رفض التطبيع:
تصويت حزب العدالة والتنمية المغربي ضد اتفاقيات التعاون الاقتصادي مع إسرائيل

رفض التطبيع:

تصويت حزب العدالة والتنمية المغربي ضد اتفاقيات التعاون الاقتصادي مع إسرائيل



في حين صوت أعضاء البرلمان المغربي بالإجماع على اتفاقيتي التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، إلا أن الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية (البيجيدي أو المصباح) صوتت خلال الجلسة التي تم عقدها بمجلس النواب المغربي في 21 أكتوبر 2022، ضد اتفاقيتين؛ الأولى تتعلق بالتعاون الاقتصادي والتجاري بين المغرب وإسرائيل الموقع بالرباط في 21 فبراير 2022، والثانية تتعلق بمشروع القانون الثاني الذي يتم بموجبه الاتفاق بشأن الخدمات الجوية بين الرباط وتل أبيب الموقع في 11 أغسطس 2021، حيث حظيت الاتفاقيتان بموافقة 167 نائباً ومعارضة 15 نائباً، وذلك بعد أن أحالت الحكومة هذه الاتفاقيات للبرلمان في شهر يوليو الماضي، وصادقت لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية عليها في 9 نوفمبر الجاري.

تعظيم المكاسب

تسعى الحكومة المغربية من خلال تمرير اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتجاري مع الجانب الإسرائيلي، لتحقيق مجموعة من الأهداف ذات الطابع الاقتصادي في الأساس، ومن ذلك ما يلي:

1- زيادة حجم التبادل التجاري بين المغرب وإسرائيل: يسعى المغرب نحو توظيف التطبيع من أجل زيادة حجم التبادل التجاري مع الجانب الإسرائيلي، ومن شأن تصديق البرلمان على اتفاقية التعاون التجاري الموقّعة بينهما في شهر فبراير الماضي زيادة المكاسب الاقتصادية للمغرب، حيث بلغ حجم الصادرات المغربية لإسرائيل حوالي 117 مليون دولار في عام 2021، وذلك في تزايد ملحوظ لحجم الصادرات المغربية لإسرائيل والتي بلغت 20 مليون دولار فقط في عام 2020.

وفي المقابل، بلغت الصادرات الإسرائيلية للمغرب في عام 2021 حوالي 31 مليون دولار. وفي عام 2020 كانت حوالي 15 مليون دولار فقط، وفي شهر يوليو الماضي فقط بلغ حجم التبادل التجاري بينهما حوالي 4 .7 ملايين دولار بزيادة قُدرت بنسبة 213% مقارنة بحجم التجارة في يوليو 2021، وذلك وفقاً لإحصائيات معهد اتفاقات أبراهام للسلام. كما أشارت وزيرة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية “أورنا باربيفاي” إلى أن بلادها تسعى لزيادة حجم التبادل التجاري مع المغرب ليصل من 130 مليون دولار سنوياً إلى حوالي 500 مليون دولار في عام 2023.

2- تعزيز نوعية الصادرات المغربية: من شأن التصديق على هذه الاتفاقيات أن تتيح للجانب المغربي تنويع صادراته إلى إسرائيل التي اقتصرت خلال الفترة الأخيرة على المنسوجات وبعض المنتجات الصناعية فقط، وسوف يسمح هذا الاتفاق للمغرب بتصدير المنتجات الصناعية والتكنولوجية بأقل تكلفة إلى إسرائيل، خاصة وأن المملكة المغربية أصبحت منصة للإنتاج الصناعي والتكنولوجي، وقطاع المواصلات، والطب، والطاقات المتجددة، نظراً لقدرة المملكة على تحقيق الإنتاجية والتنافسية برغم التحديات السياسية العالمية الراهنة والتخبط الاقتصادي العالمي. وفي المقابل، تسمح هذه الاتفاقيات بفتح أسواق مغربية للشركات الإسرائيلية، حيث يوجد حوالي 2.5 مليار مستهلك، حيث علاقات المغرب مع الدول الأفريقية.

