دواعٍ أمنية:
تعيين قائد جديد للاستخبارات الخارجية في الجزائر

دواعٍ أمنية:

تعيين قائد جديد للاستخبارات الخارجية في الجزائر



أشرف الفريق “السعيد شنقريحة”، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، في 14 مايو 2022، على تنفيذ قرار رئيس الدولة “عبدالمجيد تبون” بتنصيب اللواء “جمال كحال مجدوب” قائداً جديداً لجهاز الاستخبارات الخارجية (مديرية الوثائق والأمن الخارجي)، وذلك خلفاً للقائد السابق للجهاز اللواء “نور الدين مقري” الذي تولى قيادة هذا الجهاز في شهر يناير 2021، أي قبل عام ونصف تقريباً، وقد اكتسب قرار تعيين اللواء “مجدوب” قائداً لجهاز الاستخبارات الخارجية أهمية خاصة، نظراً إلى أنه القائد الرابع الذي يتولى قيادة هذا الجهاز منذ بداية عملية تغيير قياداته في عام 2020.

دلالات هامة

يحمل قرار تعيين قائد جديد لجهاز الاستخبارات الخارجية عدداً من الدلالات الهامة، من أبرزها ما يلي:

1- إعادة هيكلة جهاز الاستخبارات، يأتي قرار تعيين قائد جديد لجهاز الاستخبارات الخارجية عقب مرور عام ونصف فقط على تعيين القائد السابق له، في إطار عملية إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في الدولة، والتي بدأها الرئيس “عبدالمجيد تبون” عقب توليه السلطة في ديسمبر 2019، بتغيير رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الجنرال “واسيني بوعزة” وتعيين نائبه “عبدالغني راشدي” خلفاً له، ثم تعيين العقيد “كمال الدين الرميلي”. وعقب مرور أسبوعين فقط على تعيين الأخير تمت إقالته وتم تعيين اللواء “محمد بوزيت” خلفاً له في أبريل 2020، أي إن الرئيس “تبون” قام بتغيير قيادة جهاز الاستخبارات ثلاث مرات خلال أول أربعة أشهر من توليه منصبه رئيساً للبلاد. وفي يناير 2021 تمت إقالة اللواء “بوزيت” وتعيين اللواء “نور الدين مقري” الذي استمر في منصبه منذ ذلك الوقت حتى تمت إقالته في مايو الجاري، وتعيين “مجدوب”. ويحمل ذلك مؤشراً هاماً على مواصلة الرئيس “تبون” خطةَ إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية بطريقة تتسم بالهدوء والتدرج.

2- إجراء الرئيس تبون إصلاحات جذرية، يأتي قرار تعيين قائد جديد للاستخبارات الخارجية في إطار تبني الرئيس “عبدالمجيد تبون” نهجاً إصلاحياً يسعى من خلاله إلى إجراء بعض الإصلاحات السياسية، فقرار تعيين اللواء “مجدوب” جاء متزامناً مع طرح الرئيس “تبون” مبادرةَ “لم الشمل” المعروفة بـ”سياسة اليد الممدودة” في مطلع شهر مايو الجاري والتي يهدف من خلالها إلى تقوية الجبهة الوطنية ضد التهديدات الأمنية الخارجية التي تستهدف الأمن القومي للبلاد، وذلك من خلال إجراء حوار وطني موسع يشمل كافة الأحزاب والقوى السياسية المتصدرة للمشهد السياسي الراهن في البلاد، مع استثناء الجماعات التي وصفها بتخطي الخط الأحمر وهي جماعتا “ماك” و”رشاد” (الإخوان المسلمون) اللتان تم تصنيفهما ضمن التنظيمات الإرهابية في الداخل. كما تشمل المبادرة إجراء تصالح مع المتورطين في قضايا الفساد السياسي والمالي بغرض إعادة الأموال المنهوبة إلى الداخل مرة أخرى.

3- التصدي للمؤامرات الخارجية، إذ تعكس عملية تغيير القيادات الأمنية والعسكرية التي تتم طوال العامين الأخيرين، ولا سيما فيما يتعلق بالاستخبارات الخارجية والمختصة بمتابعة قضايا التجسس، ومصالح الجيش والأمن الخارجي؛ حرص القيادة السياسية الجزائرية على تعيين القادة العسكريين ممن يتميزون بالكفاءة والخبرات اللازمة لقيادة الأجهزة العسكرية الهامة، وتحديداً تلك المتعلقة برصد التهديدات الخارجية في ظل اعتماد النظام القائم على تسويق فكرة أن الأمن القومي للبلاد مهدد طوال الوقت، وارتباط ذلك بالعلاقات الدبلوماسية المقطوعة من المغرب، بعد اتهامها بممارسة سياسات عدائية تستهدف زعزعة الأمن القومي الجزائري، وقد زادت هذه الاتهامات عقب توقيع اتفاق التطبيع مع إسرائيل، واتهام الرباط بالتقارب مع تل أبيب لاستهداف الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، وامتدت هذه الاتهامات كذلك إلى دعم المغرب لجماعتي “رشاد” و”ماك” الإرهابيتين. وقد عكست تصريحات رئيس الأركان الفريق “شنقريحة” هذه الهواجس الأمنية في لقائه الأخير مع قيادات المديرية العامة للوثائق والأمن الخارجي (الاستخبارات الخارجية) بمناسبة تنصيب اللواء “مجدوب”، وتأكيده على ضرورة الاستعداد لمواجهة التحديات الأمنية التي أفرزتها التغيرات المتسارعة على المستويين الإقليمي والدولي.

