تزايد الاحتقان:
تداعيات هجوم إسطنبول على أوضاع السوريين في الداخل التركي

تزايد الاحتقان:

تداعيات هجوم إسطنبول على أوضاع السوريين في الداخل التركي



أدّى الهجوم الانتحاري الذي وقع في شارع الاستقلال بمنطقة إسطنبول التركية، في 13 نوفمبر الجاري، إلى تزايد حدة الغضب والقمع ضد اللاجئين السوريين في الداخل التركي، لا سيما أن السلطات الأمنية في أنقرة كشفت عن تورط الوحدات الكردية في شمال سوريا في التفجير الإرهابي الذي أسفر عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 83 آخرين، وهو ما أدى إلى التضييق على حركة السوريين في تركيا.

فاقم التفجيرُ حالةَ الغضب الموجودة بين الأتراك ضد اللاجئين، والتي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، كشف عنها تصاعد استهداف السوريين، وترحيل عدد معتبر منهم، ومنع الدخول مجدداً للذين غادروا الأراضي التركية، كما شن الأتراك عشية تفجير إسطنبول حملة ضد “اللاجئين السوريين” على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت فيها بعض التعبيرات العنصرية والمناهضة للسوريين. كما أدى ذلك إلى مطالبة بعض الأحزاب التركية، على غرار حزب النصر اليميني، وحزب الخير وحزب الشعب الجمهوري، بضرورة طرد السوريين وترحيلهم إلى بلدهم، لأن وجودهم أفرز تداعيات سلبية على الأوضاع الاجتماعية في البلاد، فضلاً عن انعكاسات حادة على الأوضاع المعيشية للأتراك، بالإضافة إلى صعود التأثيرات المحتملة للاجئين السوريين على التركيبة السكانية لتركيا.

مظاهر كاشفة

أصبح السوريون هدفاً رئيسياً للهجوم على مواقع التواصل الاجتماعي منذ تفجير إسطنبول، وكشف النقاب عن تورط شابة سورية لديها ارتباطات مع حزب العمال الكردستاني عن الحادث. فعلى سبيل المثال، تصدّر وسم “إعدام” موقع التغريدات القصيرة “تويتر”، حيث سجل مئات الآلاف من التغريدات التي طالبت بإعدام المتهمة السورية عن تفجير شارع الاستقلال، رغم إلغاء عقوبة الإعدام في تركيا. كما تصدر في 15 نوفمبر الجاري وسم “سوري” موقع تويتر في تركيا بعد ظهور حملة واسعة تطالب بطرد اللاجئين السوريين.

حالة الغضب التركي من الوجود السوري، كشف عنه انفجار التوتر الكامن تحت السطح خلال الشهور الأخيرة، وظهر ذلك في تأكيد منظمة هيومان رايتس ووتش في أكتوبر الماضي أن السلطات التركية اعتقلت واحتجزت ورحّلت بشكل تعسفي مئات السوريين اللاجئين إلى سوريا بين فبراير ويوليو 2022.

في المقابل، فإن الارتفاع الملحوظ في المشاعر القومية ومعاداة المهاجرين في الشارع التركي دفع حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى وقف سياسة الباب المفتوح التي تبنتها في وقت سابق تجاه اللاجئين السوريين، كما غير الرئيس أردوغان من نبرته، حيث أكد في مايو 2022 عن مشروع وصفه بـ”إعادة تسكين” مليون لاجئ سوري في مناطق الشمال السوري الواقعة تحت سيطرة تركيا في وقت قريب. ويبدو أن قناعة الرئيس التركي بتصاعد الغضب الشعبي ضد اللاجئين بعد حادث تفجير إسطنبول، قد يدفعه إلى ترحيل السوريين من دون الأخذ في الاعتبار الاختلالات الأمنية والأوضاع المهترئة في الشمال السوري.

تداعيات محتملة

تشير تصريحات المسؤولين الأتراك، وردود فعل الشارع التركي على تورط شابة سورية في هجوم إسطنبول، إلى أن هناك جملة من التداعيات المحتملة على أوضاع اللاجئين السوريين في الداخل التركي، يمكن بيانها فيما يلي:

1- مواصلة ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا إلى شمال سوريا: يتوقع أن تتجه السلطات التركية نحو إحكام قبضتها على تحركات اللاجئين السوريين في الداخل التركي، وتهميش الأصوات حتى داخل الحزب الحاكم التي تدعو إلى ضرورة تقنين ترحيل السوريين، وضرورة توفير مناخ آمن في مناطق الشمال السوري، وهو ما يظهر بوضوح في دعوة أردوغان إلى ضرورة الإسراع في نقل مليون لاجئ سوري إلى مناطق شمال سوريا، إضافة إلى تقليص الحكومة التركية منح “الحماية المؤقتة” لبعض اللاجئين. ويُشار إلى شكوى سوريين من تواصل ترحيلهم من تركيا خلال الفترة الماضية إلى شمال سوريا، بدعوى مخالفة بنود “الحماية المؤقتة”، كالتنقل بدون إذن سفر.

بالتوازي مع ذلك، قد يتصاعد التوظيف الحكومي لهجوم إسطنبول للتخلص من أزمة اللاجئين التي باتت تمثل عبئاً على أعضاء حزب العدالة والتنمية، خاصة مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي في عام 2023. كما تحمل قضية اللاجئين أولوية مركزية للنظام التركي في المرحلة الحالية، بعد أن تحولت إلى ورقة رابحة في أيدي خصوم أردوغان في الداخل.

