أدت شدة العنف وما أفضت إليه من قتل وتدمير في المواجهة الحالية في قطاع غزة إلى ردود أفعال في الساحة الدولية، وبالذات على صعيد الرأي العام العالمي. وقد اتخذت ردود الأفعال هذه في البداية شكلَ مظاهرات حاشدة تحتج على قتل المدنيين وتقويض أبسط مقومات حياتهم. وامتدت هذه المظاهرات إلى العديد من المدن الأوروبية والأميركية، وبلغت درجةً من الشدة أفضت إلى بداية تحولات في المواقف الرسمية حتى من قِبَل أكثر الدول تأييداً لإسرائيل، وهي الولايات المتحدة، فرأينا محتوى الخطاب السياسي الأميركي يتغير، كما رأينا في الرفض الصريح لتهجير سكان غزة، والتأكيد على ضرورة التسوية السياسية متمثلةً في «حل الدولتين»، والأهم ما اتضح من ضغوط أميركية غير معلنة على إسرائيل انتهت بهذه الأخيرة إلى قبول الهدنة المؤقتة، كما أشار لذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي صراحة في إعلان موافقته على الهدنة الأولى. كذلك امتد التحول في المواقف الرسمية إلى الدول الأوروبية، ولا أُشير في هذا الصدد إلى الموقف الأيرلندي القريب دائماً إلى المواقف العربية، ولكن إلى موقف الرئيس الفرنسي الذي انتقل من المطالبة بتشكيل تحالف دولي يدعم إسرائيل على غرار التحالف الذي قضى على «دولة داعش» إلى التصريح بأن القصف الإسرائيلي بات يستهدف المدنيين من النساء والأطفال، داعياً إسرائيل إلى التوقف عن ذلك. كما أكد رئيس الوزراء البريطاني، خلال كلمته بالقمة الدولية لأمن الغذاء في لندن في العشرين من الشهر الجاري، أن الأوضاع في غزة مأساوية وتزداد سوءاً، وأن ثمة حاجة لدخول المساعدات الإنسانية، وأوضح أن بلاده تضغط مِن أجل دخول هذه المساعدات دون عوائق إلى غزة، ومضاعفتها وإيصال الغذاء والوقود والدواء.. غير أن معبر رفح المصري شهد يوم الجمعة الماضية تطوراً لافتاً في المواقف الأوروبية. فعقب زيارتهما لمصر والتقائهما الرئيس عبد الفتاح السيسي قام رئيسا الوزراء البلجيكي والإسباني بزيارة لمعبر رفح حيث عقدَا مؤتمراً صحفياً، وفي ذلك المؤتمر طالب رئيس الوزراء البلجيكي بوقف دائم لإطلاق النار، وصرَّح بأن الحل الوحيد هو الحل السياسي، ودعا إسرائيل إلى احترام القانون الإنساني الدولي، وإلى التوقف عن قتل المدنيين مشدداً على أن تدمير القطاع أمر غير مقبول. أما رئيس الوزراء الإسباني فقد اعتبر وقف إطلاق النار خطوة إيجابية، لكنها غير كافية، مشدداً على أهمية إقرار وقف إطلاق نار دائم، وإتاحة ممرات آمنة لدخول المساعدات إلى غزة، وعلى ضرورة إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين داعياً إلى «حل الدولتين» ومشيراً إلى أن إسبانيا قد تتخذ قرارَها الخاص حول الاعتراف بدولة فلسطين إذا لم يفعل الاتحاد الأوروبي ذلك. وقد أثارت هذه التصريحات غضب إسرائيل فاستدعى وزيرُ خارجيتها سفيري بلجيكا وإسبانيا لدى إسرائيل «لتوبيخهما». غير أن مصادر وزارتي الخارجية في البلدين أكدت التمسك بالمواقف السابقة. وتَبعث هذه التحولات في المواقف الأوروبية وغيرها الأملَ في زيادة الضغوط الدولية على إسرائيل من أجل قبول وقف إطلاق نار دائم، خاصة وقد واجهت صعوبات حقيقية في القتال قبل توقفه. ومع ذلك فإن تنفيذ اتفاق الهدنة مازال يتم بصعوبة وسط تهديدات إسرائيلية بالعودة للقتال بعد انتهاء الهدنة مباشرة، أو حتى إذا حدث خرق لها من الجانب الفلسطيني.
نقلا عن الاتحاد