جلسة استماع:
“تأثيرات العائدين من أوكرانيا على أمن المنطقة العربية”

جلسة استماع:

“تأثيرات العائدين من أوكرانيا على أمن المنطقة العربية”



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 10 مايو 2022، جلسة استماع بعنوان “تأثيرات العائدين من أوكرانيا على أمن المنطقة العربية”. واستضاف المركز العميد خالد عكاشة مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والأستاذ عمرو عبد العاطي، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ محمد الفقي، والأستاذ هيثم عمران، والأستاذ محمد فوزي، والاستاذة ميرفت زكريا.

مؤشرات مقلقة

يرى “عكاشة” أن الحرب الروسية الأوكرانية أعادت إنتاج خطر ظاهرة المقاتلين الأجانب “المرتزقة” في ظل مؤشرات مقلقة، بعيداً عن تعقيدات الأزمة السياسية، وهي كالتالي:

1- اتجاه رسمي لاستجلاب المرتزقة في الأزمة: نحن إزاء دعوة رسمية لاستقدام مرتزقة في الحرب الروسية الأوكرانية، وهو مشهد غير مسبوق يحدث لأول مرة، فقد دعا الرئيس الأوكراني إلى استقدام مرتزقة إلى أوكرانيا للعمل جنباً إلى جنب مع القوات النظامية. في المقابل، دعا الرئيس الروسي إلى السماح باستجلاب مرتزقة من الشرق الأوسط بشكل خاص. ولم يكن لدى الطرفين أزمة في التصريح باستقدام المرتزقة والاستدعاء في الأزمة الحالية، مع تسهيل كل المعوقات التقليدية التي كانت تواجه المرتزقة في أي ساحة صراع أخرى.

2- انخراط عناصر شيشانية مع طرفي الأزمة: الملمح البارز في الأزمة الروسية الأوكرانية، هو الانخراط الشيشاني فيها، ولكن ثمة انقسام في توجهات العناصر الشيشانية. الجزء الأول بقيادة الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، لديهم درجة من درجات الولاء لروسيا، وانخرطوا في القتال جنباً إلى جنب مع القوات الروسية. وفي المقابل فإنّ الجزء الثاني يضم عناصر شيشانية، لديها موروث تاريخي مناهض للروس، ووجدوا الانخراط بجانب القوات الأوكرانية نوعاً من الانتقام من روسيا، ونحن أمام وجود مكون عرقي على جانبي خط القتال.

3- ظاهرة أوسع وأكثر خطورة من التنظيمات الإرهابية: نقلت الأزمة الروسية الأوكرانية مكامن الخطورة إلى مرحلة جديدة، أوسع وأخطر من خطر التنظيمات الإرهابية، فعلى الرغم من خطورة وتعقيدات الظاهرة الإرهابية، إلا أن هناك أبعاداً أيديولوجية وفكرية يمكن أن تعطي طابعاً عاماً حاكماً للظاهرة، لتوقع مدى العنف المتوقع وشكل العدائية للمجتمع والامتداد الجغرافي بما يُسهل عملية تفكيك هذه الظاهرة، ولكن مع استجلاب المرتزقة بهذه الصورة في الساحة الأوكرانية، بمعنى قتال أشخاص من أجل المال فقط دون غطاء فكري، فقد حمل ذلك الظاهرة إلى مساحات مليئة بالغموض، في ظل غياب محددات وإطار عام حاكم للظاهرة.

تداعيات محتملة

يرصد “عكاشة” عدداً من التداعيات المحتملة لاستجلاب المرتزقة إلى الساحة الأوكرانية خلال الفترة المقبلة على المنطقة العربية، ومن أبرزها:

1- إمكانية عودة ظاهرة العائدين من الخارج: يُمكن أن تؤدي ظاهرة استخدام المرتزقة بالصورة الجديدة في الساحة الأوكرانية، إلى عودة ظاهرة العائدين إلى المنطقة، وهذا يرتبط بأمد الأزمة القائمة، هل ستطول المواجهة أم سيكون هناك حل سريع في المفاوضات؟. وهنا يظهر سؤال: أين سيذهب هؤلاء المرتزقة الذين انخرطوا في القتال بعد انتهاء المواجهات العسكرية؟، وبالتالي يمكن أن نشهد موجة عودة لهؤلاء المرتزقة إلى المنطقة بما يزيد من مخاطر هذه الظاهرة التي لم تتبلور أبعادها بعد في صورتها الجديدة، خاصة مع إمكانية توظيف الجماعات الإرهابية للأزمة، واستقطاب عناصر غربية إليها، ولكن هذا يتوقف على قدرة التنظيمات الإرهابية على استقدام تلك العناصر. فعلى سبيل المثال، كان تنظيم “داعش” يضم عناصر من مختلف الدول، ولكن كانت حينها لديه الإمكانات لهذا.

