انقسام سياسي:
تباينات حول أداء حكومة رئيسي في بداية العام الثالث

انقسام سياسي:

تباينات حول أداء حكومة رئيسي في بداية العام الثالث



بدأت حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي عامها الثالث، يوم 5 أغسطس 2023. وعادة مع بداية كل عام، تتصاعد حدة الجدل داخل إيران حول تقييم أداء الحكومة في العام السابق، وقدرتها على تنفيذ تعهداتها في الفترة المتبقية حتى إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة في منتصف عام 2025. وربما يمكن القول إن الحكومة الحالية (الثالثة عشرة) هي أكثر حكومة شهد تقييم أدائها حالة غير مسبوقة من الاستقطاب السياسي، وهو ما يعود إلى اعتبارات رئيسية ثلاثة:

أولها، أن هذه الحكومة تنتمي إلى تيار المحافظين الأصوليين الذي يسيطر على معظم دوائر صنع القرار في إيران منذ خروج تيار المعتدلين من السلطة بنهاية الفترة الرئاسية الثانية للرئيس السابق حسن روحاني، في 5 أغسطس 2021. وبالطبع، فإن سعي تيار المعتدلين إلى السلطة من جديد دفعه إلى التركيز على ما أسماه “السلبيات الكثيرة” في أداء حكومة رئيسي.

وثانيها، اقتراب موعد انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، التي سوف تجري في بداية عام 2024، حيث يتوقع أن يسعى عبرها تيار المعتدلين إلى تحقيق نتائج بارزة، إذ تجري حالياً محاولات لتكوين كتلة انتخابية قوية تجمع أنصار الرئيس حسن روحاني، وبعض الشخصيات المحافظة مثل رئيس مجلس الشورى الأسبق علي لاريجاني، وهو ما يعني أن المرحلة القادمة سوف تشهد تلاسناً حاداً بين أقطاب تياري المعتدلين والمحافظين الأصوليين، خاصة أن الأخير سوف يبذل جهوداً حثيثة من أجل تكريس سيطرته على معظم دوائر صنع القرار.

وثالثها، استمرار الجدل حول الاتفاق النووي، في ظل تعثر المفاوضات النووية، على نحو يضع دائماً هذا الاتفاق والفريق الذي أنجزه في عهد الرئيس السابق حسن روحاني، موضع تقييم وانتقاد في معظم الحالات، حيث ما يزال تيار المحافظين الأصوليين يرى أنه اتفاق نزع من إيران تنازلات كثيرة مقابل امتيازات متواضعة انتهت سريعاً بخروج الولايات المتحدة الأمريكية منه في 8 مايو 2018.

جردة حساب

يُمكن تناول أهم القضايا التي كانت محور عملية تقييم أداء حكومة الرئيس رئيسي في العام الثاني لها، على النحو التالي:

 1- أداء متباين على الصعيد الخارجي: أشارت الاتجاهات المؤيدة للحكومة الحالية ولتيار المحافظين الأصوليين إلى أن حكومة رئيسي نجحت فيما فشلت فيه حكومة روحاني. فقد أعادت العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، وفقاً لاتفاق بكين في 10 مارس الماضي، وهي العلاقات التي قُطعت في عهد الرئيس السابق روحاني. والأهم من ذلك، هو أن هذه العودة، وفقاً لهذه الاتجاهات، لم تدفع إيران إلى تقديم مقابل لها، بل إن هذه الاتجاهات تعتبر أن السعودية هي التي عادت إلى إيران، أي أنها كانت الطرف المبادر بإعادة العلاقات مثلما كانت الطرف المبادر بقطعها. كما طورت إيران علاقاتها مع دول عديدة بالمنطقة، مثل الإمارات والكويت، إلى جانب ليبيا والجزائر، وتحاول بشكل متكرر اتخاذ خطوات لرفع مستوى العلاقات مع مصر. كما نجحت في الانضمام إلى منظمة تعاون “شنغهاي”.