2- تجدد خطاب الكراهية المجتمعية ضد اللاجئين السوريين: ساهم هجوم إسطنبول الذي وقع في وقت حساس لتركيا، التي تشهد تردياً ملحوظاً في الأوضاع المعيشية، وتراجع مؤشرات الاقتصاد، في تأجيج مشاعر الكراهية ضد اللاجئين السوريين، خاصةً أن ثمة اتجاهاً لدى قطاعات شعبية واسعة في تركيا ربطت الهجوم الأخير بالسوريين. ولذلك، فإن الهجوم قد يدفع نحو تكريس “خطاب الكراهية” ضد اللاجئين، إضافة إلى تجدد الدعوات إلى إعادتهم إلى بلادهم، خصوصاً أن الشارع التركي مجيّش في الأساس ضد الوجود السوري.

وقد كشفت القراءة المتأنية للمواقف الشعبية التركية تجاه اللاجئين السوريين عن غياب أية فروق ولو دقيقة بشأن معاداة اللاجئين، فثمة وجود حالة وحدة متزايدة داخل تركيا بشأن كراهية اللاجئين السوريين، وبالتالي فإن ثمة انطباعاً بأن هجوم إسطنبول يمثل بيئة خصبة لتعزيز كراهية السوريين، وهو ببساطة دقيق ومعبر، حيث يعد المجتمع التركي في الوقت الحالي أكثر تعبئة من أي وقت مضى بشأن ضرورة التخلص من عبء اللاجئين السوريين.

3- تصاعد خطاب قوى المعارضة التركية ضد اللاجئين السوريين: خلّف هجوم إسطنبول حالة من الاستياء المتصاعد في أوساط قوى المعارضة التركية، وظهر ذلك في انتقادها لسياسات حكومة العدالة والتنمية تجاه اللاجئين، وغض الطرف عن ممارساتهم التي انعكست على أوضاع الداخل التركي، وزادته انغماساً في همه الداخلي. وطالبت المعارضة التركية بضرورة تبني ترسانة قانونية جديدة لمواجهة توغل اللاجئين السوريين في المجتمع التركي.

ومن هنا، لاقت ردود الفعل من قبل المعارضة التركية شعبية كبيرة داخل المجتمع التركي، حيث أشارت بعض الاتجاهات إلى احتمال استمرار الخطاب الدعائي للمعارضة التركية ضد اللاجئين السوريين خلال المرحلة المقبلة، بما يتضمن ترحيلهم، وسحب الجنسية من السوريين الذين ضمهم حزب العدالة والتنمية إلى قاعدته الانتخابية، ووصل عددهم -بحسب بيان المعارضة- إلى ما يقرب من 200 ألف سوري انضموا لعضوية الحزب الحاكم. وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أنه من المتوقع أن تؤدي سلوكيات المعارضة العنيفة ضد اللاجئين السوريين إلى تأثير بالإيجاب، سواء على مستوى التخلص من أزمة اللاجئين، أو على صعيد رفع شعبيتها في الشارع التركي قبل العملية الانتخابية المقرر لها منتصف العام المقبل.

4- زيادة منسوب هجرة اللاجئين إلى الدول الأوروبية: قد يدفع صعود الكراهية للاجئين السوريين إلى مستويات غير مسبوقة بعد انفجار إسطنبول الأخير، الكثير منهم إلى محاولة الهجرة نحو أوروبا عبر اليونان رغم المخاطر العالية للرحلات. كما يتوقع أن تجذب الحملة التي أطلقها ناشطون من اللاجئين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي في سبتمبر الماضي تحت عنوان “قافلة النور”، المزيد من السوريين في الداخل التركي في ظل تصاعد المخاوف من سياسات متشددة باتت تنتهجها تركيا ضد اللاجئين، وزادت وتيرتها بعد هجوم إسطنبول. ورغم الشكوك والمخاطر بشأن حقيقة القافلة ومصداقيتها فإنها قد تبقى الخيار الأفضل لقطاع واسع من اللاجئين السوريين، خاصة الذين يفتقرون إلى أوراق ثبوتية، وكذلك من انتهت مدة إقامتهم في تركيا. ويشار إلى أن عدد المشتركين في “قافلة النور” وصل خلال أكتوبر الماضي إلى أكثر من 100 ألف سوري، بحسب القائمين عليها.

ممارسات مضادة

ختاماً، يمكن القول إنه من المتوقع أن تتزايد أزمات اللاجئين السوريين داخل تركيا على كافة الأصعدة خلال الفترة القادمة، لا سيما أن ذلك يتزامن مع تصاعد حدة الغضب الشعبي بعد تفجير إسطنبول من اللاجئين، ناهيك عن اتجاه الحكومة التركية نحو تشديد القبضة على تحركات اللاجئين وتقييد أوضاعهم في الداخل التركي، في محاولة لترحيلهم إلى بلدهم، مما يساهم في تفاقم وضعية اللاجئين التي قد تؤدي بدورها إلى مخاطر محتملة على تركيا، إذ يتوقع أن يتجه اللاجئون نحو الممارسات العنيفة رداً على استهدافهم، أو ربما التفكير في القيام بعمليات تفجيرية حال استمرار السياسات العدائية ضدهم رسمياً وشعبياً، وهو احتمال على صعوبته لكنه ليس مستبعداً في ضوء تعقيد أزمة اللاجئين في الداخل التركي، ووصولها إلى حالة من التأزم.