تصعيد شائك:
تداعيات التصعيد بين الولايات المتحدة والفصائل الموالية لإيران على أمن العراق

تصعيد شائك:

تداعيات التصعيد بين الولايات المتحدة والفصائل الموالية لإيران على أمن العراق



ثمّة حالة من التصعيد بين الولايات المتحدة والفصائل الموالية لإيران، وخاصة بعد حرب غزة الخامسة، وهو ما يُلقي بتأثيراته على أمن العراق، ولا سيما بعد إدراج واشنطن بعض تلك الفصائل، مثل قادة كتائب حزب الله العراقي، إلى جانب كتائب سيد الشهداء والأمين العام لها المكنى “أبو آلاء الولائي”، على اللائحة الخاصة بالإرهاب، الأمر الذي يرتبط بأبعاد عديدة منها المساس بهيبة القوات الأمريكية بالخارج، والخوف من تحول العراق إلى معسكر يُهدد مصالح واشنطن وحلفائها، وإعطاء رسائل بجاهزية الانخراط الأمريكي في قضايا المنطقة، وازدياد فرص اتساع رقع المواجهات الأمريكية في الشرق الأوسط، فضلاً عن جر بغداد إلى أزمة سياسية وأمنية ضاغطة، وسعي واشنطن لتقليص خطوط التعاون الإقليمي بين المليشيات الموالية لإيران.

أعلنت الولايات المتحدة، في 17 نوفمبر الجاري، إدراج 6 شخصيات من قادة كتائب حزب الله العراقي، إلى جانب كتائب سيد الشهداء والأمين العام لها المكنّى “أبو آلاء الولائي”، على لائحتها الخاصة للإرهاب، ما يتوازى مع التطورات الأخيرة المُتعلقة بتصاعد أنشطة المليشيات المدعومة من إيران على خلفية نشاط هجمات الأخيرة بالطائرات المسيرة ضد القوات العسكرية الأمريكية بالعراق وسوريا، وتقاطعها مع مصالح واشنطن بالشرق الأوسط، وذلك في ضوء توجهات طهران نحو توظيف أدواتها لتوسيع دوائر التوتر الأمريكية بالمنطقة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ كتائب حزب الله تعد من أبرز القوى المسلحة في الحشد الشعبي العراقي، وتتخوف الولايات المتحدة من نفوذها المتصاعد المُنذر بتعضيد خطورة خط الامتداد العسكري واللوجستي بين إيران وحزب الله اللبناني مروراً بسوريا والعراق. فوفقاً لقرار التصنيف فإن الشخصيات المُدرجة حديثاً على لائحة الإرهاب من حزب الله هم من المسؤولين عن جناح العمليات المسلحة ضد الأهداف الأمريكية بالمنطقة، وكذلك دعم تدريب العناصر عبر فيلق القدس، فيما تنطبق المخاوف ذاتها على كتائب سيد الشهداء التي تُشكل اللواء 14 في الحشد الشعبي.

مُلابسات تصعيدية

يُمكن فهم أبعاد القرار الأمريكي عبر تسليط الضوء على ما يجري حالياً في العراق من تصعيد عسكري متبادل بين واشنطن والقوى المدعومة من إيران، إذ يُنفذ الطرفان هجمات متفرقة تُستغل إعلامياً وسياسياً بما يؤثر على أمن واستقرار البلاد.

1- تنفيذ واشنطن ضربات عسكرية ضد الفصائل الموالية لطهران بالعراق: نفذت القوات الأمريكية، في 22 نوفمبر الجاري، سلسلة من الضربات ضد موقعين في البلاد، وقالت القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى (سنتكوم) إنها فعلت ذلك رداً على الهجمات التي استهدفت قواتها من جماعات مدعومة من إيران.

فيما أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع بات رايدر أن بلاده لها حق الدفاع عن نفسها وذلك عقب ضربة أمريكية أخرى لآلية تخص مليشيا تابعة لإيران، قيل إنها تورطت في الهجوم الذي نُفذ عبر صاروخ باليستي قصير المدى ضد قاعدة عين الأسد. واعترفت كتائب حزب الله بمقتل عناصر لها جراء تلك الضربات، مُهددة بمزيد من العمليات ضد الأهداف الأمريكية خلال المرحلة المقبلة.

2- تخوّف من مضاعفة هجمات المليشيات ضد الأهداف الأمريكية: أعلن البنتاجون تعرض القوات الأمريكية في العراق وسوريا إلى 66 هجوماً منذ 17 أكتوبر الفائت، مما تسبب في إصابات بين عناصر القوات، وأدى هذا الإعلان إلى انتقاد داخلي حول تراخي واشنطن في تأمين مصالحها من هجمات المليشيات التابعة لطهران، ويفسر ذلك بدوره رغبة الإدارة الأمريكية في إظهار رد فعل سريع لتقويض أي خطط محتملة لمهاجمة قواعدها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب مواقعها الدبلوماسية والاقتصادية.

3- إدانة الحكومة العراقية للتصعيد الأمريكي تجاه الفصائل المسلحة: اعترضت حكومة السوداني على الضربات الأمريكية، معتبرة إياها انتهاكاً للسيادة وأنها تتجاوز الأهداف المتفق عليها لمهمة التحالف ضد داعش، إذ يبلغ قوام القوات الأمريكية بالبلاد حوالي 2000 جندي يقدمون التدريب والتأهيل للجيش العراقي، ويساعدون في منع عودة التنظيم الإرهابي للساحة، ومن ثم طلب محمد شياع السوداني من الجيش تنفيذ القانون، ومنع أية جهة خارجية من توجيه ضربات داخل أراضي البلاد.