2- مناطق التوترات العربية مرشحة لاستقبال المرتزقة: بالنظر إلى المعلومات المتوفرة فإن 70% أو أكثر من المنخرطين في القتال إلى الجانب الأوكراني لمواجهة روسيا من جنسيات غير عربية، ولكن عند انتهاء المواجهات العسكرية، إلى أين يذهب هؤلاء؟، فمن غير المتوقع استيعاب وعودة هؤلاء إلى بلدانهم مرة أخرى، في ظل الارتدادات المتوقعة على بلدانهم، وفي هذه الحالة فإن عملية إزاحة تلك العناصر إلى مناطق أخرى أمر متوقع، حيث يمكن إعادة توظيف هؤلاء المرتزقة في ساحات أخرى. وهنا فإن دول المنطقة العربية التي لا تزال تشهد توترات أمنية وعدم استقرار مرشحة لاستقبال هؤلاء المرتزقة. وقبل الأزمة الأوكرانية لدينا مثال على استقدام المرتزقة في الساحة الليبية، ولكن تدخلت أطراف قبل تفاقم الوضع. وفي ظل استمرار الأوضاع المضطربة في بعض البؤر فإنه يمكن استخدام المرتزقة في ظل الصراعات السياسية، خاصة وأن الدول الكبرى تقود عمليات الإزاحة المتوقعة. وبشكل عام، يمكن إزاحة تلك العناصر لأكثر من بؤرة أخرى بخلاف المنطقة العربية، فكل السيناريوهات مفتوحة.

3- إمكانية انتقال أسلحة متطورة إلى المنطقة: من ضمن التداعيات المحتملة لاستجلاب المرتزقة في الأزمة الأوكرانية، إمكانية انتقال الأسلحة المنتشرة في يد المرتزقة، والتي تقدمها الدول الغربية إلى أوكرانيا، إلى المنطقة العربية واستخدامها في زيادة التوترات الأمنية، خاصة وأنها ليست أسلحة تقليدية حيث ظهرت أسلحة متطورة لإمكانية مواجهة القوات الروسية. ويمكن تقدير أن 10% إلى 15% من هذه الأسلحة تتعرض لعمليات تسريب إلى السوق السوداء، ويمكن أن ينتقل جزء من هذه الأسلحة إلى بؤر التوترات في العالم أجمع، ومن بينها دول المنطقة العربية. وتوظيف تلك الأسلحة ليس فقط لدى الجماعات الإرهابية، وإنما لدى كل من ينتهج العنف، بما يُشكل أعباء إضافية متوقعة خلال الفترة المقبلة. وتجدر الإشارة إلى أن تجار السوق السوداء لا ينتظرون انتهاء الأزمات ثم العمل على بيع السلاح، وإنما يباشرون العمل مع بداية الأزمات.

4- تصدير فكرة استخدام العنف في الاحتجاج السياسي: مع استخدام المرتزقة بالصورة الجديدة في الأزمة الروسية الأوكرانية على اختلاف الفئات المشاركة، فمن المتوقع أن تتصاعد ظاهرة استخدام العنف في الاحتجاج السياسي، وهو ما يمكن أن ينتقل إلى المنطقة العربية، من خلال إمكانية حمل السلاح للترويج لأفكار معينة أو توظيفها في الاحتجاج السياسي، بما يزيد من تعقيدات التحديات الأمنية التي تواجه الدول خلال الفترة المقبلة.

5- مرحلة جديدة من العنف بعناصر أكثر خبرة: استجلاب مرتزقة إلى الساحة الأوكرانية، والاعتماد على عناصر لديها بالفعل خبرات سابقة في القتال والعمل المسلح في ساحات وبؤر توتر والانخراط في ساحة جديدة، يزيد من قدرات وخبرات تلك العناصر، بالصورة التي تُشكل تهديدات أكبر حال إزاحة تلك العناصر إلى المنطقة العربية بعد انتهاء المواجهات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا.

