أعلنت حركة طالبان في السابع من سبتمبر الجاري عن تأليف حكومة لإدارة أفغانستان برأسه “الملا محمد حسن آخوند”، أحد مؤسسي الحركة، وتعيين “عبدالغني برادار” نائب رئيس الحكومة، هذا بجانب “سراج الدين حقاني” كوزير للداخلية بالوكالة، و”أمير خان متقي” كوزير للخارجية، و”محمد يعقوب مجاهد” كوزير للدفاع بالوكالة، إضافة إلى “عبدالحق واشق” كرئيس للاستخبارات.
وفي ضوء إعلان طالبان الأخير، تطرح العديد من التساؤلات حول التحديات والأزمات التي تواجه الحكومة الجديدة؟، بجانب السيناريوهات المحتملة لتعامل دول الجوار -وتحديدًا تركيا وإيران- مع تلك الحكومة الجديدة.
أزمة التأليف
1- عدم مراعاة أطياف الشعب: بالرغم من تأكيد طالبان في أكثر من مناسبة أنها ستراعي تمثيل كافة أطياف الشعب الأفغاني؛ إلا أن تلك الحكومة لم تراعِ ذلك، وهو ما تم تفسيره من جانب “ذبيح الله مجاهد” -المتحدث باسم طالبان- بأنها مجرد حكومة “لتصريف الأعمال”، وليست حكومة دائمة.
2- غياب التمثيل النسائي: من الملاحظ غياب العنصر النسائي عن تلك الحكومة، وهو الأمر الذي أثار ظنون واشنطن، ودفع وزارة الخارجية الأمريكية للإعراب عن مخاوفها بسبب عدم مراعاة تمثيل النساء، والتركيز على أفراد طالبان والشركاء المقربين عند اختيار الحكومة، موضحة أن تحركات طالبان تتنافى مع أقوالها حينما دعت النساء بالشهر المنصرم للانضمام إلى المكاتب الحكومية، في محاولة من جانبها لتصوير نفسها كجماعة معتدلة مُعدَّلة عن نسخة طالبان السابقة المتعصبة التي قمعت الفتيات والنساء.
3- اختيارات مثيرة للجدل: طرح تشكيل الحكومة الجديدة الكثير من الجدل نتيجة تواجد أسماء مصنفة بوصفها “إرهاب” بحقائب وزارية سيادية، فقد تم اتهام وزير الداخلية بالوكالة “سراج الدين حقاني” بالمشاركة في هجوم عام 2008 على فندق بكابول أسفر عن مقتل ستة أشخاص، فضلًا عن تورطه في التخطيط لمحاولة اغتيال الرئيس الأفغاني الأسبق “حامد كرزاي” عام 2008، بجانب قيادته شبكة حقاني المتشددة التي تم تصنيفها كجماعة إرهابية من جانب الولايات المتحدة في عام 2012. ولذلك، يعرض مكتب التحقيقات الفيدرالي مكافأة مالية قدرها 10 ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات عنه.
تحديات مستقبلية
1- تصاعد حدة المعارضة من جانب بعض الفصائل: اندلعت مجموعة من الاحتجاجات على إثر طلب من زعيم حركة المقاومة المناهضة لطالبان في إقليم بنجشير، فتحركت طالبان وقمعت تلك التظاهرات السلمية، بالرغم من تأكيدها أنها ستحترم كافة الآراء. وقد فسَّر “ذبيح الله مجاهد” هذا القمع بأن الوقت “ليس مناسبًا لتلك التظاهرات”، مؤكدًا على ضرورة التواصل مع أفراد طالبان قبل الخروج في تظاهرة حتى يتم توفير الأمن لأعضائها، ومنحهم ترخيصًا بالتظاهر، حاثًا الشعب على عدم الانخراط في تلك التظاهرات التي تهدف لإثارة الفوضى والاضطراب بالبلاد. ومع ذلك، يمكن القول إن التهديدات الراهنة الناجمة عن “جبهة المقاومة الوطنية في أفغانستان” بقيادة “أحمد مسعود” في إقليم بنجشير، هي تهديدات ضعيفة بدرجة كبيرة لن تكون قادرة على الأرجح على الإطاحة بحكم طالبان، نظرًا لسيطرتها الواسعة على الدولة الأفغانية، ونجاحها مؤخرًا في السيطرة على هذا الإقليم.
2- التوفيق بين الفصائل السكانية المتنوعة: من المتوقع أن تجد طالبان صعوبة في التوفيق بين الفصائل السكانية المختلفة، خاصة مع اختلاف الرؤى حول الآلية التي يجب أن تتعامل بها الجماعة مع المقاتلين الأجانب والتنظيمات الإرهابية، واقتصاد الدولة، والعلاقات الخارجية.
