مسارات متعارضة:
تداعيات الخلافات حول خريطة الطريق الليبية

مسارات متعارضة:

تداعيات الخلافات حول خريطة الطريق الليبية



لم يعد التوافق بين مجلسى النواب والدولة الليبيين على خريطة الطريق المؤدية للانتخابات كافياً. فبمجرد الانتهاء من جلسة مجلس النواب التي اعتمدت مخرجات اللجنة القانونية المشتركة (6+6) بين المجلسين، أصدرت البعثة الأممية لدى ليبيا برئاسة عبد الله باتيلي بياناً اعتراضياً على هذا المسار حذرت فيه من عواقب وخيمة جراء أي مبادرات فردية لمعالجة الانسداد السياسي، مشيرة إلى الحاجة إلى المزيد من التوافق السياسي الليبي حول تلك الخطوة وأن باتيلي سيتواصل مع الأطراف والقوى المختلفة من دون تحديد هويتهم، وختمته بالإشارة إلى ملاحظاته بشأن المخرجات التي تضمنتها قوانين الانتخابات. وفي المقابل، قال مجلس النواب إنه يرفض إملاءات البعثة الأممية ودعاها إلى دعم خريطة الطريق المعتمدة، في مؤشر على سيناريو احتمالي لتأزم العلاقة ما بين الطرفين.

دلالتان رئيسيتان

في هذا الإطار، تشير العديد من المصادر والتقديرات الليبية إلى أن ثمة دلالتين يطرحهما اعتراض البعثة الأممية على خريطة الطريق التي اعتمدها البرلمان وهما:

1- غياب الرؤية الواضحة لدى البعثة الأممية بشأن خريطة الطريق: فعلى الرغم من أن خطوة اعتماد مجلس النواب لخريطة الطريق الانتخابية كانت معلومة سلفاً، إلا أن البعثة الأممية في المقابل لم تعلن عن ماهية الملاحظات التي تمت الإشارة إليها في بيانها على قرار مجلس النواب بشأن اعتماد خريطة الطريق، وهو ما تفسره العديد من التقديرات وتصريحات برلمانيين ليبيين بأن البعثة لم يكن لديها الرؤية البديلة، وفي نفس الوقت تسعى إلى تعطيل هذا المسار حالياً كونها لم تكن تتوقع حدوث توافق ما بين المجلسين في أعقاب لقاء بوزنيقة الذي جمع اللجنة القانونية المشتركة (6+6)، حيث لم يحضر رئيسا المجلسين لتوقيع تلك المخرجات، كما أبديا ملاحظات كانت تشير إلى احتمالات تعثره قبل أن يتفاداها هذا الوضع.

2- نوايا البعثة المعلنة في تشكيل مسار موازٍ: فالمبعوث الأممي كان قد أعلن في إفادته أمام مجلس الأمن في أبريل الماضي عن أنه سيعمل على تشكيل لجنة عليا، وهي اللجنة التي نظر إليها العديد من المراقبين باعتبارها لجنة ذات صلاحية فوقية ومن غير الواضح آلية تشكيلها، وكيفية تعاملها مع مخرجات خريطة الطريق التي يمكن أن تصدر عن مسار المجلسين. وبحسب وجهة نظر النواب من المجلسين، فإن هذه الازدواجية لا يمكن أن يسفر عنها التوافق المطلوب، بل يمكن أن تُرحِّل العملية السياسية التي تستعجلها الأطراف الليبية إلى أجل غير مسمى.

متغيران أساسيان

لكن في مقابل ذلك، هناك وجهة نظر ترى أن ثمة متغيرين يدعمان موقف البعثة وهما:

1- مساندة موقف مفوضية الانتخابات بشأن القانون: كشفت المفوضية العليا للانتخابات عن صعوبات بشأن تنفيذ العملية الانتخابية وفقاً للإجراءات التي تمت الإشارة إليها من الناحية اللوجستية من جهة، كما اعتبرت من جهة أخرى أن الصيغ القانونية الواردة في خريطة الطريق ستفتح الباب أمام طعون عديدة بعد العملية الانتخابية، وألمحت البعثة لاحقاً إلى أنه كان يتعين أخذ هذه الملاحظات في الحسبان. وفي سياق الجدل على تلك الملاحظات، ظهرت مطالبات من بعض النواب بتغيير رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح، كما تم تجاوز تلك الملاحظات من جانب مجلس النواب، الذي ينظر للمفوضية كجهة تنفيذية بمجرد إحالة القوانين الانتخابية إليها.