استعداد مسبق

يُحدد “عكاشة” بعض الاتجاهات الضرورية، في إطار الاستعداد المسبق لمواجهة التداعيات المحتملة لظاهرة المرتزقة بصورتها الجديدة التي ظهرت مع الأزمة الأوكرانية، كالتالي:

1- الاستعداد المسبق لخطورة ملف العائدين: إذا تطرقنا لملف العائدين من الساحة الأوكرانية لهؤلاء المرتزقة، فإن ثمة تحديات أمنية كبيرة تواجه التصدي لهذه الظاهرة في المنطقة العربية، تتعلق بعدم قدرة الدول على تتبع مواطنيها المنخرطين لإمكانية الحد من المخاطر المحتملة، وبالتالي فإنّ هذا يستدعي التعاون والتنسيق بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في كل دولة بصورة أكبر لمواجهة التحديات المتوقعة، خاصةً مع إمكانية انتقال عناصر إلى الساحة الأوكرانية دون الانطلاق من دولهم الأصلية، وبالتالي صعوبة تتبع تحركاتهم.

2- استعداد جيوش المنطقة للتعامل مع حروب لا متماثلة: بدأت بعض جيوش المنطقة منذ 2011 إدراك التغير في معادلة المواجهة، مع تصاعد نشاط العنف والمليشيات، وأدخلت بعض التعديلات بتشكيل وحدات واستحداث تدريبات لمواجهة الظواهر الجديدة، ولا بد من مواصلة العمل في هذا الإطار خلال الفترة المقبلة، لكي تكون جيوش المنطقة قادرة على التعامل مع الحروب اللا متماثلة، خاصة وأن أحد إخفاقات الجيش الروسي هو التدخل العسكري الكلاسيكي في مواجهة قوات وعناصر تمزج بين العمل النظامي وعمل المرتزقة، وبالتالي فشل روسيا في التعامل مع الوضع.

3- تنسيق أمني واستخباراتي بين دول المنطقة العربية: في ضوء التحديات الأمنية المتفاقمة للتعامل مع التداعيات المحتملة لظاهرة المرتزقة، يبدو أن التعاون الأمني والاستخباراتي بين دول المنطقة العربية بات أمراً ملحاً وضرورياً؛ إذ إن عملية إزاحة هؤلاء المرتزقة إلى بؤر التوترات العربية في ظل دول مفككة، وسط ضعف القدرات العسكرية والأمنية وعدم الاستقرار السياسي وصعوبة ضبط الحدود، يزيد من هذه التوترات، وبالتالي لا بد من التكاتف بين دول المنطقة لمواجهة آثار تلك الظاهرة، مع ضرورة تجنب إعلاء الاعتبارات السياسية عند التعاطي مع هذه الظاهرة.

4- ضرورة تفريغ شحنات الغضب في الدول العربية: في ضوء إمكانية تصدير استخدام العنف في الاحتجاج السياسي، فإن مسألة اتجاه الدول إلى امتصاص وتفريغ شحنات الغضب الداخلي أمر ضروري من خلال محاولة تهدئة الأوضاع داخلياً والبحث عن حلول سياسية لعدم التعامل مع الظاهرة في الإطار الأمني البحت، لعدم تصدير هذه الفكرة خلال الفترة المقبلة، بما يُشكل تهديدات مضاعفة على دول المنطقة.

تعزيز التعاون

وأخيراً، يدفع “عكاشة” بضرورة زيادة التنسيق الأمني والاستخباراتي بين دول المنطقة العربية، لمواجهة التحديات المتوقعة خلال الفترة المقبلة، على خلفية تصاعد ظاهرة المرتزقة في ظل المواجهات الروسية الأوكرانية، ويمكن البناء على مبادرة “المنتدى الاستخباري العربي” لمواجهة التحديات الجديدة وتعزيز الاستجابة لهذه الظاهرة. في حين لم يستبعد إمكانية تدخل القوى الكبرى بعد انتهاء الأزمة الروسية الأوكرانية لوضع ضوابط لاستقدام المرتزقة في الصراعات، نظراً لما تنطوي عليه هذه الظاهرة من خطورة حتى على تلك الدولة، ولكنه يُقر بصعوبة هذا الاتجاه خلال الفترة الحالية، نظراً لانخراط تلك القوى الكبرى بالأساس في هذه الأزمة.