تفاعلات منفلتة:
تداعيات انخراط “كتائب إسلاموية” في الحرب الروسية الأوكرانية

تفاعلات منفلتة:

تداعيات انخراط “كتائب إسلاموية” في الحرب الروسية الأوكرانية



رغم تعدد الظواهر المقلقة المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، وتحديداً المرتبطة بالارتدادات الأمنية للانخراط المتزايد للمقاتلين الأجانب، فإن انخراط كتائب وعناصر “إسلاموية”، وتحديداً لدعم الجيش الأوكراني ضد القوات الروسية، بعضها انخرط في مناطق صراعات مسلحة تمثل بيئة لانتشار أفكار “الجهاد”، ربما يمثل أحد التحديات الأبرز عقب انتهاء الحرب، وربما يمتد إلى تأثيرات على خريطة نشاط التنظيمات “الجهادية”، في ظل صعوبة ضبط التفاعلات داخل تلك الكتائب وانصهار التنوعات الفكرية والخلفيات المختلفة، وإن كانت أغلب تلك العناصر تتحد على هدف مرحلي، وهو مواجهة القوات الروسية في أوكرانيا، كما يُتوقع أن تدعم العناصر التي شاركت في صراعات مسلحة قدرات مواجهة القوات الروسية.

منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا (فبراير 2022)، اتجهت الأنظار إلى احتمالات انخراط متزايد لكتائب إسلاموية، بغض النظر عن التنوعات الفكرية والأيديولوجية، تقاتل إلى جانب الجيش الأوكراني، ضد التدخل العسكري الروسي، خاصة مع انتشار مقاطع مرئية تُظهر مشاركة عناصر إسلاموية في صد تقدم القوات الروسية، بصورة تستدعى الوقوف على التداعيات المحتملة لهذا الانخراط المتزايد لعناصر إسلاموية.

محددات حاكمة

يمكن الإشارة إلى عدد من المحددات الرئيسية، المتعلقة بانخراط كتائب “إسلاموية” في الحرب الروسية الأوكرانية، وتحديداً المشاركة إلى جانب القوات الأوكرانية، بعد انقضاء عام على بداية التدخل العسكري الروسي، وأبرزها:

1- انخراط الكتائب التقليدية البارزة منذ عام 2014: يتبلورالحضور الإسلاموي على الساحة الأوكرانية، لمواجهة التدخل الروسي، في حدود الكيانات والكتائب الإسلاموية التقليدية التي برز دورها منذ عام 2014 مع التدخل العسكري الروسي في شبه جزيرة القرم، في حين يقتصر الحضور الإسلاموي الموالي لروسيا على كتائب متطوعين دعت لها الشيشان تحت سيطرة الدولة.

وهنا، فإن الكتائب الإسلاموية المنخرطة تنقسم إلى ثلاثة كيانات رئيسية، وهي، أولاً: كتيبة الشيخ منصور، وتتكون من عناصر شيشانية بزعامة “مسلم تشيبرلوف”، قاتلت تحت قيادة الجيش الأوكراني ضد الانفصاليين شرقي البلاد عام 2014، قبل أن تسلم سلاحها مع كتائب أخرى عام 2019، لتعود مجدداً للظهور على الساحة الأوكرانية بعد التدخل الروسي العام الماضي، وتشير بعض التقديرات إلى أن بعض عناصر الكتيبة سافروا إلى سوريا للانخراط في المواجهات ضد القوات الروسية. وثانياً: كتيبة جوهر دوداييف، وتتكون من عناصر شيشانية بزعامة “آدم عثماييف”، شاركت الجيش الأوكراني في قتال الانفصاليين شرقي البلاد عام 2014، وعادت للنشاط العسكري عقب التدخل الروسي.

أما ثالثاً: كتيبة القرم الإسلامية، فتتشكل من مسلمين “تتار” في شبه جزيرة القرم، بعد سيطرة روسيا عليها عام 2014، وتقاتل إلى جانب الجيش الأوكراني بداية من عام 2015، قبل أن ينخرط مقاتلو الكتيبة في الجيش الأوكراني بعد تفكيك الكتيبة، وتعيين زعيمها “عيسى أكاييف” عضواً في مجلس المحاربين القدامى عام 2019.

وبذلك، نحن أمام انخراط لمجموعتين تتشكلان بشكل رئيسي من الشيشانيين، وتشير بعض التقديرات إلى أن عددهم يتراوح بين 300 إلى 500 عنصر مع بداية التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، وثالثة من مسلمين “تتار” في شبه جزيرة القرم، غير محددة العدد، في ظل انضمام عناصرها للجيش الأوكراني.

