ضغوط الكونجرس:
تأثيرات إلغاء تفويضي حربي العراق على الدور الأمريكي بالمنطقة

ضغوط الكونجرس:

تأثيرات إلغاء تفويضي حربي العراق على الدور الأمريكي بالمنطقة



بعد مرور عقدين على الغزو الأمريكي للعراق، صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي، في ٢٩ مارس الفائت، بأغلبية ٦٨ صوتاً (أعلى بكثير من الـ٥١ صوتاً المطلوبة لتمرير التشريع) مقابل ٢٧ صوتاً، وامتناع 4 أعضاء عن التصويت، على تشريع مدعوم من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي؛ لإلغاء تفويضين يمنحان موافقة مفتوحة من الكونجرس للرئيس الأمريكي على العمل العسكري في العراق، صدر الأول في عام ١٩٩١ وأجاز التدخل العسكري الأمريكي لتحرير الكويت من الغزو العراقي، فيما صدر الثاني في عام 2002 وأعطى الضوء الأخضر للغزو الأمريكي للعراق في مارس ٢٠٠٣.

يأتي تصويت مجلس الشيوخ لإلغاء التفويضين في سياق سعى الكونجرس الأمريكي لاستعادة سلطته الدستورية لبدء الحروب وإنهائها، بعد الانتقادات التي وجهت لاستخدام الرؤساء الأمريكيين الديمقراطيين والجمهوريين المتعاقبين لتلك التفويضات، ولتحول العراق من كونها عدواً للولايات المتحدة في عام ٢٠٠٢، إلى شريك تربطه بالأخيرة علاقات وشراكات قوية يضمنها اتفاق الإطار الاستراتيجي الموقع في عام ٢٠٠٨، والذي يضمن شراكة استراتيجية بينهما في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والتكنولوجية والعلمية، فضلاً عن تعاون القوات الأمريكية والعراقية على هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي.

انعكاسات محدودة

يثير تمرير مجلس الشيوخ مشروع قانون لإلغاء تفويضي حربي العراق لعامي ١٩٩١ و٢٠٠٢، التساؤل حول تأثيرات ذلك على الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، وتعامل الإدارة الأمريكية مع التحديات والتهديدات التي تواجه الأمن القومي والمصالح الأمريكية في المنطقة. ورغم المخاوف التي قد تنتاب البعض من تأثيراته على الوجود الأمريكي، فإنها في حقيقة الأمر ستكون متواضعة لجملة من الأسباب التي يتمثل أبرزها فيما يلي:

1- استمرار الوجود العسكري الأمريكي بالشرق الأوسط: يمثل تصويت مجلس الشيوخ على إنهاء تفويضي حربي العراق خطوة رمزية، إلى حد كبير، بالنظر إلى أن العمليات القتالية الأمريكية ضد العراق انتهت منذ أكثر من عقد، مع تحول مهام القوات العسكرية الأمريكية في البلاد – التي تقدر بحوالي ٢٥٠٠ جندي – إلى تقديم التدريب والمشورة والدعم اللوجيستي للقوات العراقية في حربها ضد تنظيم “داعش” الإرهابي. ومن هنا، لن يؤثر القانون – في حال تمريره من مجلس النواب وتوقيع الرئيس عليه والذي أبدى عدم معارضته – على الانتشار العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وتواجد حوالي ٩٠٠ جندي أمريكي في سوريا لمساعدة حلفاء الولايات المتحدة من الأكراد لمحاربة التنظيم الإرهابي، وبقاء أكثر من 30 ألف عسكري أمريكي في المنطقة.

2- تصاعد العمليات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية: لم يلغ المشرعون تفويض عام ٢٠٠١، الذي تمت الموافقة عليه في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، والذي منح الرؤساء الأربعة (جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، ودونالد ترامب، وجو بايدن) سلطات قانونية واسعة لشن عمليات عسكرية ضد التنظيمات الإرهابية وقياداتها في الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم. ففي ٢٢ مارس الفائت، رفض مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة (٨٦ عضواً مقابل ٩ آخرين) إلغاء التفويض.