3- جذب المزيد من الاستثمارات الإسرائيلية إلى الاقتصاد المغربي: من المتوقع أن تسهم هذه الاتفاقيات في تشجيع الشركات الإسرائيلية ورجال الأعمال الإسرائيليين الراغبين في الاستثمار بالاقتصاد المغربي بضخ المزيد من رؤوس الأموال في القطاعات الاقتصادية المختلفة، ومن أبرزها قطاع الزراعة الذي تمتلك فيه إسرائيل خبرات كبيرة، وأيضاً في قطاع السياحة حيث تعول المغرب على استقبال 500 ألف سائح إسرائيلي. وفي المقابل، ستسمح هذه الاتفاقيات للمستثمرين الإسرائيليين بالحصول على مزايا ومعاملات تفضيلية، وخاصة فيما يتعلق بالحصول على تسهيلات إدارية، وتسهيلات على المستوى الضريبي وتسهيل امتلاك العقارات.

وفي شهر مارس الماضي، استقبلت تل أبيب وفداً من رجال الأعمال المغاربة مثلوا حوالي 80 من رؤساء الشركات الرائدة في المرافق الاقتصادية المغربية، وبضمنها شركات في مجالات صناعة السيارات والطيران والأغذية والمشروبات ومنتجات الصناعات الكيماوية وغيرها. وفي هذا الإطار، تتوقع الرباط جذب استثمارات بقيمة 500 مليون دولار في قطاعات الزراعة، والتكنولوجيا، والماء، وصناعة الدواء، والسياحة، والإلكترونيات، والخدمات المالية.

دلالات سياسية

يُشير السلوك التصويتي للكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية إلى مجموعة من الدلالات السياسية الهامة، ومن أبرزها ما يلي:

1- معارضة التطبيع مع إسرائيل: أراد الحزب من خلال رفضه التصويت لصالح هاتين الاتفاقيتين التعبير عن التزامه بالدفاع عن القضية الفلسطينية ضد الانتهاكات التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن مواصلة إسرائيل لسياسة التنكيل بالفلسطينيين تقتضي معارضة هذا الاتفاق، كما أن الحزب يُعبّر عن رفضه مواصلة الدولة تطبيع علاقاتها الثنائية بالكامل مع إسرائيل. ورغم إعلان الرباط أن التطبيع مع إسرائيل لن يكون على حساب دعمها القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وكان الدليل على ذلك إصدار وزارة الخارجية المغربية بيانات عدة أدانت فيها انتهاكات قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في القدس واقتحام المسجد الأقصى من قبل؛ إلا أن حزب العدالة والتنمية يرى أن ذلك لن يحدث في ظل مواصلة تطبيع العلاقات مع الجانب الإسرائيلي.

2- تناقض في المواقف والسياسات الصادرة عن الحزب: يعكس تصويت الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية ضد اتفاقيتي التعاون الاقتصادي والتجاري مع إسرائيل ما يعانيه الحزب من تناقض في المواقف والسياسات التي يتبناها، فعلى الرغم من أن “سعد الدين العثماني” الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية هو الذي وقّع على اتفاق استئناف العلاقات مع إسرائيل في شهر ديسمبر 2021 حينما كان رئيساً للحكومة في ذلك الوقت؛ إلا أن المجموعة النيابية للحزب اختارت التصويت ضد الاتفاقيتين، في تناقض واضح لما يتبناه الحزب من مواقف وسياسات عندما كان في السلطة وبين مواقفه الحالية عندما تراجع إلى صفوف المعارضة السياسية.

وبرر الحزب هذا التناقض بأن “العثماني” عندما وقّع على هذه الاتفاقيات كان ممثلاً للدولة، وكان لزاماً عليه القيام بذلك، أما الآن وبعد تركه منصبه أصبح الحزب متحرراً من أية التزامات تُعبر عن توجهات السياسة الخارجية للدولة، مع العلم بأن الأمين العام الحالي للحزب “بنكيران” دافع عن موقف الحزب عندما وقّع “العثماني” على اتفاق التطبيع في ديسمبر 2020، حيث صرح “بنكيران” في ذلك الوقت قائلاً: “إن حزب العدالة والتنمية ليس حزباً عادياً فهو جزء من بنية الحكم في الدولة، ولا يمكنه رفض التوقيع، ويتخذ القرار في القضايا المصيرية”، وفي ذلك تناقض للموقف الحالي لـ”بنكيران” في هذا الخصوص.

