الثاني من القرن قادته إلى حال أسوأ: تعطل العراق وسوريا واليمن وليبيا، تنامي الإرهاب الأصولي، ظهور “داعش” و”دولة الخلافة” الداعشية، اللعب بالغرائز الطائفية والمذهبية وإيقاظ الهويات الإثنية، دخول روسيا العسكري في حرب سوريا، تحول أميركي نحو الشرق الأقصى، وتغول إيران وتركيا على المسرح العربي. ولا شيء يوحي بأن هذه الحال تقترب من مرحلة النهاية. فلا تل أبيب تفاوض على تسوية للصراع العربي – الإسرائيلي، حتى بعدما دخلت في معاهدات سلام مع الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين واتفاقات مع السودان والمغرب ضمن “اتفاقات إبراهام” التي رعتها الولايات المتحدة الأميركية، بعد سلام “كامب ديفيد” بين مصر وإسرائيل، و”وادي عربة” بين الأردن وإسرائيل، و”أوسلو” بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. ولا أي من تركيا وإيران تتخلى عن طموحاتها الإمبراطورية والعمل على تحقيقها بالقوة العسكرية.
من باب الخبرة العملية في الخارجية المصرية ثم في الأمانة العامة للجامعة العربية، يقول عمرو موسى، إن “تعبير الأمن القومي العربي أصبح بلا مضمون ولا بنيان ولا معنى”. ويضيف أن “القوى الإقليمية والدولية التي تتلاعب بأقدار المنطقة لا ترى في العالم العربي شريكاً في قيادة المنطقة، بل ساحة للتنافس على حساب أهل الساحة. والغريب أن كثيرين من أهل الساحة لا يزالون ينتظرون خيراً من هؤلاء”. وهو استخدم تعبير “الطبيعي الجديد” لشرح أحوال العرب التي “تغيرت نحو الأسوأ وأصبح لهم أعداء استراتيجيون جدد”.
يأس؟ كلا. توصيف المشكلة بالعمق نصف الطريق إلى الحل.
ومن باب القراءة التاريخية والتفكير النظري يكتب مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية والقضايا الدولية في “جامعة جورج واشنطن”، مقالاً في “فورين أفيرز” تحت عنوان “نهاية الشرق الأوسط: كيف تشوه خريطة قديمة واقعية جديدة”. عنوان صادم بمقدار ما يبدو واقعياً. فالشرق الأوسط، في رأيه، “لم يعد العالم العربي وإسرائيل وإيران وتركيا كما هو على خرائط الجامعات والخارجية الأميركية”. هو أكبر على خريطة القيادة الوسطى العسكرية التي تشمل إلى أولئك “أفغانستان، وجيبوتي، وإرتيريا، وإثيوبيا، وكينيا، وباكستان، والصومال”. وخرائط المنطقة “تختلف عن الخريطة الأميركية التي تبنت المفهوم الفرنسي- البريطاني للشرق الأوسط القريب”.
وليس هذا لمصلحة العالم العربي بالطبع، عبر إغراقه بكل مشكلات العالم. “منظمة الوحدة الأفريقية أنشط في أزمة السودان من الجامعة العربية”. و”العولمة والتكنولوجيا جعلتا الاهتمامات مختلفة في البلدان العربية”. و”دبي أقرب إلى سنغافورة وهونغ كونغ منها إلى بيروت أو بغداد”. و”نظام المحيط الهندي أقرب إلى الخليج”. و”دول شمال أفريقيا تتطلع إلى المحور عبر الساحل”. و”صعود الحركات الجهادية في شبه الصحراء الأفريقية نقل اهتمام أميركا إليها من الشرق الأوسط”.
لكن هذا ليس قدراً. فالجغرافيا كانت ولا تزال العامل المقرر في السياسات الاستراتيجية. والعرب ثابتون في الجغرافيا، ومتحركون في التاريخ. فلا إيران، وإن أقامت ميليشيات مسلحة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، تستطيع ابتلاع العالم العربي من خلال استخدامها للأقلية ضد الأكثرية. ولا تركيا الرافعة مع رجب طيب أردوغان شعار “العثمانية الجديدة” قادرة على ضم أجزاء من سوريا والعراق والهيمنة على ليبيا بالقوة العسكرية في عصر انكفاء قوة عظمى مثل أميركا عن سياسات القوة العسكرية في المنطقة. ولا الرابطة العربية ضعفت، وإن صارت الدعوة إلى الوحدة التي تجمع الأمة العربية في دولة واحدة خارج النضال العملي. فالعالم العربي هو قلب الشرق الأوسط. والبقية خارج المنطقة ستسبح في مدارات مختلفة وبعيدة.
ولا يبدل في الأمر، سواء بقيت خريطة الخارجية الأميركية على أساس الخريطة الفرنسية – البريطانية أو شملت العالم كله، لأن الواقع هو الخريطة الحقيقية. ومن العبث تكديس المشكلات على العرب في محاولة لما يسميه الفرنسيون “إغراق السمكة”.
نقلا عن اندبندنت عربية