2- إنتاج حكومة ثالثة بما يتعارض مع عملية تأسيس حكومة موحدة: أشارت بعض التقديرات الليبية إلى المخاوف الأممية من الصدام مع حكومة الوحدة الوطنية التي ترفض عملية تسليم السلطة، خاصة وأن رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري كان قد أشار إلى وجود إمكانية للضغط على حكومة الوحدة من دون أن يكشف عنها، فيما يعتبرها مجلس النواب حكومة منتهية الولاية. لكن في ظل وجودها سيصعب إنهاء حكومة شرق ليبيا، ومن ثم فإن مقترح توسيع الحوار عبر لجنة باتيلي كان مبرره هو حدوث أكبر قدر من التوافق على مجمل العملية السياسية وليس فقط القوانين الانتخابية، وبالتالي حل معضلة السلطة التنفيذية عبر آلية الحوار المقترحة، ومنح باتيلي الفرصة لتسويقها دولياً للحصول على اعتراف لها بالمشروعية الدولية.  

الخطوة التالية

تعكس محصلة مواقف البعثة الأممية ومجلسي النواب والدولة الليبيين وصول الطرفين إلى مأزق تسوية الخلاف، وهو ما يمكن تناوله في السياق التالي:

1- إشكالية العودة لمسار باتيلي: فبعد اعتماد القوانين من مجلس النواب ومن قبله مجلس الدولة، سيكون من الصعوبة بمكان تجديد النقاش أو فتح المجال حولها مرة ثانية، وهو ما أكد عليه رئيس لجنة (6+6) من مجلس النواب جلال الشويهدي، الذي أشار إلى صعوبة أخذ ملاحظات البعثة والتي لم يقبل بها الشعب الليبي على حد قوله، وبالتالي يدخل الطرفان في منعطف إشكالية السيادة الوطنية وحدود صلاحيات كل منهما. فضلاً عن أن إعادة الطرح قد يفجر الخلاف مجدداً ما بين المجلسين. وعلى الأرجح، سيواجه باتيلي هو الآخر معضلة الخطوة التالية على الرغم من وجاهة المخاوف التي يطرحها بغض النظر عن التشكيك في نواياه من جانب العديد من الأطراف والقوى السياسية.  

2- تحدي تنفيذ خطة خريطة الطريق البرلمانية: تحتاج خريطة الطريق البرلمانية إلى دعم دولي للتنفيذ في ضوء معطيات الحالة الليبية. وفي ظل الفيتو الصادر عن البعثة على خريطة الطريق البرلمانية، ستظهر العديد من التحديات أمام خطة المجلسين، لا سيما خطوة تشكيل الحكومة الموحدة على نحو ما سلفت الإشارة، وهي نقطة ستستفيد منها بالتبعية حكومة الوحدة الوطنية، ففي ظل الخلاف بين الطرفين على وجود حكومة جديدة غير معترف بها دولياً سيتحول الأمر إلى مجرد إجراء مفرغ من مضمونه، وبالتبعية باقي الخطوات التالية الخاصة بالعملية الانتخابية.

استحقاق مؤجل

إجمالاً، من المتصور أن المشهد الليبي يراوح بين توجهين متعارضين، أحدهما يمثله مجلسا النواب والدولة وتؤيده اللجنة العسكرية المشتركة، ويرى أن ما جرى من اعتماد خريطة الطريق يشكل خطوة على مسار الانفراجة السياسية، باعتبارها تجسيداً لآليات الحل الوطني الليبي. والثاني تمثله البعثة الأممية، وينظر إلى خطوة المجلسين باعتبارها حجر عثرة في طريق حل الانسداد الراهن في العملية السياسية.

وفي حين سيواجه الطرفان مأزق الخطوة التالية، فإن السيناريو المحتمل أقرب إلى محاولة كل طرف كسب مؤيدين لموقفه من جهة وربما محاولة البحث عن مخرج من المأزق بما يمكن الأطراف من إيجاد بدائل من جهة أخرى. فالبعثة قد تلجأ إلى آلية الحوار، لكن سيتعين عليها في الوقت ذاته تفادي إعادة طرح خريطة الطريق للنقاش. أما البرلمان ومجلس الدولة فسيكون أمامهما معضلة تمرير الخطوة بمرونة من دون الصدام مع المجتمع الدولي عبر البعثة، وبالتالي فتح الحوار مع البعثة نفسها للبحث عن مخرج توافقي.

لكن المعضلة الأكبر تكمن في صعوبة توصل الطرفين إلى حل وسط يخرجهما من المأزق الحالي، وهو ما سيصيب العملية السياسية المتعثرة في ليبيا بالجمود مرة أخرى، وبالتالي تُرحَّل العملية الانتخابية إلى أجل غير مسمى. وفي حين تراجعت الآمال بإمكانية إجراء الانتخابات الليبية خلال العام الجاري، فقد يكون من الصعوبة بمكان إعادة ضبط التوقيت الذي يمكن من خلاله الحديث عن أفق للعملية السياسية ومن ثم صعوبة وجود أفق للانتخابات الليبية في المدى القريب.