أزمة متصاعدة:
تداعيات ظاهرة تغير المناخ على دول المنطقة

أزمة متصاعدة:

تداعيات ظاهرة تغير المناخ على دول المنطقة



تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا راهناً ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة، وهناك توقّعات بأن تُعاني من ظاهرة الاحترار بوتيرة تقارب ضعف المعدل العالمي، وفقاً لتقرير أعدته مختبرات “جرينبيس” للبحوث في جامعة إكستير البريطانية في نوفمبر الماضي. وقد أشار تقرير للوكالة الدولية للطاقة، في ٣ يوليو الجاري، إلى أن درجات الحرارة في المنطقة زادت بمقدار ٠,٤٦ درجة مئوية لكل عقد بين عامي ١٩٨٠ و٢٠٢٢، وهي أعلى بكثير من المتوسط العالمي الذي بلغ ٠,١٨٪ درجة مئوية، وهو الأمر الذي أثار المخاوف بشأن تأثيرات تغيرات المناخ على دول المنطقة.

المصدر: اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والصليب الأحمر النرويجي، إنجاح التكيف: التصدي للآثار المضاعفة لتغير المناخ وتدهور البيئة والنزاعات في الشرق الأدنى والأوسط.

تحديات عديدة

تعاني دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا سيما الدول التي تشهد أزمات وصراعات داخلية، وتلك ذات الاقتصاديات المتعثرة، من آثار ظاهرة التغير المناخي، وما ترتبه من ظواهر مناخية غير معهودة وكوارث تزيد من الأزمات والتحديات التي تواجهها في الوقت الراهن، ومن أبرزها ما يلي:

١- تدهور إنساني متزايد بدول الصراعات: بينما يُعاني مواطنو دول الصراعات في منطقة الشرق الأوسط من أزمات إنسانية عدة بسبب حالة الاحتراب الداخلي، واستمرار المعارك بين الفصائل المسلحة، واحتدام الحرب الأهلية في بعضها، أضافت آثار التغيرات المناخية مزيداً من التحديات الإنسانية. فقد أكّد تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر والصليب الأحمر النرويجي المعنون “إنجاح التكيف: التصدي للآثار المضاعفة لتغير المناخ وتدهور البيئة والنزاعات في الشرق الأدنى والأوسط”، الذي صدر في 12 أبريل الماضي، على أن اقتران تدهور البيئة بتغير المناخ والنزاعات المسلحة طويلة الأمد في دول الصراعات، مثل سوريا والعراق واليمن، يؤدي لتقويض جميع جوانب الأمن الإنساني وتفاقم الاحتياجات الإنسانية للأشخاص الذين يعيشون فيها، وسبل عيشهم، وصحتهم، وتنقلهم، وزيادة كبيرة في النزوح الداخلي وعبر الحدود. فضلاً عن أن الأشخاص الذين نزحوا بسبب النزاع المسلح غالباً ما يكونون عرضة بشكل خاص للظواهر المناخية المتطرفة والكوارث بسبب تغيرات المناخ.

٢- ارتفاع معدلات الهجرة المناخية: تتوقع المنظمة الدولية للهجرة ارتفاع الهجرة الناجمة عن التغيرات المناخية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث تسببت التغيرات المناخية في العام الماضي في تشريد ٣٠٥ آلاف شخص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي زيادة بنسبة ٣٠٪ عن العام الذي سبقه. ويتوقع البنك الدولي أن يصبح نحو ١٩ مليون شخص من النازحين داخلياً في شمال أفريقيا وحدها بحلول عام ٢٠٥٠ بفعل التأثيرات المناخية إذا لم يتم إيجاد حلول ملموسة للتعامل مع التغيرات المناخية، وهو ما يضيف مزيداً من التحديات لدول المنطقة التي تعاني من آثار النزوح من دول الأزمات والصراعات، الأمر الذي يزيد من محفزات عدم الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط.

٣- استمرار موجات الجفاف القوية: أدى انخفاض هطول الأمطار إلى معاناة بعض الدول العربية من انخفاض قوي في تدفقات المياه إلى السدود. ففي موسم ٢٠٢١-٢٠٢٢ بلغ العجز المائي في المغرب ٨٥٪ تقريباً، وقد بلغ مخزون المياه الصالحة للري ٩٠٠ مليون متر مكعب في عام ٢٠٢٢ مقارنة بمتوسط ٣,٤ مليارات متر مكعب بين عامي ٢٠٠٩ و٢٠١٧. ووصل العجز في المياه الجوفية لمستوى حاد، إذ انخفضت بما بين ٣ و٦ أمتار.

وقد دفع العجز المائي تونس، في أواخر مارس الماضي، إلى قطع المياه عن المواطنين لمدة سبع ساعات كل ليلة خلال الليل استجابة لأسوأ موجة جفاف تشهدها البلاد على الإطلاق لندرة الأمطار على مدى أربع سنوات متتالية بسبب تغير المناخ وفق رئيس شركة “سونيد” لتوزيع المياه الحكومية، مع حظر استخدام مياه الشرب لري الأراضي الزراعية، أو المساحات الخضراء، أو لتنظيف الأماكن العامة أو السيارات.

٤- تفاقم الضغوط على ميزانيات الدول: في وقت لا تزال فيه بعض دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مرحلة التعافي من جائحة كوفيد-١٩، وآثار الحرب الروسية-الأوكرانية، التي دخلت عامها الثاني؛ فإن تغير المناخ وما يصاحبه من موجات الجفاف الشديد يثقل ميزانية عدد من تلك الدول. فقد توقّع تقرير للبنك الدولي، صدر في ١٢ يونيو الفائت، أن الأضرار الناتجة عن الكوارث الطبيعية أو المناخية تبلغ ما يقرب من ملياري دولار سنوياً.

