مكاسب محتملة:
تداعيات خروج المغرب من “القائمة الرمادية” لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب

مكاسب محتملة:

تداعيات خروج المغرب من “القائمة الرمادية” لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب



حققت المغرب خطوة مهمة على صعيد تعزيز وضعها الاقتصادي وموقعها في منظومة التعاملات المالية على مستوى العالم، بعد أن نجحت في إحراز تقدم ملموس في استكمال الأطر التنفيذية والتشريعية اللازمة لمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال وفق المعايير الدولية، وهو ما انعكس في رفع اسمها، في 24 فبراير الفائت، من “اللائحة الرمادية” لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بعد اتخاذها مجموعةً من الإجراءات التي تستجيب لتوصيات مجموعة العمل المالي الدولية “فاتف”.

وتسعى الرباط إلى استثمار تحسّن تصنيفها ضمن مؤشرات المنظمات الدولية المعنية بالإرهاب وغسيل الأموال، من أجل تحقيق أهداف عديدة، يأتي في مقدمتها دعم الاقتصاد الوطني، وتعزيز الحضور على المستويين الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى الاستفادة من فرص التمويل الدولية في المجالات التنموية ودعم البنية التحتية، والتي ترتبط بهذه الخطوات التي تتخذ على صعيد العلاقة مع مجموعة العمل المالي الدولية، على نحو بدا جلياً في البيان الذي أصدرته الحكومة المغربية والذي أشارت فيه إلى أن هذا القرار جاء بعد تقييم مسار ملائمة المنظومة الوطنية مع المعايير الدولية الخاصة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو ما سوف يكون له دور في تعزيز قدرتها على احتواء بعض المشكلات التي تواجهها خلال الفترة الحالية.

إجراءات رئيسية

يكن تفسير نجاح المغرب في تحقيق هذا الهدف الذي حظي باهتمام خاص من جانبها على مدى الفترة الماضية، في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تطوير التعاون مع المؤسسات الدولية: اتخذت الرباط خطوات عديدة من أجل توسيع نطاق التنسيق مع المجتمع الدولي بشأن تبادل المعلومات واتخاذ الإجراءات العقابية التي تساعد في محاصرة ووقف المعاملات المالية المشبوهة والمتعلقة بعمليات غسيل أموال أو تمويل إرهاب، لا سيما بعد أن أدرجت في عام 2021 ضمن “القائمة الرمادية” التي تضم الدول التي تتخذ إجراءات جزئية للتجاوب مع المعايير الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وقد كانت هذه الخطوة التي اتخذت قبل نحو عامين دافعاً رئيسياً للرباط من أجل العمل على تعديل وضعها وبالتالي استقطاب دعم المجتمع الدولي لإجراءاتها في هذا المجال، حتى نجحت في الخروج من اللائحة مجدداً.

وفي هذا السياق، كان لافتاً أن المغرب حرصت على رفع مستوى التعاون مع العديد من المنظمات الدولية، إلى جانب الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الغربية الأخرى، وذلك بهدف تعزيز قدرتها على مكافحة عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بالتوازي مع إجراء إصلاحات تشريعية من خلال إقرار تعديلات على قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب حتى يتلاءم مع القوانين والتشريعات الدولية.

وفي هذا الصدد، استضافت مراكش، في 10 مايو 2022، اجتماعاً ضم محققين ومدعين عامين كبار متخصصين في مكافحة غسيل الأموال من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والمغرب، من أجل إجراء مباحثات حول الاستراتيجيات الفعّالة فيما يتعلق بالمتابعة القضائية في ملف غسيل الأموال تحديداً.

