استراتيجيّة الاستنزاف:
تداعيات الهجمات الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية بالمنطقة

استراتيجيّة الاستنزاف:

تداعيات الهجمات الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية بالمنطقة



ربما تفرض الهجمات الإسرائيلية المستمرة ضد إيران والمليشيات الموالية لها في الشرق الأوسط تداعيات عديدة يتمثل أبرزها في اتجاه تلك الأطراف إلى استهداف مصالح إسرائيل في مناطق جديدة، وتصاعد هجمات المليشيات العراقية والسورية ضد إسرائيل، واتجاه إيران إلى اتخاذ خطوات جديدة لتطوير برنامجيها الصاروخي والنووي، واستمرار تهديدات المليشيا الحوثية لاستقرار الملاحة في البحر الأحمر.

صحيفة “كيهان” (الدنيا): الجريمة والاغتيال لن يمرا دون رد، ولن ينقذا إسرائيل من المستنقع

تواصل إسرائيل سياستها القائمة على تصفية الحسابات مع كل الأطراف التي تتهمها بدعم حركة حماس، سواء بالضلوع في تخطيط وتمويل عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها “كتائب القسام” في 7 أكتوبر الماضي، أو بمحاولة الانخراط في مواجهات محدودة معها لتخفيف الضغط على حماس في قطاع غزة.

وفي هذا السياق، وجهت تل أبيب ضربة جديدة لطهران، في 20 يناير الجاري، بعد أن استهدفت حي المزّة بالعاصمة السورية دمشق، على نحو أدى إلى مقتل 13 شخصاً منهم خمسة إيرانيين، كان في مقدمتهم قائد استخبارات الحرس الثوري في سوريا حجة الله أميدوار، ونائبه علي أغا زاده. وبالتوازي مع ذلك، تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في لبنان، لاستهداف بعض قيادات حزب الله، على غرار العملية التي نفذتها، في 21 يناير الجاري، ونجا منها قيادي رفيع المستوى في الحزب.

وتضاف هذه العمليات إلى ما سبق أن قامت به إسرائيل من هجمات ضد قيادات إيرانية وأخرى تابعة للمليشيات الموالية لطهران، على غرار القيادي في الحرس الثوري رضي موسوي الذي اغتالته إسرائيل في 25 ديسمبر الفائت، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري الذي قتل في 2 يناير الجاري، والقيادي في حزب الله حسين يزبك الذي قتل بعد ذلك بيومين.

صحيفة “وطن امروز”: الباليستي في عين الأسد

انعكاسات مباشرة

ربما تفرض سياسة الاغتيالات والهجمات المستمرة من جانب إسرائيل انعكاسات مباشرة يتمثل أبرزها في:

1- استهداف مصالح إسرائيلية في مناطق جديدة: قد تسعى إيران والمليشيات الموالية لها إلى توسيع نطاق عمليات استهداف المصالح الإسرائيلية لتمتد إلى مناطق جديدة، على غرار منطقة الخليج العربي، وهو ما يمكن أن تعتبره إيران يخدم أجندتها من ناحيتين: الأولى، رفع كلفة العمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل ضد قياداتها وأذرعها في المنطقة. والثانية، توجيه رسائل تهديد مباشرة إلى الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في الفترة الماضية، على غرار الإمارات والبحرين، أو الدول التي يمكن أن تكون مرشحة للانخراط في المسار نفسه، وفي مقدمتها السعودية، خاصة أن هذه الاتفاقيات أثارت مخاوف عديدة داخل إيران التي اعتبرت أنها المستهدف الأساسي منها، على أساس أن إسرائيل تسعى -وفقاً للمقاربة الإيرانية- إلى دفعها للانكماش داخل حدودها ومحاصرتها من جميع الجهات تقريباً.

2- رفع مستوى العمليات التي تشنّها المليشيات العراقية والسورية: قد تلجأ المليشيات الموالية لإيران إلى رفع مستوى العمليات العسكرية التي تقوم بشنها، سواء ضد الولايات المتحدة الأمريكية أو ضد إسرائيل. وقد كان لافتاً أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت حاضرة في العملية العسكرية الأخيرة التي شنتها إسرائيل وأسفرت عن مقتل قائد استخبارات الحرس الثوري في دمشق، حجة الله أميدوار.

إذ أشارت تقارير عديدة إلى أن الأخير كان مسؤولاً عن تنسيق الهجمات التي تتعرض لها القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، إلى جانب الهجمات التي يتم تنفيذها ضد إسرائيل. وهنا، فإن إيران ربما تعتبر أن هذه العملية تمت بتنسيق كامل بين واشنطن وتل أبيب باعتبار أن لواشنطن مصلحة أساسية في التخلص من أميدوار، في ظل تصاعد حدة الهجمات العسكرية التي تتعرض لها قواعدها في العراق وسوريا.

