مؤشرات مستقبلية:
تصعيد إيراني متواصل في عهد “رئيسي” (ملف خاص)

مؤشرات مستقبلية:

تصعيد إيراني متواصل في عهد “رئيسي” (ملف خاص)



رغم رسائل التهدئة التي وجهها الرئيس الإيراني الجديد “إبراهيم رئيسي” أكثر من مرة إلى الخارج؛ إلا أن ثمة مؤشرات عديدة توحي بأن إيران لن تُقْدِمَ على تغيير في موقفها بإبداء مرونة أكبر، ولا سيما مع الدعوات التي تتبناها قوى إقليمية ودولية عديدة بضرورة توقف طهران عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وتسوية الخلافات العالقة حول ملفات مثل برنامج الصواريخ الباليستية والبرنامج النووي.

وفي الواقع فإن أحد أهم المؤشرات التي ترجح هذا المسار يتمثل في تعويل إيران على العلاقات القوية التي تسعى إلى تطويرها مع كلٍّ من الصين وروسيا خلال الفترة المقبلة، ولا سيما في ظل إدراكها أن التوتر سوف يبقى علامة رئيسية في علاقاتها مع الدول الغربية، سواء تم التوصل إلى صفقة جديدة في فيينا حول الاتفاق النووي، أو فشلت المباحثات في تجسير الفجوة القائمة في المواقف بين الأطراف المختلفة؛ حيث إن الخلافات بين الطرفين لا تنحصر في الاتفاق النووي، وإنما تمتد إلى ملفات أخرى تحظى باهتمام خاص من جانب تلك الدول، مثل ملفات دعم الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان.

وهنا فإن إيران تحاول تأمين ظهير دولي يساعدها في احتواء الضغوط التي تتوقع أن تتعرض لها في المرحلة القادمة، لا سيما مع إمعانها في اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية في الملفات الخلافية التي تحظى بأهمية خاصة من جانب تلك القوى، وخصوصًا فيما يتعلق بمواصلة تقديم الدعم للمليشيات الموالية لها في دول الأزمات، ورفع مستوى الأنشطة النووية، خاصة ما يتصل بزيادة مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60%، واستخدام أجهزة طرد مركزي أكثر تطورًا، وتقييد التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفقًا لقانون أصدره مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في ديسمبر 2020، على نحو لا يسمح لمفتشي الوكالة بمراقبة مجمل الأنشطة النووية الإيرانية.

كما أن إيران تدرك بالطبع أن العلاقات مع تلك القوى كانت سببًا في تغيير توازنات القوى على الأرض داخل سوريا لصالح حليفها النظام السوري، حيث كان لروسيا دور رئيسي في التطورات الميدانية، فيما مارست الصين -إلى جانب روسيا- أدوارًا مهمة عبر استخدام حق الفيتو حالت دون صدور قرارات إدانة من مجلس الأمن ضد النظام السوري.

وعلى الرغم من ذلك، تبدو إيران حريصة -في الوقت نفسه- على عدم الاستناد إلى خيار واحد في علاقاتها الدولية، باعتبار أن ذلك يفرض عليها هامشًا محدودًا من الحركة، على نحو يجعلها حريصةً دومًا على تبني سياسة “الأبواب غير الموصدة” في علاقاتها، حتى مع الدول الغربية على الرغم من كون التوتر سمة رئيسية للعلاقات بين الطرفين.

وربما يعود ذلك إلى إدراكها أن علاقاتها مع قوى مثل روسيا والصين لها حدود على الأرض. فالأولى -على سبيل المثال- حريصة على التوصل إلى تفاهمات مع خصوم إيران في سوريا، وفي مقدمتهم إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وسبق أن كشفت أحداث عديدة عن اتساع نطاق التباينات بين الطرفين في التعامل مع الترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على صياغتها في سوريا. والثانية لها حساباتها ومصالحها مع الدول الغربية، والقوى الإقليمية في المنطقة، رغم تصاعد التنافس بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية.

ومن دون شك فإن التقارب الأيديولوجي الواضح بين الرئيس الإيراني الجديد والمؤسسات النافذة في النظام، خاصة الحرس الثوري، سواء فيما يتعلق بالمحددات الرئيسية للسياسة الخارجية الإيرانية أو آليات تنفيذها؛ يشير -بدوره- إلى أن التصعيد سوف يبقى علامة رئيسية في تلك السياسة. وقد بدا ذلك جليًا -على سبيل المثال- في إمعان إيران في التدخل بالأزمة اللبنانية عبر آليات عديدة كان آخرها الاستجابة لدعوة “حزب الله” بنقل شحنة من الوقود إلى لبنان الذي يواجه أزمة سياسية واقتصادية حادة في الوقت الحالي، حيث تمثل “دبلوماسية الطاقة” إحدى أهم الآليات التي تستند إليها إيران في تعزيز تدخلاتها في الأزمات الإقليمية المختلفة، على غرار أزمات سوريا ولبنان واليمن.

في هذا الإطار، يتناول هذا الملف أبعاد ومحددات السياسة الخارجية الإيرانية في عهد الرئيس الجديد “إبراهيم رئيسي”، سواء فيما يتصل بالعلاقات مع القوى الدولية مثل روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية، أو ما يتعلق بأنماط الدعم الذي تقدمه إيران إلى حلفائها من المليشيات المسلحة الموجودة في دول الأزمات، والذي يُرجَّح أن يستمر خلال المرحلة المقبلة.