تحافظ الصين على مسار بكين في الشرق الأوسط. لا تريد لزخم الإتفاق الذي أشرفت عليه لمعاودة العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران أن يفقد حيويته، فكان الإجتماع بين وزيري الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان والإيراني حسين أمير عبد اللهيان الخميس في العاصمة الصينية أيضاً، من أجل إعطاء دفعة للإنجاز الإستراتيجي الذي حققته الصين في المنطقة.
كيف يترجم ذلك على الأرض؟ وفدان إيرانيان سيتوجهان قبل نهاية الأسبوع إلى الرياض وجدة “بهدف التحضير لمعاودة العلاقات” الثنائية. والحدث الأبرز كان زيارة وفد سعودي لصنعاء الأحد لإجراء مباحثات مباشرة مع الحوثيين حول عملية السلام. وعملية تبادل الأسرى التي أتفق عليها في جنيف بدأت فعلياً وإن كانت بوتيرة بطيئة.
وعلى وقع زخم إتفاق بكين، تتسارع وتيرة الإنفتاح العربي على سوريا، والذي من المتوقع أن يتوج بتوجيه السعودية دعوة للرئيس السوري بشار الأسد الى حضور القمة العربية في الرياض في 19 أيار (مايو) المقبل.
وبينما التطورات الإقليمية تنحو منحى إيجابياً نحو المصالحات والتوافقات برعاية صينية على المسار السعودي-الإيراني، تضغط روسيا بقوة من أجل تحقيق إختراق على المسار السوري-التركي. ومن هنا أتت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الجمعة لتركيا، وكان سبقها الأسبوع الماضي إنعقاد إجتماع على مستوى نواب وزراء الخارجية لدول منصة أستانا (روسيا وتركيا وإيران) زائد سوريا. ويعتبر هذا تمهيداً لعقد إجتماع بين وزيري الخارجية السوري فيصل المقداد والتركي داود جاويش أوغلو. وتحاول موسكو تحقيق إنجاز على هذا الصعيد قبل الإنتخابات التركية في 14 أيار المقبل. هناك توقعات بأن إحتمال فوز مرشح المعارضة كمال كليتشيدار أوغلو، قد يعقد مسار التطبيع بحكم كونه أكثر ميلاً الى السياسات الأميركية.
وسط هذه الديناميات المتسارعة، بعثت واشنطن برسالة لا لبس فيها، بأنها غير عازمة على التخلي عن مصالحها في الشرق الأوسط، في ظل صراع متأجج على النفوذ مع الصين، على مساحة العالم. وجاء ذلك عبر الإعلان الأميركي عن إرسال غواصة تعمل بالوقود النووي إلى مياه الخليج.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أكثر من حدث يدل على تراجع النفوذ الأميركي. مثلاً كيف يمكن تفسير الإستقلالية التي تقرر بها دول تحالف “أوبيك+” خفض الإنتاج من دون التشاور المسبق مع أميركا. ومع دخول الغواصة الأميركية مياه الخليج، كانت بارجتان روسيتان ترسوان في مرفأ جدة السعودي.
ومن المعلوم أن المصلحة الأميركية الأولى في المنطقة في السنوات الأخيرة كانت لا تزال تتمثل في منع إيران من الحصول على السلاح النووي، وهي لم تفقد الأمل بعد بإمكان التوصل إلى إتفاق لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015. وهي تعتقد أن ممارسة الضغوط على إيران، هي الرافعة التي يمكن أن تجعل إيران تقبل في نهاية المطاف بالعودة إلى الإتفاق.
لكن أخذاً في الإعتبار ان تعميق العلاقات بين إيران وروسيا والصين، قد وفر لطهران مخرجاً للصمود في مواجهة العقوبات الأميركية، كما أن معاودة العلاقات بين إيران ودول الخليج العربية، قد حدًت من تأثير العقوبات الأميركية ووفرت لإيران مساحة أكبر للمناورة.
في ضوء هذه المناخات قررت أميركا تذكير طهران، ومن خلفها روسيا والصين، بأنها لم تتخلَ عن إحتمال اللجوء إلى القوة لمنع طهران من الحصول على القنبلة النووية، وإن كانت لا تزال تفضل سلوك السبل الدبلوماسية، عبر عدد من القنوات الخلفية، التي تعمل على تقريب المواقف بين واشنطن وطهران.
تعمدت واشنطن إرسال الغواصة في توقيت لافت. وهي إن كانت لا تزمع خوض معركة قلب مناخات التوافق التي ترعاها الصين وروسيا، فإنها تريد حماية مصالحها وأولها إحياء الإتفاق النووي مع إيران.
نقلا عن النهار العربي