عوامل مكملة:
لماذا تصاعدت هجمات حركة شباب المجاهدين في “مقديشو”؟

عوامل مكملة:

لماذا تصاعدت هجمات حركة شباب المجاهدين في “مقديشو”؟



عادت حركة الشباب الصومالية من جديد لتطل برأسها على المشهد الأمني الصومالي، حيث صعدت من هجماتها الإرهابية على العاصمة الصومالية “مقديشو”، ولا سيما بعد اتفاق القوى السياسية الصومالية في 9 يناير الجاري على الانتهاء من انتخابات مجلس النواب في غضون 40 يوماً بداية من 15 يناير، حيث ستختار المجالس الإقليمية أعضاء مجلس الشيوخ، وبعد ذلك يختار شيوخ العشائر أعضاء مجلس النواب، الذين سيختارون فيما بعد رئيساً جديداً للبلاد. بينما نفذت الحركة، مع بداية النصف الثاني من شهر يناير الجاري، سلسلة من الهجمات الإرهابية داخل العاصمة، واستهدفت مواقع عسكرية ومباني حكومية ومراكز شرطية وأمنية، فضلاً عن استهداف المسؤولين السياسيين، لا سيما الهجوم الذي استهدف اغتيال المتحدث الرسمي باسم الحكومة الصومالية، والهجمات المستمرة على المدن الأخرى القريبة من العاصمة. وهو ما يثير تساؤلات حول دلالات تصاعد الهجمات الإرهابية للحركة على العاصمة الصومالية “مقديشو”، والسيناريوهات المحتملة.

تكثيف الهجمات

بعد تراجع عملياتها الإرهابية والاغتيالات التي نفذتها ضد المسؤولين الصوماليين خلال العام الماضي، عادت الحركة إلى سابق عهدها بتكثيف هجماتها على العاصمة مقديشو. وفي 19 يناير الجاري، نفذت الحركة عملية انتحارية بالقرب من معسكر تدريب للجيش الصومالي، أسفر عن مصرع أربعة أشخاص وإصابة آخرين. فضلاً عن الهجوم الذي استهدف اغتيال المتحدث الرسمي باسم الحكومة الصومالية في 16 يناير، والهجمات المستمرة على المدن الاستراتيجية القريبة من العاصمة.

وقد جاءت هذه الهجمات في سياق سياسي وأمني مضطرب وحالة من الانقسام السياسي والصراع بين القوى السياسية، استغلته الحركة في تعزيز حضورها، والإعلان عن وجودها وقدرتها على الصمود وتصدرها المشهد الأمني. ناهيك عن تنامي أزمة الثقة بين الحكومة الصومالية والاتحاد الإفريقي، حيث تطالب الحكومة الصومالية بضرورة خروج القوات الأجنبية من البلاد وتسليم مهمة مكافحة الإرهاب للقوات الصومالية، وهو ما أربك المشهد الأمني وأثّر سلبياً على العمليات التي كانت تنفذها القوات الصومالية والقوات الإفريقية الدولية ضد حركة الشباب، وخاصة في المناطق الجنوبية ووسط الصومال.

ناهيك عن تأثير مغادرة القوات الحكومية الصومالية، في ديسمبر الماضي، مما ساعد على تصاعد الهجمات الإرهابية للحركة من أجل السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي الصومالية. وفي الوقت نفسه، استغلت حركة الشباب تصاعد الخلافات بين الحكومة الصومالية وتنظيم “أهل السنة والجماعة”، وهو التنظيم الذي اعتمدت عليه الحكومة في السابق في مواجهة حركة الشباب الصومالية، حيث عاد هذا التنظيم بقوة منذ أكتوبر الماضي، ويسعى لتحقيق مكاسب ميدانية، بينما تسعى الحركة إلى الاستفادة من هذه الخلافات وتوظيفها لإنهاك القوات الحكومية الصومالية.

دلالات ثلاثية

في هذا السياق، يمكن تفسير تصاعد هجمات حركة الشباب على العاصمة الصومالية استناداً لمجموعة من العوامل، على النحو التالي:

1- الثأر لتصفية العديد من قيادات الحركة: حيث تأتي هذه الهجمات متزامنة مع ذروة انشغال الحكومة الفيدرالية الصومالية بترتيب الانتخابات وانطلاق السباق الانتخابي الذي سيمتد حتى الشهر المقبل، مما يجعل مسؤوليها في مرمى عمليات الحركة. ومن ثم تعمل الحركة على استهداف الأجهزة الأمنية والسياسية بضربات انتقامية رداً على العمليات الأمنية الأخيرة التي نجحت في تصفية العديد من قادة الحركة، ولا سيما بعد أن نفذت قوات الكوماندوز الصومالية الخاصة، في 18 يناير الجاري، عملية عسكرية خاطفة ضد الحركة ونجحت في تصفية حوالي 13 عنصراً من قادة الحركة البارزين. ومن ثم تؤكد الحركة بهذه الهجمات المتكررة أنها لا تزال باقية برغم النكسات التي تتعرض لها.