ويواكب ذلك توقعات بتأثيرات ظاهرة تغير المناخ على الناتج المحلي لبعض الدول العربية، الأمر الذي سيضاعف من حدة الأزمات الحالية التي تواجهها. فقد قدرت دراسة أعدتها وزارة البيئة اللبنانية أن التغير المناخي سيتسبب في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للبنان، الذي يعد من الدول الأكثر تأثراً بتغير المناخ، بنسبة ١٤٪ بحلول عام ٢٠٤٠، وبأكثر من ٣٢٪ بحلول عام ٢٠٨٠.

٥- زيادة الطلب على الكهرباء: كشف تقرير الوكالة الدولية للطاقة -السابق الإشارة إليه- أن تأثيرات التغير المناخي تتجاوز اقتصاد وسكان دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لتفرض تداعيات على أنظمة الطاقة التي تتأثر بارتفاع درجات الحرارة في المنطقة سواء من خلال تزايد الضغط على خدماتها أو على كفاءتها وطريقة عملها. فقد ذكر أن ارتفاع درجات الحرار في المغرب -على سبيل المثال- أدى لزيادة الطلب على الكهرباء من أجل التبريد؛ الأمر الذي ساهم في إجهاد نظام الطاقة المغربي المنهك بالفعل، وزيادة وارداتها من الكهرباء من إسبانيا والتي وصلت لمستويات قياسية في مايو من العام الماضي.

وقد أدى ارتفاع درجات الحرارة في الجزائر لمستويات ٤٩ درجة مئوية في الولايات والمدن الساحلية إلى تذبذب في مستويات الشبكات الكهربائية، الأمر الذي أدى لانقطاعات متكررة في خدمة الكهرباء خلال الفترة الأخيرة ولفترات كبيرة. وتُعد الجزائر من أهم الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المنتجة للكهرباء، حيث تمتلك أكثر من مائة محطة للتوليد.

ويتوقع تقرير الوكالة الدولية للطاقة أن حوالي ٣٢٪ من محطات توليد الطاقة بالفحم، و١٥٪ من محطات توليد الطاقة بالغاز، التي تمثل الحصة الأكبر من توليد الكهرباء بالمنطقة والتي تصل إلى ٧٤٪، و٩٪ من محطات توليد الطاقة النفطية، ستواجه مستويات كفاءة عملها تحديات كبيرة خلال السنوات القادمة، بسبب تغير المناخ، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على قدرات عديد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للاستجابة لاحتياجات سكانها من الكهرباء.

٦- تصاعد المخاطر على الآثار الليبية: أشارت دراسة نُشرت في دورية “PLOS ONE”، في 15 أبريل الماضي، إلى احتماليات تعرض بعض المواقع الأثرية على طول الساحل الليبي للخطر أو للمحو بسبب زيادة تآكل السواحل، ولا سيما الساحل في منطقة برقة شرق ليبيا، حيث تعد موطناً لإرث ثقافي وتاريخي غني يعود بعضها إلى العصور اليونانية والرومانية القديمة. وتشمل المواقع المتأثرة بتآكل الساحل المدن القديمة، والتحصينات، والمعابد، والمقابر، فضلاً عن المباني الحديثة التي بُنيت في العهد العثماني والإسلامي.

٧- التعرض لموجة فيضانات قوية: شهدت عديد من دول منطقة الشرق الأوسط موجة فيضانات قوية خلال العامين الماضي والجاري، فخلال الفترة من ٢٥ مايو و٥ يونيو الماضيين تعرضت الجزائر لموجة فيضانات وسيول نتيجة أمطار موسمية غزيرة هطلت بعد انخفاض دام أكثر من شهرين، والتي تعد أحد أبرز تجليات ظاهرة تغير المناخ. وقد جرفت تلك الفيضانات والسيول العديد من المنازل والمساكن المتهالكة، وخلّفت أضراراً في البنى التحتية. وبعد الزلزال الذي وقع في سوريا وتركيا في ٦ فبراير الماضي، عانت الدولتان من سيول وفيضانات، ولا سيما في عديد من المناطق التي تضررت من الزلزال.

٨- حدوث ارتفاع في درجات الحرارة: عانت بعض دول منطقة الشرق الأوسط من ارتفاع درجات الحرارة لمستويات غير معهودة في فصل الربيع. ففي المغرب سجلت درجات الحرارة خلال شهر مايو ما بين ٣٨ و٤٣ درجة مئوية في عديد من أقاليمه، وقد تراوحت ما بين ٣٧ و٤٥ درجة مئوية خلال الأسبوع الأخير من شهر أبريل. وفي منتصف يوليو الجاري وصلت درجات الحرارة في إيران لأكثر من ٦٦ درجة مئوية، وهي أعلى مؤشر حرارة غير آمن.

جهود المواجهة

تُعد ظاهرة تغير المناخ أحد أكبر التهديدات التي تواجه بعض دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تفرض على دولها ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمعالجتها، وإلا فإنها ستواجه عواقب وخيمة تزيد من أزمات وتحديات المنطقة الراهنة، وتُنذر بمزيدٍ من عدم الاستقرار والأمن. وبالفعل، بدأ عدد من دول المنطقة في بذل جهود حثيثة من خلال تعزيز استخدام الطاقة المتجددة بشكل كبير، والعمل على تخفيض الانبعاثات الدفيئة، ورفع قدراتها على الإنذار المبكر للظواهر المناخية المتطرفة مثل الفيضانات وموجات الحر الشديدة، التي من شأنها مساعدتها على مواجهة ما يهددها من أزمات مناخية.