3- صراعات داخلية في حزب العدالة والتنمية: من شأن التصويت ضد اتفاقيات التعاون الاقتصادي مع إسرائيل أن يكشف الغطاء عن حالة من الصراعات الداخلية في حزب العدالة والتنمية، وهنا توجد وجهتا نظر؛ الأولى ترى أن التصويت ضد الاتفاقيتين من شأنه تجنيب الحزب تصاعد الخلافات مع الأمين العام السابق “سعد الدين العثماني” الذي تعرض لانتقادات حادة من قبل أعضاء الحزب عندما كان رئيساً للحكومة السابقة بسبب توقيعه على اتفاق التطبيع مع إسرائيل.

في حين ترى وجهة النظر الأخرى أن موقف الكتلة النيابية للحزب يكشف عن حالة الارتباك التي يعاني منها الحزب منذ فشله في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وما كان لذلك من تداعيات على موقع الحزب في الحياة السياسية المغربية، وما شهده خلال الفترة الأخيرة من صراعات وخلافات متصاعدة بين جناح “سعد الدين العثماني” من جهة وجناح “عبد الإله بنكيران” -الأمين العام الحالي للحزب- من جهة أخرى، ومحاولات الأخير إعادة ترتيب الحزب من الداخل.

4- تحالفات محتملة بين الكتلة النيابية للعدالة والتنمية وكتلة اليسار: لم تقتصر عملية التصويت داخل البرلمان ضد الاتفاقيتين المشار إليهما على الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية فقط؛ بل صوتت ضدهما كذلك النائبة البرلمانية “نبيلة منيب” الأمينة العامة لـ”الحزب الاشتراكي الموحد”، والنائبة “فاطمة التامني” عن فيدرالية اليسار، وهو ما يُشير إلى احتمال اتجاه حزب العدالة والتنمية إلى تشكيل تحالف سياسي مع الكتلة النيابية لليسار داخل البرلمان، في محاولة منه لتعزيز موقفه في المعارضة السياسية، وربما توظيف هذا التحالف في وقت لاحق لتحسين وضعه داخل المشهد السياسي الراهن في البلاد.

5- استمالة الرأي العام الداخلي المناهض للتطبيع مع إسرائيل: يعكس تصويت حزب العدالة والتنمية كذلك ضد اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتجاري مع إسرائيل، رغبة الحزب في استمالة الشارع المغربي، خاصة وأن هناك قطاعات شعبية داخل المجتمع المغربي تعارض تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وذلك في محاولة من الحزب لاستعادة ثقة الناخبين، حيث يحاول الحزب استغلال موقف بعض النشطاء الذين نظموا تظاهرات متفرقة للتعبير عن رفضهم لما وصفوه بالخطوات المغربية المتسارعة نحو التطبيع، وأيضاً مواقف بعض منظمات المجتمع المدني الرافضة للتطبيع مع إسرائيل ومن ذلك موقف “المكتب الوطني لنقابة التعليم التابعة لاتحاد الكونفدرالية للشغل” الذي عبر عن استنكاره لاتفاق التطبيع وما ترتب عليه من أشكال وصور مختلفة للتطبيع في شتى العلاقات بين الرباط وتل أبيب. وفي هذا الإطار، يحاول الحزب توظيف تلك المواقف بغرض مساعدة الحزب في العودة إلى صدارة المشهد السياسي مرة أخرى من باب إظهار المعارضة لاتفاق التطبيع الموقّع مع تل أبيب تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية.

محدودية التأثير

رغم عدم تأثير السلوك التصويتي لحزب العدالة والتنمية على عملية تمرير اتفاقيتي التعاون الاقتصادي والتجاري مع إسرائيل؛ إلا أنها تكشف عن محاولات الحزب توظيف موقفه الرافض للتطبيع لتعزيز وضعه كحزب معارض، حيث يسعى الحزب لاستغلال أية متغيرات تساعده على العودة ليصبح جزءاً من المشهد السياسي الراهن في البلاد.