2- تعطيل مسار العملية الانتخابية: حيث بدأت الحركة تصعد من هجماتها مع تصاعد حدة الأزمة السياسية بين الرئيس الصومالي ورئيس حكومته. وبرغم توصل القوى السياسية إلى اتفاق حول وضع جدول زمني للانتخابات، فإن الحركة استمرت في تصعيد هجماتها على العاصمة والمدن الاستراتيجية، وهددت وتوعدت باستهداف العملية الانتخابية. ومن ثم يبدو أن الحركة تهدف إلى إثارة الرعب والخوف في نفوس الناخبين، ومنعهم من التوجه إلى صناديق الانتخابات، وقد وصفت الحركة من يشاركون في العملية الانتخابية بـ”الكفار”.

وقد سبق أن أعلنت الحركة في ديسمبر الماضي اغتيالها أحد رؤساء العشائر أثناء إمامته للصلاة في مسجد بمدينة أفجوني شمال غرب العاصمة الصومالية مقديشو، بدعوى مشاركته في الانتخابات البرلمانية. ومن ثم تعمل الحركة على إيجاد مناخ أمني غير ملائم لعرقلة مسار الانتخابات، بما يؤدي إلى إطالة أمد حالة الاستقطاب السياسي وعودة الأزمة السياسية والصراع بين القوى السياسية بشكل يوفر لها المناخ الملائم لتنفيذ عملياتها الإرهابية وربما السيطرة على الحكم. وفي هذا الإطار، تعمل الحركة على تكثيف ضرباتها وهجماتها الإرهابية في العاصمة والمدن الاستراتيجية، وخاصة ولاية جلمدج، التي تعد من أهم مراكز الاقتراع التي يجري خلالها انتخاب 24 مقعداً نيابياً.

3- محاولة السيطرة على الحكم واستلهام النموذج الطالباني: حيث يشار إلى أن ثمة تشابهاً بين طالبان وحركة الشباب من حيث سعي التنظيمين إلى الوصول إلى السلطة، حيث يقوم حراكهما على مبدأ “الصبر على البلاء للوصول للنصر”، أما داعش فتعتبر كلاً من طالبان والقاعدة مرتدين، لذلك يبدو أن الاستيلاء السريع لطالبان على السلطة والعاصمة كابول بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أغسطس الماضي يثير شهية حركة الشباب، التي تسعى أيضاً للسيطرة على العاصمة والحكم في الصومال. وتُشير الدراسات إلى أن الصومال يحمل الكثير من أوجه التشابه مع أفغانستان، ففي كلا البلدين رسوخ لمشروع حكم إسلامي إلا أن القوى الخارجية أسقطته في الصومال، برغم أنه لا تزال هناك اختلافات كبيرة بين الصومال وأفغانستان، حيث يختلف تمرد حركة الشباب عن تمرد طالبان من نواحٍ عديدة. إذ تفتقر حركة الشباب إلى خبرة طالبان في الحكم، ولا تزال الحركة تشارك علناً في هجمات خارج حدود الصومال، ولم تظهر الحركة رغبة في الحصول على اعتراف دولي كما سعت طالبان إليه. ومع ذلك، وبرغم هذا الاختلاف، تظهر الحركة قدرتها على التكيف وإبراز قوتها ونفوذها دون الحاجة إلى السيطرة المادية على المناطق الحضرية، وتعمل الحركة بالفعل وبمختلف الوسائل لفرض تعاليمها الدينية، لا سيما فرض مناهج دراسية قامت بإعدادها وتحمل فكرها المتطرف للمراحل الابتدائية والاعدادية والثانوية، حيث استدعت الحركة مديري بعض المدارس وأصدرت أوامرها لهم باعتماد المنهج الجديد، وخاصة بعد أن أطلقت الحكومة الصومالية مبادرة “اترك السلاح وأمسك القلم”.