2- التعامل المبكر مع التهديدات: سعت المغرب إلى تبني مقاربة استباقية على مدى الأعوام الماضية، للتعامل مع التهديدات التي تفرضها الأنشطة التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن التجارة غير المشروعة التي توسعت في بعض دول الجوار، لا سيما الدول التي تشهد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار على المستوى الداخلي. وقد انعكس ذلك في رفع مستوى التنسيق بين الأجهزة الأمنية المغربية التي تمتلك خبرة في التعامل مع تلك التهديدات، وبين الأجهزة الأمنية الغربية، بهدف محاصرة التنظيمات الإرهابية وتقليص قدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية داخل وخارج أوروبا.

3- محاصرة التدفقات المالية غير المشروعة: ضاعفت الرباط من جهودها في مكافحة “التدفقات المالية غير المشروعة”، وهو ما كان أحد الأسباب التي دفعت الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات جديدة لرفع مستوى العلاقات معها، حيث وقع الطرفان، في 3 مارس الجاري، على اتفاقية تضم خمسة مشاريع تقوم بها المملكة في مجالات اقتصادية واجتماعية وزراعية وفي مجال الطاقة أيضاً، وذلك بقيمة 5.5 مليار درهم أى ما يساوي نحو 500 مليون يورو.

4- تطوير الهياكل التشريعية القائمة: حرصت المغرب على تجريم عمليات غسيل الأموال ابتداء من عام 2007، وقد تم تعديل القانون الخاص بذلك في عام 2011، على نحو أدى إلى توسيع قائمة الأشخاص والمنظمات التي يتعين عليها الإبلاغ عن الأنشطة المالية المشبوهة. وتمكن الإطار التشريعي في المغرب بسبب تفعيله على أرض الواقع من إحراز تقدم في مكافحتهما، ولذلك صادق البرلمان المغربي، في 20 أبريل 2021، على تعديلات جديدة على قانون مكافحة غسيل الأموال، استهدفت تجاوز أوجه القصور التي تضمنها نص القانون الحالي والمستمدة أساساً من الانتقادات التي ألمح إليها تقرير التقييم المتبادل في عام 2021. كما تضمنت التعديلات عقوبات تأديبية إلى جانب العقوبات التي تُصدرها سلطات الإشراف والمراقبة في حق الأشخاص الخاضعين، على غرار التوقيف المؤقت أو المنع أو الحد من القيام ببعض الأنشطة أو تقديم بعض الخدمات، إضافة إلى رفع الحدين الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها على الأشخاص الذاتيين في جريمة غسيل الأموال المنصوص عليها في الفصل 3-574 من مجموعة القانون الجنائي.

5- بناء مؤسسات تنظيمية فاعلة: لم تقتصر جهود الرباط لتعزيز صورتها في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب على الجانب التشريعي، وإنما امتدت جهودها إلى تأسيس كيانات منوط بها سد الثغرات. فعلى سبيل المثال، مارست الهيئة الوطنية للمعلومات المالية دوراً معتبراً في تعقب المخصصات المالية المشبوهة، كما كان لهيئات أخرى مثل هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي دور بارز في عمليات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

ارتدادات إيجابية

يمثل قرار الاتحاد الأوروبي بإزالة المغرب من “القائمة الرمادية” للملاذات الضريبية نجاحاً هاماً ستكون له العديد من الارتدادات الإيجابية المحتملة على موقع المغرب، ووضعها الاقتصادي. إذ إنّ تصنيفها ضمن فئة الدول التي تتخذ إجراءات مشددة بشأن مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب قد يُسهم في خفض أخطار التمويلات وتحسين التصنيف الائتماني الدولي للمملكة. فضلاً عن ذلك، فإن هذه الخطوة من شأنها توفير فرص اقتصادية مهمة للمغرب، حيث سيكون بإمكانها تعزيز اندماجها في النظام الاقتصادي العالمي، والاستفادة من الفرص التمويلية التي تُتيحها مؤسسات التمويل الدولية، إلى جانب جذب الاستثمارات الأجنبية مجدداً، وتطوير مناخ الأعمال، بالتوازي مع تعزيز قدرتها على الاستفادة من القروض البنكية الدولية بشروط تفضيلية.