3- اتخاذ خطوات جديدة لتطوير البرنامجين النووي والصاروخي: دائماً ما تحرص إيران على أن ينحصر ردها على الضربات التي تتعرض لها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في النطاق العسكري. إذ إنها ترى أن قسماً من هذا الرد يمتد أيضاً إلى الملفات الأكثر خطورة والتي تُثير قلقاً بالغاً لدى واشنطن وتل أبيب، ولا سيما البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية.

وفي هذا السياق، كان لافتاً أن إيران بالتوازي مع تصاعد الهجمات العسكرية التي تشنها إسرائيل ضدها وضد المليشيات الموالية لها، أعلنت، في 20 يناير الجاري، عن إطلاق قمر صناعي جديد باسم “ثريا” إلى الفضاء وبلوغه مداره على بعد 750 كم، عبر الصاروخ “قائم 100″، وهي المرة الأولى التي تنجح إيران في إطلاق قمر صناعي لمسافة أبعد من 500 كم.

وهنا، فإنّ إيران تسعى من جديد إلى الترويج لقدراتها العسكرية، ولا سيما في مجال الصواريخ الباليستية، التي ترى أنها تمثل الذراع الطولى التي تمتلكها ويمكن أن ترد من خلالها على أي عمل عسكري مباشر ضدها، وهي الرسالة نفسها التي سعت إلى توجيهها عبر الضربات التي شنتها في كل من العراق وسوريا بواسطة الصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار في 15 يناير الجاري.

فضلاً عن ذلك، ربما تتخذ إيران مزيداً من الإجراءات الاستفزازية على صعيد تطوير الأنشطة النووية، خاصة بعد أن رفعت كمية اليورانيوم المخصب بنسب مختلفة لتصل إلى 22 ضعف ما هو منصوص عليه في الاتفاق النووي، حيث بلغت هذه الكمية، حسب التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي صدر في 15 نوفمبر الماضي، 4.486 كلجم، في حين أن الاتفاق النووي يقضي باحتفاظها بـ202.8 كلجم فقط.

4- استمرار التهديدات الحوثية لاستقرار الملاحة في البحر الأحمر: ربما تدفع تلك الضربات العسكرية التي تواصل إسرائيل توجيهها إلى إيران وأذرعها، مليشيا الحوثيين إلى مواصلة تهديداتها في البحر الأحمر ضد السفن الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل، في سياق ردها على الضربات العسكرية التي تواصل الولايات المتحدة الأمريكية شنها ضد مواقعها في بعض المحافظات اليمنية على غرار صنعاء وصعدة والحديدة وتعز وحجة.

وهنا، ربما يكون هامش الخيارات المتاح أمام المليشيا الحوثية أكبر مقارنة بحزب الله اللبناني، الذي ما يزال حريصاً على ضبط مستوى ردوده على الضربات العسكرية التي توجهها إسرائيل سواء ضد قياداته أو داخل لبنان بشكل عام لاستهداف قيادات فصائل ومليشيات أخرى على غرار ما حدث مع العاروري.

وقد كان لافتاً أن الضغط الذي تمارسه إسرائيل عبر هذه الضربات داخل لبنان دفع الحزب إلى وضع سقف لانخراطه في المواجهات بشكل عام، رغم أن ذلك لم يدفع إسرائيل إلى تقليص مستوى التصعيد ضده، على نحو بدا جلياً في التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، في 22 يناير الجاري، والتي قال فيها إن إسرائيل لن توقف إطلاق النار حتى لو أوقفه حزب الله، مشيراً إلى أن “الحرب ستكون صعبة بالنسبة لإسرائيل، لكنها ستكون مدمرة بالنسبة لحزب الله ولبنان”.

الصبر الاستراتيجي

رغم كل الضغوط التي تتعرض لها إيران بسبب تصاعد حدة العمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل ضدها، خاصة في سوريا؛ إلا أن ذلك لا يبدو أنه سوف يدفع إيران إلى تغيير سياستها الحالية القائمة على ما أطلق عليه المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي “الصبر الاستراتيجي”. إذ ترى إيران أن إسرائيل تدفعها بقوة للانخراط بشكل مباشر في الحرب الحالية، وهو مسار لا يتوافق مع حسابات ومصالح إيران في الوقت الحالي، ومن ثم فإنها -في الغالب- سوف تعمل على تبني المقاربة نفسها القائمة على إدارة تصعيد منضبط مع إسرائيل، يتضمن توجيه ضربات قوية لها لكن دون أن تصل إلى حد التورط في حرب مباشرة معها.