تأثيرات متعددة:
تداعيات انسحاب تحالف الساحل الثلاثي من الإيكواس 

تأثيرات متعددة:

تداعيات انسحاب تحالف الساحل الثلاثي من الإيكواس 



تواجه المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “الإيكواس” تحديات سياسية وأمنية متنامية، بشكل يؤثر على دورها في تحقيق السلم والأمن في منطقة الغرب الأفريقي، حيث أصدرت دول تحالف الساحل الثلاثي (النيجر، ومالي، وبوركينافاسو)، في 28 يناير الماضي، بياناً مشتركاً أعلنت فيه قرارها السيادي بـ”الانسحاب الفوري من المنظمة”، وأشارت الدول الثلاث إلى أن “هذه الكتلة ابتعدت عن قيم المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وآبائها المؤسسين والوحدة الأفريقية. علاوة على ذلك، أصبحت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تحت تأثير قوى أجنبية”. وجاء هذا الانسحاب عقب إعلان الدول الثلاث الانسحاب من مجموعة الساحل الخماسية (G5)، في ديسمبر الماضي. ويبدو أن ثمة جملة من العوامل التي دفعت الدول الثلاث لاتخاذ هذا القرار في هذا التوقيت، وأبرزها: الضغوط الاقتصادية التي تفرضها العقوبات على هذه الدول، والتوترات المتصاعدة في علاقة الدول الثلاث بفرنسا، وموقف الدول الثلاث من دور الإيكواس في مكافحة الإرهاب.

في 28 يناير الماضي، أعلن قادة بوركينافاسو ومالي والنيجر في بيان مشترك انسحاب دولهم من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بأثر فوري، وهو ما يثير التساؤلات حول أسباب قرار انسحاب الدول الثلاث من الإيكواس في هذا التوقيت.

عوامل عديدة

ثمة جملة من العوامل التي تقف خلف قرار الدول الثلاث الانسحاب من الإيكواس في هذا التوقيت، ومن أبرزها:

1- التوترات المتنامية بين الدول الأفريقية الثلاث وفرنسا: حيث اتهم البيان المشترك المنظمة بأنها تخضع لتأثير قوى أجنبية، وأصبحت تمثل “تهديداً” لأعضائها، وقد قررت الدول الثلاث انسحابها من مجموعة الساحل الخماسية، وذلك بعد أن قررت النيجر وبوركينافاسو الانسحاب من المجموعة في ديسمبر 2023، لذلك يبدو أن قرار الانسحاب من الإيكواس يستهدف الدول والكيانات التي ترتبط بعلاقات قائمة مع فرنسا، وإرسال رسالة مفادها أن الدول الثلاث لن تخضع لأي ضغوط خارجية أو إقليمية.

وقد أشارت تقارير دولية إلى علاقة رئيس “الإيكواس” بفرنسا والدعم الذي قدمه له بعض رجال الأعمال من فرنسا، ضد الرئيس السابق ساني أباتشي. وسبق أن صرح الرئيس النيجيري بولا تينوبو في بيان قائلاً: “إنني أدير وضعاً خطراً للغاية. إذا تم استبعاد وتدخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، فسوف يأتي رد فعل الآخرين الذين هم خارج سيطرتنا. أنا من يَعُوق تلك الجوانب. أنا الشخص الذي يَعُوق إيكواس عن استخدام القوة في النيجر”. وحاول “بولا” أن ينفي عن نفسه بشكل غير مباشر تهمة محاولة إرضاء فرنسا، وأنه يعتمد الأساليب الدبلوماسية لحل أزمة النيجر.

2- الموقف من سياسة الإيكواس في مكافحة الإرهاب في المنطقة: حيث علقت العديد من دول المنطقة آمالها على دور يمكن أن تلعبه الإيكواس وملء الفراغ الذي تركته القوات الدولية والبعثات العسكرية الدولية لمكافحة الإرهاب التي أعلنت انسحابها من المنطقة، ولا سيما انسحاب فرنسا والدول الأوروبية من مالي ثم النيجر. لذلك أشار البيان إلى أن “الإيكواس” خانت مبادئها التأسيسية وفشلت في مساعدة دولها الأعضاء في حربها ضد الإرهاب وانعدام الأمن. وأنه بدلاً من مساعدة بلدانها في مكافحة التهديدات الأمنية التي تواجهها، فرضت الإيكواس عقوبات “غير مشروعة وغير إنسانية وغير مسؤولة” عندما نظمت انقلابات “للسيطرة على مصيرها”.