سيناريوهان محتملان

يمكن توقع سيناريوهين لمستقبل الهجمات الإرهابية لحركة الشباب على العاصمة الصومالية وتأثيرها على العملية الانتخابية، وذلك على النحو التالي:

السيناريو الأول- استمرار الحركة في تنفيذ هجماتها والسيطرة على الحكم: حيث تستغل الحركة انشغال الأجهزة السياسية والأمنية الصومالية بتأمين المقار الانتخابية وحماية مسار العملية الانتخابية، ناهيك عن استفادة الحركة من إعلان الحكومة الكينية عن عزمها فتح الحدود بينها وبين الصومال بما يمنح الحركة مدى أوسع للتحرك عبر أراضي الدولتين ويسمح لها باستدعاء مقاتليها وتنفيذ المزيد من عملياتها الإرهابية في العاصمة الصومالية. ولذلك يتوقع أن تستمر الحركة في تكثيف هجماتها لعرقلة الانتخابات.

بيد أن هذا السيناريو برغم فرص تحققه لا يزال يواجه بالعديد من التحديات، خصوصاً الاشتباكات المتكررة بين الحركة وتنظيم داعش الصومالي، الذي يعمل حالياً على ترتيب صفوفه، إذ لم يعلن عن تنفيذ عملية إرهابية في الصومال منذ سبتمبر الماضي. ناهيك عن الضربات الأمنية المستمرة التي تتعقب قيادات الحركة وكوادرها، والتي استنزفت قدرات الحركة معنوياً ومادياً. ناهيك عن الموقف الإقليمي، لا سيما الموقف الكيني، الذي لن يقبل بسيطرة حركة الشباب على الحكم في الصومال.

السيناريو الثاني- تراجع العمليات الإرهابية وتركزها خارج العاصمة: حيثتواجه الحركة تحدي استهداف قوات الأمن الكينية والصومالية، فقد أعلنت الأجهزة الأمنية الكينية عن اغتيال 15 عنصراً من الحركة في مقاطعة لامو الكينية في 20 يناير الجاري. وتشير التقارير إلى أن القوات الكينية قد نجحت أيضاً في قتل عدد كبير من عناصر الحركة في منطقة بودي بالمقاطعة، ولا تزال القوات الكينية تستهدف العناصر المتسللة عبر الحدود أو المنطلقة من غابة بوني في كينيا. وتفيد تقارير صومالية بأن أجهزة الأمن الصومالية تقوم حالياً بتنفيذ عمليات أمنية في بعض مديريات مقديشو التي شهدت هجمات متكررة من جانب الحركة خلال الأيام القليلة الماضية.

ومع ذلك، ثمّة تحديات تعوق حدوث هذا السيناريو، فبرغم قدرة القوات الصومالية على تكبيد الحركة خسائر كبيرة، لكنها لا تزال غير مستعدة أو قادرة وحدها بدون دعم دولي وإقليمي على مواجهة الهجمات المتكررة والمنتشرة داخل الأراضي الصومالية، بينما تطالب الحكومة الصومالية بإنهاء مهام بعثة الاتحاد الإفريقي “أميصوم”، والتي أعلن مجلس الأمن الدولي التمديد لمهمتها لمدة ثلاثة أشهر فقط تنتهي في 31 مارس 2022. ولذلك من المتوقع في حال خروج هذه القوات من الصومال وفي ظل تراجع العمليات العسكرية الأمريكية منذ سبتمبر الماضي، أن تتمكن الحركة من استعادة سيطرتها على بعض المناطق وإعادة ترتيب صفوفها.

رهانات العودة

وإجمالاً، يرجح أن تستمر الحركة في استهداف العاصمة الصومالية مقديشو، لكن قدرتها على السيطرة على الحكم وتعطيل الانتخابات تظل محدودة. وتستفيد الحركة من التحديات المرتبطة بجهود مكافحة الإرهاب ومستقبل مهمة قوات “الأميصوم” في الصومال، وتراجع دعم الدول المانحة، وحالة الاستقطاب السياسي والعسكري الذي يُحتمل عودته إذا حدث تلاعب في نتائج الانتخابات. وبرغم التحديات المرتبطة بالتنافس بين الحركة والتنظيمات الأخرى، مثل تنظيم داعش والجماعات المسلحة الصوفية مثل تنظيم “أهل السنة والجماعة”؛ فالحركة لا تزال تُظهر القدرة على المناورة وتنفيذ هجمات إرهابية بفضل قدرتها على تجنيد مقاتلين جدد عبر الأراضي الصومالية والكينية، وجمع الأموال خاصة من خلال استغلال علاقاتها مع عصابات الجريمة المنظمة في تهريب الفحم، وعلاقاتها مع بعض العشائر الصومالية في جمع الزكاة والأموال. وبالتالي، يبدو أن الحركة تراهن على عودة الأزمة السياسية أو أي خلافات محتملة حول نتائج الانتخابات الصومالية.