     4- ردّ اعتبار كوادر الجيش، يعكس قرار تعيين اللواء “جمال كحال مجدوب” على رأس جهاز الاستخبارات الخارجية نوعاً من رد الاعتبار له بعد تبرئته من الاتهام الذي كان وجهه إليه القضاء العسكري بالتقصير في أداء مهامه عندما كان مديراً للأمن الرئاسي في عام 2015، والمرتبطة بحادث إطلاق نار في مقر الإقامة الرئاسية بمنطقة “زرالدة” بالضاحية الغربية للعاصمة، وإصدار حكم قضائي ضده بعد ذلك بالسجن لمدة ثلاث سنوات، قضى منها عدة أشهر في السجن قبل أن يتم إصدار قرار بالإفراج عنه، وبالتالي فإن إسناد مهمة قائد رئيس الاستخبارات الحربية للواء “مجدوب” تندرج تحت إطار رد الاعتبار له وتبرئته نهائياً من الاتهامات السابقة التي وُجهت إليه.

5- التصالح مع المعارضين في الخارج، يكن تفسير تعيين قائد جديد لجهاز الاستخبارات الخارجية في هذا التوقيت على وجه التحديد، من خلال حرص الرئيس “تبون” على إنجاح مبادرته للم الشمل التي تحظى بتأييد حزبي كبير، والتي تهدف في أحد جوانبها إلى إجراء تصالح مع بعض الناشطين والمعارضين الهاربين خارج البلاد (بعض أعضاء وقيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، والسماح لهم بالعودة مرة أخرى للبلاد وممارسة أنشطتهم السياسية تحت إشراف الدولة دون ملاحقات قضائية أو قانونية. وتشير بعض المصادر المحلية إلى أن تغيير القائد السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية جاء نتيجة ارتكاب بعض الأخطاء في تتبع وملاحقة الناشطين والمعارضين خارج البلاد، وبالتالي تم التفكير في تعيين قائد جديد له خبرة كبيرة في إدارة الجهاز الذي يختص بالملفات الأمنية الخارجية، وخاصة فيما يتعلق بالتطورات السياسية في البيئتين الإقليمية والدولية والتي قد يكون لها تأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الأمن القومي للبلاد.

6- تجديد دماء قيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية، يعكس تعيين القائد الجديد لجهاز الاستخبارات الخارجية الاستراتيجية التي يتبعها الرئيس “تبون” منذ توليه السلطة بتجديد دماء القيادات والكوادر الذين يتولون المناصب العليا وخاصة داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية. وفي ظل الحساسية والأهمية الكبيرتين اللتين يتمتع بهما جهاز الاستخبارات الخارجية، فإن قياداته يتم تغييرها باستمرار في محاولة لتولي قيادته الشخصية الأكفأ والأكثر خبرة وقدرة على تولي هذا المنصب. وتجدر الإشارة إلى أن القائد الجديد اللواء “جمال كحال مجدوب” قد تلقى دورات تدريبية عديدة في الاستخبارات الروسية “كي جي بي”، وتولى مهام تدريبية أيضاً في مدارس الاستخبارات الجزائرية، لما لذلك من دور في مساعدة الدولة على مواجهة التهديدات الأمنية الخارجية، عبر تطوير أدوات وأساليب العمل داخل الجهاز وخاصة فيما يتعلق بجمع المعلومات من المصادر الخارجية وتوظيفها لخدمة المصالح الوطنية للبلاد.

حتمية التغيير

خلاصة القول، تُشير عملية تعيين قائد جديد لجهاز الاستخبارات الخارجية الجزائرية في هذا التوقيت إلى أن الدواعي الأمنية الخارجية أدت إلى حتمية هذا التغيير، في ظل انقطاع العلاقات مع المغرب، وتوتر العلاقات الدبلوماسية مع إسبانيا وفرنسا، وأيضاً ما تمثله الأزمة الليبية وتصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء من تهديدات أمنية متسارعة، وهو الأمر الذي دفع الرئيس “تبون” لإجراء هذا التغيير. وترجح المعطيات الراهنة مواصلة الرئيس “تبون” إجراءات إعادة الهيكلة والإصلاح داخل مؤسسات الدولة في ظل مساعية لإجراء بعض الإصلاحات السياسية التي تعزز من شرعيته في الداخل.