2- عدم بروز انخراط تنظيمات وعناصر من المنطقة العربية: رغم اتجاه أوكرانيا إلى تأسيس ما يُعرف بـ”الفيلق الدولي للدفاع الإقليمي” في أعقاب التدخل العسكري الروسي، بما يسمح باستقدام مقاتلين أجانب، بغض النظر عن الجنسيات والأقاليم الجغرافية في العالم، إلا أنه بعض انقضاء العام الأول من الحرب الروسية الأوكرانية، لم يبرز انخراط كيانات أو تنظيمات وعناصر عربية في المواجهات، للانضمام لأي من الطرفين.

ومع ذلك، لم تتوقف وسائل الإعلام لكل طرف في الإشارة إلى انخراط مقاتلين عرب في المواجهات العسكرية، إذ تتهم روسيا أوكرانيا والمعسكر الغربي الداعم لها بنقل عناصر إرهابية تحمل أفكار تنظيم “داعش” إلى أوكرانيا، وفي المقابل، فإن تقارير إعلامية أشارت إلى نقل روسيا مرتزقة من سوريا للقتال إلى جانب الجيش الروسي.

وعلى مستوى تنظيمَيْ “داعش والقاعدة”، بوصفهما أبرز التنظيمات العابرة للحدود التي تتبنى مشروع “الجهاد العالمي”، فلم يتضح انخراط أيٍّ منهما مباشرة في الحرب الروسية الأوكرانية، باستثناء إعلان روسيا أكثر من مرة إحباط أعمال إرهابية في منطقة شمال القوقاز وداخل روسيا، لعناصر تتبع تنظيم “داعش”، ومنها إحباط عمل إرهابي بمنطقة شمال القوقاز في شهر ديسمبر 2022.

3- انتقال عناصر “القوقاز” من سوريا إلى أوكرانيا: خلال الربع الأخير من عام 2022، تطرقت تقارير إعلامية سورية محلية، إلى انتقال العشرات من المقاتلين من منطقة القوقاز، ووفقاً لتقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن عددهم بلغ نحو 170، وهؤلاء انخرطوا في الصراع المسلح في سوريا خلال السنوات الماضية، على دفعات إلى أوكرانيا للقتال إلى جانب الجيش الأوكراني وكتائب المتطوعين ضد التدخل العسكري الروسي.

قبل أن يبرز اسم رستم آزييف قائد مجموعة “أجناد القوقاز” في حوار صحفي عقب انتقاله إلى أوكرانيا، يتطرق إلى المشاركة في القتال ضد التدخل العسكري الروسي، ويدعم عملية انتقال العناصر من منطقة القوقاز إلى أوكرانيا خلال عام 2022، وبروز توترات بين تلك الكيانات و”هيئة تحرير الشام” التي تبسط سيطرتها على مناطق بالشمال السوري، وتحديداً محافظة إدلب، على خلفية رغبة “الهيئة” في السيطرة على المكونات الأجنبية في الساحة السورية وتخفيف الضغوط الواقعة عليها بدفعهم إلى الرحيل عن سوريا.

4- الاتجاهات الأيديولوجية وتراجع “الجهاد العالمي”: يتضح من خلال تتبع تاريخ وخلفيات واتجاهات قادة المجموعات “الإسلاموية” المنخرطة إلى جانب الجيش الأوكراني ضد التدخل العسكري الروسي، أن الاتجاهات الأيديولوجية الحاكمة لتحركاتهم ليست مشروع “الجهاد العالمي”، مثل تنظيمات “القاعدة وداعش”، وإنما الاتجاه الحاكم في مسألة حمل السلاح يرتبط بشكل وثيق بمواجهة روسيا، سواء على مستوى منطقة القوقاز أو خارجها، إذ انخرطت تلك المكونات العسكرية الإسلاموية، وتحديداً الشيشانية، في المواجهات خلال ما يُعرف بـ”حرب الشيشان الثانية”، منذ أواخر التسعينيات من القرن المنصرم وحتى عام 2009.