لكن في مقابل ذلك، ترى الاتجاهات المناوئة للحكومة أن السياسة الخارجية في عهد رئيسي منيت بما يمكن تسميته بـ”انتكاسات” واضحة، ولا سيما في ملف الجزر الإماراتية الثلاث، على خلفية الدعم الذي قدمته كل من الصين وروسيا للإمارات في هذا الملف، خلال القمة الخليجية الصينية التي عقدت في 9 ديسمبر 2022، في الرياض، واجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا الذي عقد في 10 يوليو 2023 في موسكو، وهي “انتكاسات” دفعت إيران إلى اتخاذ خطوات تصعيدية تجاه ملف الجزر خلال المرحلة الماضية، على غرار المناورات التي أجرتها في جزيرة أبو موسى، في 2 أغسطس الجاري.

2- استمرار التعثر في الاتفاق النووي مع الغرب: تشير الاتجاهات المؤيدة للحكومة إلى أنها أصرت على الاستمرار في اتخاذ مزيد من الخطوات التصعيدية في الملف النووي، على غرار مواصلة عمليات التخصيب حتى مستوى 60%، ولم تتراجع أمام الضغوط التي مارستها الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. واستندت هذه الاتجاهات إلى تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي صدر في 31 مايو الماضي، وكشف أن كمية التخصيب التي أنتجتها إيران وصلت إلى 23 ضعف ما هو منصوص عليه في الاتفاق النووي، حيث أنتجت 4744.5 كيلوجراماً من اليورانيوم منخفض التخصيب بنسبة 3.67%، في حين أن المنصوص عليه في الاتفاق يبلغ مقابل 202.8 كيلوجرام، في حين وصلت كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى 114.1 كيلوجراماً، وكمية اليورانيوم المخصب بنسبة 20% إلى 470.9 كيلوجراماً.

لكن الاتجاهات المناوئة لهذه السياسة، اعتبرت أنها لم تحقق نتائج إيجابية تذكر على غرار تعزيز موقع إيران في المفاوضات النووية، التي استؤنفت في الفترة من أبريل 2021 إلى سبتمبر 2022، حيث فشلت الحكومة حتى الآن في تنفيذ المقاربة التي تبنتها والتي تقوم على استغلال التقدم في البرنامج النووي لانتزاع مزيد من التنازلات من الدول الغربية.

وحتى مع الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية لتخفيف حدة العقوبات المفروضة على إيران، على غرار منح إعفاءات للعراق للإفراج عن الأموال الإيرانية المستحقة، فإن هذه الإعفاءات مشروطة بتخصيص الأموال المفرج عنها للاستخدامات الإنسانية، وخاصة فيما يتعلق بمستلزمات الغذاء والدواء، وسيتم وضعها في حساب في مسقط تُشرف عليه وزارة الخزانة الأمريكية.

3- التعايش مع العقوبات الأمريكية: تزعم الاتجاهات المؤيدة للحكومة أنها نجحت في التعايش مع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لم تضطرها هذه العقوبات إلى الموافقة على أي صفقة نووية يمكن أن تعرض عليها، دون أن تحصل على ضمانات وامتيازات نوعية بموجبها، أو الاستجابة لبعض المطالب الغربية الخاصة بالانضمام إلى بعض الاتفاقيات، مثل اتفاقية مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال “FATF”.

وفي هذا السياق، كان لافتاً أن صحيفة “كيهان” التي تعد المتحدث بلسان مكتب المرشد وتيار المحافظين الأصوليين حرصت على نشر تقرير بعنوان “النجاح بدون الاتفاق النووي وفاتف”، في 4 أغسطس الجاري، بمناسبة بداية العام الجديد للحكومة. وجاء في هذا التقرير أن حكومة روحاني لم تحقق بالتوقيع على الاتفاق النووي وعودها التي تعهدت بها للناس، في الوقت الذي حققت فيه حكومة رئيسي نجاحاً ملحوظا رغم تعثر الاتفاق النووي وعدم الانضمام إلى مجموعة “فاتف”.