ويبقى جرّ العراق إلى صراع مع الولايات المتحدة في ظل ما تعانيه الأولى من ظروف معقدة من المتغيرات الشائكة للتصعيد الحالي، ولكن الإجابة عن نتائج ما ستؤول إليه الأزمة يعتمد على قدرة الحكومة الحالية تجاه صياغة مستقبل التنسيق بين الأجندة الوطنية للعراق ووكلاء القوى الإقليمية في البلاد، إلى جانب رؤية واشنطن لحدود حماية مصالحها وشركائها.

مخاوف شائكة

ترتبط ماهية القرارات الأمريكية الخاصة بوضع الكتائب العراقية وعناصرها على لوائح الإرهاب بالرغبة في استخدام المآلات القانونية والعسكرية للتصنيف من أجل تقويض المخاطر المتنامية لتلك القوى على مصالح واشنطن بالمنطقة، ولكن في الحالة الحالية يُحتمل أن يؤثر التصعيد العسكري الحاصل على أمن العراق، وهو ما يمكن رؤيته على النحو التالي:

1- الحفاظ على هيبة القوات الأمريكية بالخارج: إن خروج تصريح رسمي من البنتاجون حول عشرات الهجمات ضد القواعد العسكرية للبلاد في سوريا والعراق خلال وقت قصير كان يعني بالأساس أن هناك تبعات قررت الإدارة الأمريكية فرضها للحفاظ على صورتها بالمنطقة، لأن عدم الرد كان سُيفسر بانشغال واشنطن وعدم جديتها في ردع الاعتداء على مصالحها بالخارج، وهو ما من شأنه فتح المجال لاستهدافات أخرى عبر المليشيات المدعومة من إيران أو من غيرها، سواء بالشرق الأوسط أو في أي منطقة أخرى.

2- الخوف من تحول العراق لمعسكر إرهابي يهدد مصالح واشنطن وحلفاءها: تخشى الولايات المتحدة من تحول المنطقة لرقعة مليشيات خارجة عن السيطرة بدعم محلي وإقليمي ما يهدد مصالحها، وبالأخص إذا ما تعاونت الكيانات مع فروعها الممتدة من اليمن حتى لبنان، إلى جانب تجديد الرسائل الموجهة لإيران بأن أهدافها يمكن الهجوم عليها وفقاً لرؤية الردع الأمريكي.

3- إعطاء رسائل بجاهزية الانخراط الأمريكي في قضايا المنطقة: غلبت الحرب الأوكرانية الروسية على اهتمامات الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية، ولكنها أعطت عبر قراراتها الأخيرة رسائل بأن الشرق الأوسط لا يزال يُمثل أهمية كبرى لأمنها ومصالحها المشتركة مع حلفائها وبالأخص إسرائيل.

4- فرص اتساع رقع المواجهات الأمريكية في الشرق الأوسط: تحاول إيران الضغط على واشنطن عبر توسيع دائرة الصراع في المنطقة، ومضاعفة بؤر التوتر التي يجب على الحكومة الأمريكية التعامل معها، وبالتالي يستخدم البنتاجون الخيار العسكري لتقويض فرص هذا الاتساع.

5- جرّ بغداد لأزمة سياسية وأمنية ضاغطة: تُغلّف المليشيات هجماتها ضد المصالح الأمريكية بكونها رداً على دعم واشنطن لإسرائيل في حربها المُستعرة ضد غزة، ما يُحتمل توظيفه إعلامياً لتقويض قدرات الحكومة العراقية على امتصاص أزمة التصعيد الحالية ويضعها في مواجهة مع واشنطن، وبالأخص مع كون الحكومة جزءاً من المكون الشعبي المتعدد للمجتمع، أي أنها تحمل في داخلها اختلافات في الرؤى.

كما أنّ وجود الحشد الشعبي بما فيه من فصائل تابعة لإيران كجزء من أدوات الجيش يُعقد من وحدة القرار والحفاظ عليه بالعراق، حتى مع تأكيد رئيس الوزراء أن الحكومة فقط هي من يمتلك القرار فيما يخص ملفات الداخل والخارج وتحديداً تداعيات حرب غزة، وظهر ذلك في التباين بين خطاب الحكومة المتغير اللهجة وبين نشاط الفصائل المسلحة على الأرض.

6- تقليص خطوط التعاون الإقليمي بين المليشيات الموالية لإيران: تسعى الإدارة الأمريكية إلى تقويض فرص التعاون بين إيران والقوى التابعة لها ولا سيما فروع كتائب حزب الله بالمنطقة وحركة النجباء التي أعلنت الاستمرار في مهاجمة مصالح واشنطن والانخراط في مصالح الأجندة الدولية على حساب مصالح الداخل.

خيارات مختلفة

وأخيراً، يمكنالقول إن سيناريو تصعيد الهجمات ضد القواعد العسكرية الأمريكية من قبل الفصائل المسلحة في العراق سيتنامى خلال المرحلة المقبلة، ولكن قدرته على التأثير المباشر من حيث إيقاع عدد كبير من الضحايا لا يبدو على الدرجة ذاتها من الترجيح وإن كان مطروحاً، مما يُرجح معه زيادة التوترات السياسية والأمنية في البلاد.

وبالتالي فإن قدرة الحكومة على التأثير على الفصائل المسلحة وضبط إيقاع عملياتها سيخدم تهدئة الأزمة، كما أن تحديد خياراتها حيال الأجندة الدولية والمحلية سيؤثر على مستقبلها ومسار الاستقرار السياسي في البلاد. وفيما يخص التوجهات الأمريكية فسترتبط بمصالحها الخاصة، سواء في التصعيد أو في البحث عن مواقف متوافقة.