ومن ثَم، فإن مشروع تلك الكيانات الإسلاموية يتصل بأيديولوجياوطنية مع صبغة دينية، أو قومية عرقية مثل “تتار القرم”،لمناهضة النفوذ والسيطرة الروسية على مناطق شمال القوقاز المتاخمة لروسيا، والتي كانت جزءاً من جمهوريات الاتحاد السوفيتي، حتى أن انتقال عناصر من القوقاز إلى سوريا لم يرتبط بصورة رئيسية بمشروع “الجهاد العالمي”، وإنما مواجهة القوات الروسية على الأراضي السورية، ضمن عوامل تتعلق بدعم المسلمين في سوريا، إذ حاولت تلك العناصر التي انخرطت في كيانات مستقلة تنظيميّاً بسوريا التمايز عن الكيانات التي تتبنى مشروع “الجهاد العالمي”.

5- التحوط الغربي لعدم تكرار التجربة الأفغانية: يبدو أن ثمة تحوط غربي من تكرار التجربة الأفغانية، وتداعياتها الأمنية والفكرية على مستوى تصاعد موجات الإرهاب، وتحديداً فيما يتصل ببروز مشروع “الجهاد العالمي” الذي تبناه تنظيم “القاعدة”، في تسعينيات القرن المنصرم، عقب انتهاء الغزو الروسي لأفغانستان، خلال فترة العمليات العسكرية الروسية التي يُصطلح على تسميتها بـفترة “الجهاد الأفغاني”، إذ جذبت أفغانستان عناصر من جنسيات ومناطق مختلفة.

وأسفر انخراط أعداد كبيرة من العناصر التي تؤمن بفكرة “الجهاد” –وفقاً لتصوراتهم- عن تشكيل روابط تنظيمية وانصهار فكري، أدى إلى ظهور أفكار أكثر تشدداً، تتخطى مسألة الاشتراك في المواجهات مع القوات الروسية، وبالتالي فإنه ربما ثمة تخوفات من جانب المعسكر الغربي الداعم لأوكرانيا من إثارة النزعة الإسلامية في مواجهة روسيا على إطلاقها، وتحول أوكرانيا إلى ساحة نشاط “إسلاموي جهادي”.

هذا التحوط العربي، ربما يتضح من خلال تصريحات قائد كتيبة “الشيخ منصور”، حينما تطرق إلى رغبة عناصر كثيرة في الانضمام إلى الكتيبة، ولكن الأمر يخضع لعمليات تدقيق شديدة من قِبَل الجهات الأوكرانية، قبل أن ينفي علاقة الكتيبة بتنظيم “داعش”.

6- استمرار مراوحة الحرب الروسية الأوكرانية: في ضوء عدم بلورة رؤية لإنهاء حالة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، على المدى الزمني القريب المنظور، رغم محاولات بعض الأطراف الدولية، وآخرها الصين، في رسم مسار تفاوضي لإنهاء الأزمة سياسيّاً وتجنب الخيارات العسكرية الأكثر تصعيداً، في ظل تلويح روسيا باستخدام الأسلحة النووية، واستمرار الدعم الغربي بالأسلحة للجيش الأوكراني،فإنأحد المحددات الرئيسية في زيادة انخراط وأدوار الكيانات الإسلاموية في الساحة الأوكرانية هو استمرار الحرب ذاتها.

إذ إن استمرار المواجهات العسكرية والتحشيد العسكري بين الجانبين، ولجوء روسيا إلى إشراك عناصر “فاغنر” والاتهامات الغربية باستخدام طائرات من دون طيار إيرانية في الحرب على أوكرانيا، وحشد الدعم العسكري من الشيشان عبر تشكيل كتائب متطوعين للحرب بجانب الجيش الروسي، قد يدفع إلى اجتذاب مزيد من العناصر من مناطق شمال القوقاز، مدفوعة بالرغبة في مواجهة روسيا عبر الساحة الأوكرانية، خاصة أن انتقال عناصر من منطقة القوقاز من سوريا إلى أوكرانيا جاء متأخراً عقب مرور بضعة أشهر من المواجهات.

تداعيات محتملة

مشهد الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الأول، وتحديداً على مستوى انخراط كيانات وعناصر إسلاموية للقتال بجانب أوكرانيا، لاستغلال نظرة مسلمي منطقة القوقاز العدائية تجاه روسيا، قد يؤدي إلى عدد من التداعيات المحتملة المتصلة بشكل أساسي بفترة ما بعد انتهاء الحرب، كالآتي:

1- ارتدادات أمنية على منطقة القوقاز وآسيا الوسطى: مع استمرار تدفق العناصر من منطقة القوقاز، وتحديداً الشيشان، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، والأيديولوجية الوطنية لهذه الكيانات، ووحدة الهدف بمواجهة الأنظمة الموالية لروسيا، وقتال روسيا التي تدعم تلك الأنظمة، فإن أحد أبرز التداعيات هو الارتدادات الأمنية على دول منطقة شمال القوقاز عقب انتهاء الحرب، وتوجُّه تلك الكيانات والعناصر إلى تكرار حالات التمرد في تلك الدول، وبشكل خاص الشيشان ضد نظام الرئيس رمضان قديروف الداعم لروسيا.