ووفقاً لها فإنه في ظل العقوبات الأمريكية وتعثر الاتفاق النووي وعدم الانضمام إلى “فاتف”، بلغت الصادرات النفطية الإيرانية خلال الشهور التسعة الأخيرة نحو 42.1 مليار دولار. في حين أن متوسط عوائد إيران النفطية في عهد حكومة روحاني وصل إلى 37 مليار دولار، مع التسليم بأن هذه العوائد تجاوزت هذه الأرقام خلال الفترة من بداية عام 2016 وحتى منتصف عام 2018 وهي الفترة التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية موجودة أثناءها في الاتفاق وعلقت الجزء الأكبر من عقوباتها المفروضة على إيران، التي وصلت عوائد صادراتها النفطية في هذه الفترة إلى نحو 50 مليار دولار سنوياً.

لكن الاتجاهات المناوئة للحكومة ركزت على أن هذه النتائج تبدو مؤقتة، وهي مرهونة بظروف دولية وإقليمية ربما لن تستمر طويلاً، على غرار ارتفاع أسعار النفط واندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية. وفي رؤيتها، فإنه رغم تخفيف واشنطن بشكل ملحوظ، أو بمعنى أدق تغاضيها عن محاولات إيران الالتفاف على العقوبات المفروضة عليها في مجال الصادرات النفطية، فإن هذا لا يعني أن هذه السياسة سوف تستمر طويلاً، بدليل أن هناك مؤشرات تكشف أن بعض الدول، ربما بضغوط من جانب واشنطن، تقوم بإيقاف سفن تحمل نفطاً إيرانياً، على غرار إندونيسيا التي اتخذت خطوة في هذا الصدد في 11 يوليو الفائت. وفي شهر أبريل الماضي، أقدمت واشنطن نفسها على خطوة من هذا القبيل عندما احتجزت سفينة تحمل نفطاً إيرانياً.

وزير الاقتصاد: معدل التضخم وصل إلى 30%

4- تذبذب الأداء الاقتصادي للحكومة: قال وزير الاقتصاد الإيراني إحسان خاندوزى، في أول أغسطس الجاري، إن معدل التضخم تراجع خلال شهر يوليو الفائت إلى 30%، مشيراً إلى أن ذلك يعود إلى السياسة الانكماشية التي تبنتها الحكومة فيما يتعلق بضبط معدل نمو السيولة، إلى جانب تراجع التضخم العالمي. وأشارت تقارير عديدة موالية للحكومة إلى أن الحكومة نجحت في رفع قيمة الريال أمام الدولار، بعد مرحلة الانهيار التي عانى منها في الفترة الماضية، حيث وصل الدولار إلى نحو 41.300 ريالاً في السوق الرسمية. إلا أن الاتجاهات المناوئة للحكومة ترى أنها فشلت في وقف انهيار سعر العملة الوطنية، حيث إن الدولار يساوي نحو 499.500 ريالاً في السوق السوداء. وأشارت بعض التقارير إلى أن عدد من هم تحت خط الفقر زاد في عهد حكومة رئيسي. فوفقاً لتقرير موقع “خبرانلاين”، نقلاً عن النائب في لجنة توحيد التنمية السابعة في مجلس الشورى محسن بيرهادي، فإنه تمت إضافة 18 مليون شخص لمن هم تحت خط الفقر، ليصبح عددهم 28 مليون نسمة.

عامان على حكومة رئيسي: تمت إضافة 18 مليون شخص للمجتمع لفئة من هم خط الفقر

جدل مستمر

في ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن هذا الجدل سوف يتواصل خلال المرحلة القادمة، طالما استمر الاستقطاب السياسي قائماً بين تياري المعتدلين والمحافظين الأصوليين، وطالما تواصل الخلاف حول مزايا وعيوب الاتفاق النووي الذي ما زالت إيران مستمرة في العمل وفقاً لبعض بنوده رغم تعمدها تخفيض مستوى التزاماتها فيه. وفي الواقع، يمكن ترجيح استمرار هذا التباين حتى إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة في منتصف عام 2025 والتي سوف يترشح فيها الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي وربما يواجه فيها خصوماً أكثر قوة من الانتخابات الماضية.