3- الضغوط التي تفرضها سياسة العقوبات على هذه الدول: وكان لهذه العقوبات تأثيرها على النيجر، حيث شملت إغلاق جميع الحدود الجوية والبرية، وتجميد أصول الدولة، ومنع المعاملات المالية مع المؤسسات الأخرى في البلاد، ومن ثمّ عزلت العقوبات النيجر عن بنين ونيجيريا اللتين تستورد منهما أغلب احتياجاتها من الغذاء وغير ذلك من الضروريات، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في واحدة من أفقر دول العالم. لذلك قالت الدول الثلاث إن العقوبات التي فرضتها إيكواس كانت “غير إنسانية وغير مسؤولة” وشكلت “انتهاكاً” لقواعد الكتلة نفسها. ويبدو أن الموقف الحازم الذي اتخذته الإيكواس لم يؤدِّ إلا إلى تصلب مواقف الدول التي يقودها الجيش، مما أدى إلى تزايد خط الصدع داخل الكتلة الإقليمية. حتى إن مالي والنيجر وبوركينافاسو وقعت على اتفاقية الدفاع المشترك (تحالف دول الساحل)، في سبتمبر الماضي.

انعكاسات محتملة

من المتوقع أن يكون لانسحاب الدول الثلاث من المنظمة انعكاساته على المنظمة والوضع الأمني والإقليمي على النحو التالي:

1- تفاوض الإيكواس مع الدول الثلاث: يرى مراقبون أن الإيكواس تفقد بسرعة الدعم من جانب العديد من مواطني غرب إفريقيا الذين يرون أنها فشلت في تمثيل مصالحهم في المنطقة، وأن الإيكواس ستسعى على الأرجح إلى مواصلة الحوار مع المجالس العسكرية حول أفضل السبل لضمان استقرار المنطقة. وردت إيكواس بأنها لم تتلقَّ بعد إشعاراً رسمياً من الدول الأعضاء. وقالت إنها لا تزال ملتزمة بإيجاد حل تفاوضي للمأزق السياسي.

2- التأثير على فاعلية دور المنظمة في مواجهة الانقلابات العسكرية: فمن غير المتوقع التزام المجالس العسكرية في الدول الثلاث بجدول زمني لنقل السلطة لحكومة مدنية وإجراء انتخابات ديمقراطية ضمن جداول زمنية محددة، وهو ما يشجع جيوشاً أو وحدات عسكرية منشقة للاستيلاء على السلطة.

3- توسع موجة الانسحابات من المنظمة: يتوقع مراقبون أن يشجع انسحاب الدول الثلاث انسحاب دول أخرى تتهم نيجيريا بالسيطرة على المنظمة واختطافها. لذلك، اعتبر مراقبون أن هذا الانسحاب يمثل ضربة كبيرة لطموحات نيجيريا التي تتولى الآن رئاسة المجموعة، في قيادة دول المنطقة، ووضع حد للانقسامات والصراعات بين دول المنطقة.

4- توسع النفوذ الروسي في القارة الأفريقية: حيث يمنح الانسحاب فرصة جديدة لروسيا لتوسيع وجودها وتعزيز مصالحها في أفريقيا. وقد عززت هذه الدول في الأشهر الأخيرة شراكاتها مع روسيا في مجالات تشمل الأمن القومي والاقتصاد، ويبقى أن نرى مقدار الدعم الذي يمكن أن يحصلوا عليه من روسيا.

5- تمدد النشاط الإرهابي في منطقة الساحل: حيث تشهد المنطقة بالفعل امتدادا للتطرف العنيف من منطقة الساحل إلى الدول الساحلية، مثل توغو وبنين وساحل العاج. تفكك التعاون السياسي وضعف ردود الفعل ضد الهجمات الجهادية سيعني أن هناك خطراً كبيراً لمزيد من انعدام الأمن في المنطقة، وقد شهدت النيجر هجوماً إرهابياً في 30 يناير الماضي أسفر عن مقتل ما يزيد على ثلاثين شخصاً.

مضاعفات الانسحاب

وإجمالاً، يمكن القول إن انسحاب الدول الثلاث يشكل تهديداً كبيراً لدور الإيكواس في تحقيق الاستقرار السياسي في المنطقة، إذ لم تشهد المنظمة انسحاباً جماعياً بهذا الشكل، بينما تواجه المنطقة انقسامات واستقطابات بين دول موالية لروسيا ودول موالية لفرنسا، الأمر الذي يزيد من احتمالية تصاعد الصراعات والتوترات بين هذه الدول، وسيادة حالة من عدم الاستقرار والاضطراب الأمني في المنطقة. لذلك يتوقع أن يكون لانسحاب الدول الثلاث من الإيكواس تداعياته على المنظمة وخياراتها تجاه هذه الدول، وكذلك التأثير على فاعلية دور المنظمة في مواجهة الانقلابات، وهو ما يشجع جيوشاً أو وحدات عسكرية منشقة للاستيلاء على السلطة، وتوسع موجة الانسحابات في المنظمة، وتوسع النفوذ الروسي، حيث توفر الانقسامات والتوترات السياسية في المنطقة فرصاً لتمدد التنظيمات الإرهابية التي تستفيد من ضعف التنسيق الأمني والعسكري في مواجهة الإرهاب.