3- تنامي نفوذ التنظيمات الإرهابية: سيكون على طالبان العمل من أجل الحفاظ على ولاء القادة الرئيسيين بالحركة حتى لا تحركهم الميول الانفصالية؛ لأنه في حال فشلت طالبان في الحفاظ على ولاء أفرادها، فسيكون عليها مواجهة خطر متزايد من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش خراسان) الذي تقاتله طالبان منذ سنوات، والذي يضم قادة سابقين في طالبان؛ حيث سيقوم هذا التنظيم بتنفيذ هجمات إرهابية أكبر تُثبت عدم قدرة طالبان على الحفاظ على النظام والأمن ودحر الإرهاب، كما أنه سيمنع تنفيذ الاستثمارات الصينية التي تحتاجها طالبان لتنشيط الاقتصاد الأفغاني.
4- عدم القدرة على حماية أقلية الهزارة الشيعية: يسعى تنظيم “داعش خراسان” إلى إثارة الاضطرابات بين السُنة والشيعة عبر مهاجمة أقلية الهزارة الشيعية، وهو الأمر الذي قد يضر بالعلاقات بين إيران وطالبان في حال فشلت الأخيرة في السيطرة على الأمر. بل إنه قد يدفع إيران لمحاربة طالبان عبر استخدام وحدات “فاطميون” الذين هم عبارة عن مجموعة من المقاتلين الشيعة الأفغان المُدربين على يد إيران، والبالغ عددهم عشرات الآلاف، وقد تم استخدامهم في سوريا من قبل.
5- ضعف القدرة على تقديم الخدمات للسكان: تفتقد طالبان القدرة على تقديم خدمات توصيل الكهرباء والمياه، أو معالجة حالات الجفاف. ولحل تلك المشكلات ستكون طالبان بحاجة إلى خبرات تكنوقراط ومساعدات أجنبية، فضلًا عن مساعدة المنظمات الإنسانية غير الحكومية، وهو ما يتطلب منها نهجًا جديدًا في التعامل يختلف عن سياسة التطهير والانتقام التي عملت على تطبيقها من قبل.
6- تحديات اقتصادية: من المتوقع أن تواجه طالبان تحديات اقتصادية كبيرة خاصة مع خسارة مليارات الدولارات التي كان يتم تقديمها من جانب المنظمات النقدية الدولية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. وهنا لن تكون طالبان قادرة على الاعتماد على الاقتصاد غير القانوني كاقتصاد الأفيون، لذا ستواجه احتمالية تفشي الفقر بدرجة أكبر بين السكان الذين يعاني 90% منهم من الفقر، و30% من انعدام الأمن الغذائي؛ وهو ما سيضغط على طالبان للبحث عن تحالفات جديدة مع مختلف الدول كالصين ودول آسيا الوسطى لمنع تدهور الأوضاع الاقتصادية، وللحفاظ على بقائها في السلطة.
انخراط اضطراري
1- شرعنة حكومة طالبان: اضطراب الأوضاع في أفغانستان يجر في أذياله مجموعة من المشكلات التي تنعكس على دول الجوار، والتي على رأسها: تجارة المخدرات، وتنامي أعداد اللاجئين، وقلقلة استقرار الدول؛ لذا على الرغم من استمرار الضغوط الغربية لعزل حكومة طالبان وعدم التعاطي معها، إلا أنه من المرجّح أن تأخذ دول الجوار وعلى رأسها الصين وروسيا وتركيا وإيران العاملَيْن الأمني والاقتصادي عند بلورة سياسة خارجية تجاه أفغانستان خلال الفترة المقبلة، ومن ثمّ ستتجه تلك الدول للاعتراف بشكل رسمي بحكومة طالبان.
2- انفتاح تركي على التعامل مع طالبان: يحاول الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” سد الفراغ الذي خلفه الانسحاب الغربي، وتصوير نفسه كحلقة وصل مستقبلية مع طالبان.
وفي ضوء ذلك، أعلن “أردوغان” عن انفتاحه على التعامل مع طالبان. حتى إن طالبان عرضت على تركيا تقديم الدعم اللوجيستي لمطار كابول، وهو ما قد يمنح تركيا ورقة للضغط على الغرب، بالإضافة لمحاولة النظام التركي إنعاش الاقتصاد التركي المتعثر من خلال الانفتاح علي السوق الأفغاني والذي يعتبر مكانًا جيدًا لتسويق المنتجات التركية، كما قد تشارك الشركات التركية في جهود إعادة إعمار أفغانستان.
إجمالًا، يمكن القول إن طالبان ستسعى في سبيل الحفاظ على تواجدها بالسلطة لبلورة سياسات خارجية جديدة تشجع الدول على الاعتراف بها بشكل رسمي. ومع ذلك، من المرجح أن تقابلها مجموعة من التحديات التي ستحدد مدى استمرار طالبان في السلطة، وهنا ستحتاج طالبان إلى مساندة بعض الدول وعلى رأسها دول الجوار للحفاظ على تواجدها، مما سيساعد -بدوره- في قلقلة استقرار منطقة الشرق الأوسط في حال حاولت جماعات مسلحة أخرى محاكاة نهج طالبان.