يتخوف “قديروف” من تزايد انخراط عناصر من الشيشان ومنطقة شمال القوقاز ضمن الكتائب الموالية لأوكرانيا، وارتدادات ذلك على نظامه، عقب إخماد التمرد ضده بحلول عام 2009، ولذلك اتجه إلى الدعوة لتشكيل كتائب متطوعين من الشيشان، ليس فقط لدعم نظيره الروسي فلاديمير بوتين في حربه، ولكن أيضاً لضمان خسارة أوكرانيا الحرب؛ لعدم تعاظم نفوذ وقدرات الكتائب الشيشانية في الحرب.

ورغم أن سيناريو تصعيد التمرد في الشيشان ضد “قديروف” عقب انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية ليس مستبعداً، إلا أنه يواجه عقبات تتصل بتفريغ الشيشان من العناصر الفاعلة التي قد تدعم هذا التمرد خلال السنوات الماضية، وتحديداً العناصر التي اتجهت إلى سوريا بعد عام 2014، وإحكام النظام الحاكم قبضته على معارضيه، وفقاً لتقديرات غربية.

كما قد تشمل الارتدادات الأمنية لاستمرار الحرب في أوكرانيا، منطقة آسيا الوسطى، في ظل تخوفات من انخراط عناصر من تلك الدول في القتال إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا، إذ حذر المجلس الإسلامي في أوزباكستان (سبتمبر 2022) من انخراط المواطنين في الحرب الروسية الأوكرانية، معتبراً أن ثمة تنظيمات إرهابية تسعى لاستقطاب عناصر، تحت دعاوى “الجهاد”، هذا على الرغم من عدم بروز مشاركة عناصر من آسيا الوسطى في الكتائب الإسلاموية التي تقاتل إلى جانب الجيش الأوكراني.

2- توجيه متعمد لبعض العناصر لمناطق نفوذ روسية: يفتح انتقال عناصر من منطقة القوقاز من سوريا إلى أوكرانيا للانخراط في القتال ضد القوات الروسية خلال الربع الأخير من العام الماضي،التساؤلات حول المسارات التي اتبعتها تلك العناصر للانتقال من سوريا التي تتنازع فيها السيطرة الميدانية بين عدد من المكونات المحلية والخارجية، وحدود الدعم الذي حصلت عليه من أطراف منخرطة في الأزمة الروسية الأوكرانية، لصالح تسهيل انتقالهم لدعم الجيش الأوكراني.

ورغم عدم استبعاد انتقالهم إلى أوكرانيا عبر مسارات خاصة بهم للهروب من سوريا، فإنه يظل احتمالاً متراجعاً، مقارنة بتقديرات الأعداد التي خرجت، وأقلها قرابة 170 عنصراً، في حين تشير تقديرات أخرى إلى المئات من العناصر، ومن ثَم فإن هذه الأعداد يصعب عدم ملاحظة مسارات انتقالهم من قِبَل أجهزة استخبارات دول الجوار السوري، إضافة إلى أجهزة استخبارات غربية، خصوصاً أن انتقالهم حدث في نطاق زمني محدود، ويُرجح أنهم انتقلوا إلى الأراضي التركية كمحطة أولى، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، ومنها إلى دولة أوروبية قبل الدخول إلى أوكرانيا.

وفي ضوء فرضية تقديم أطراف منخرطة في الأزمة الروسية الأوكرانية تسهيلات انتقال تلك العناصر إلى أوكرانيا، حتى في الحد الأدنى المرتبط بعدم اعتراض مسارات الانتقال، فإن تلك الأطراف قد تسهل علمية انتقالهم إلى مناطق جغرافية على مستوى العالم لمواجهة النفوذ الروسي، وتحديداً في مناطق انتشار عناصر “فاغنر”.

3- اتجاه فردي لبعض العناصر لساحات قتالية ضد روسيا: اللافت في نشاط الكتائب الإسلاموية المنخرطة في الساحة الأوكرانية، أنها تعمل تحت قيادة الجيش الأوكراني ليس فقط أثناء المواجهات الحالية مع القوات الروسية، وإنما منذ عام 2014، وأخرى أقدمت على حل نفسها والانخراط تماماً في الجيش الأوكراني، بما يعني أن المشهد في أوكرانيا يختلف عن انخراط كتائب “إسلاموية” في ساحات أخرى، مثل الحالة السورية، بغض النظر عن التوجهات الفكرية للكتائب التي تقاتل مع الجيش الأوكراني.

ولذلك من المحتمل أن تُقدم بعض تلك الكتائب على حل نفسها مجدداً بمجرد انتهاء الحرب، أو الانخراط ضمن صفوف الجيش الأوكراني، أو على الأقل تجميد نشاطها مرحليّاً في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، ولكن أمام زيادة عدد تلك العناصر وتعدد التوجهات والرؤى داخل الكتيبة الواحدة، قد يتجه بعض منهم إلى مناطق صراعات مسلحة أخرى في العالم، وهو ما حدث عقب انتهاء المواجهات مع الانفصاليين في شرق أوكرانيا عام 2014 والاتجاه إلى سوريا، ومن ثَم يبقى أن هذا السيناريو مرجحاً في ظل إمكانية تكراره.

4- انتشار أفكار “جهادية” في ضوء التنوعات الفكرية: رغم الأيديولوجية المركزية للكتائب الإسلاموية المؤيدة للجانب الأوكراني، ووحدة الهدف المرتبطة بمواجهة روسيا والأنظمة الموالية لها في دول تلك العناصر بمنطقة القوقاز، فإن هذا لا يمنع التنوعات الفكرية داخل المكونات الإسلاموية بشكل عام، وحتى داخل الكتيبة الواحدة، خاصة مع انتقال عناصر من سوريا تشبعت بأفكار “جهادية”، وربما تأثرت بعض العناصر بمشروع “الجهاد العالمي”، ومن ثَم تصارع الأفكار داخل الكيان الواحد تظل كامنة حتى انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية.

وقد تظهر حالة انتشار الأفكار “الجهادية” بصورتها العابرة للحدود في ظل انصهار مكونات وأفكار متعددة، وتبرز كيانات أو أفكار أكثر تشدداً، إذ أسفرت حالة السيولة الأمنية وانتشار الصراعات المسلحة والحروب الأهلية في المنطقة العربية عن ظهور تنظيم “داعش” بتوجهاته المغايرة لتنظيم “القاعدة”.

5- احتمالات استقطاب “داعش والقاعدة” عناصر جديدة: قد يستفيد تنظيما “داعش والقاعدة”، من حالة السيولة في انخراط عناصر إسلاموية في الحرب الروسية الأوكرانية، باستقطاب بعض من تلك العناصر خلال الفترة الحرب، تمهيداً لتوظيفهم في مخططات موجات عنف وإرهاب، سواء بمناطق القوقاز وآسيا الوسطى أو توجيههم إلى مناطق نفوذ وسيطرة تنظيم “داعش” بآسيا أو إفريقيا.

وربما يكون هذا الاحتمال ليس مستبعداً، في ضوء تقديرات غربية تشير إلى انخراط نحو 8500 عنصر من روسيا وآسيا الوسطى إلى ساحات الصراع المسلح، وتحديداً في العراق وسوريا، مع التنظيمات الجهادية المسلحة.

ضعف التحكم

وأخيراً، رغم التخوفات من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أكثر من مستوى، وما يرتبط بها من ظواهر أمنية مقلقة، فإن الانخراط المتزايد لكيانات وعناصر إسلاموية، مع استمرار الحرب، قد يؤدي إلى ضعف قدرات أوكرانيا والمعسكر الغربي في التحكم بالعناصر المنخرطة في تلك الكيانات عقب انتهاء الحرب، بما يشكل تحديات أمنية قد تتجاوز حدود منطقة القوقاز وآسيا الوسطى.

ويبقى أن الانخراط المتزايد لعناصر إسلاموية، وتحديداً تلك التي شاركت في الصراعات المسلحة، وتحديداً المجموعات المنتقلة من سوريا، يعزز من قدرات الجيش الأوكراني والكتائب الأخرى الموالية من غير المسلمين في مواجهة القوات الروسية، في ضوء ما تتمتع به تلك العناصر من خبرات ميدانية على مستوى حروب المدن وأعمال التفخيخ.