ولا يزال التفويض يستخدم حتى الآن لتبرير العمليات العسكرية الأمريكية ضد التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط، في وقت تشير فيه البيانات العسكرية الأمريكية إلى أنها لا تزال قادرة على تنفيذ هجمات داخل المنطقة وخارجها، رغم نجاح القوات الأمريكية بمشاركة حلفائها في تقويض قوة التنظيمات الإرهابية وانتشارها واستهداف قياداتها، بعدما كان تنظيم “داعش” يسيطر – على سبيل المثل – على مساحات شاسعة من أراضي سوريا والعراق.

وقد كانت آخر العمليات العسكرية الأمريكية لاستهداف قيادات التنظيمات الإرهابية في 3 أبريل الجاري، حيث قالت القيادة المركزية الأمريكية أن الجيش الأمريكي نفذ عملية أسفرت عن مقتل خالد عيد أحمد الجبوري القيادي البارز في تنظيم “داعش” في سوريا، والذي كان مسئولاً عن التخطيط لهجمات التنظيم في أوروبا.

3- مواصلة سياسة استهداف وكلاء إيران: عارض عديد من مشرعي الحزب الجمهوري – الذي يسيطر على الأغلبية في مجلس النواب بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر الماضي – إلغاء التفويضين؛ لتخوفهم من تقييد سلطة الرئيس في شن عمليات عسكرية ضد وكلاء إيران في الشرق الأوسط، مثل الهجوم الذي شنه الرئيس السابق دونالد ترامب لاستهداف القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، في ٣ يناير ٢٠٢٠، والرد على الهجمات التي تشنها المليشيات المسلحة الموالية لإيران والتي تستهدف القواعد العسكرية الأمريكية ومواطني الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والتي كان آخرها في ٢٣ مارس الفائت، حيث قتل مقاول أمريكي وأصيب العديد من أفراد الخدمة الأمريكية.

ولكن المؤيدين لإلغاء تفويضي حربي العراق أشاروا إلى أن الرئيس بايدن ليس في حاجة إلى تفويضات الكونجرس للإذن بشن هجمات عسكرية ضد التنظيمات المسلحة المدعومة من طهران لاستهدافها القواعد العسكرية والأمريكيين في المنطقة، حيث يملك الرئيس سلطة بموجب الدستور الأمريكي لشن ضربات عسكرية لحماية المصالح القومية الأمريكية بدون الرجوع للكونجرس.

4- التغيرات الطارئة على الساحة الدولية: يأتي تمرير مجلس الشيوخ الأمريكي تشريع إلغاء تفويضي عام ١٩٩١ و٢٠٠٢ اتساقاً مع التغيرات التي طرأت على الساحة الدولية، مع صعود قوى دولية منافسة للولايات المتحدة، وتسعى لإجراء تغييرات في قواعد وقيم ومبادئ النظام الدولي الذي أسسته الأخيرة في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو الأمر الذي دفع الإدارات الأمريكية المتعاقبة لإجراء تغيير في أولوياتها بتقليل الانخراط في منطقة الشرق الأوسط مع انتقال مركز الثِقل الدولي لمنطقة الإندو-باسيفيك، على نحو بدا جلياً في انسحاب إدارة الرئيس بايدن من أفغانستان، في 31 أغسطس 2021، قبل حلول الذكرى العشرين لأحداث سبتمبر الإرهابية، وهو ما أكدته استراتيجية الأمن القومي للإدارة الأمريكية، التي صدرت في 12 أكتوبر الماضي، والتي كشفت أن التحدي الرئيسي للولايات المتحدة خلال العقد القادم يتمثل في التهديدين الروسي والصيني.

جدل تشريعي

شجع تمرير مجلس الشيوخ تشريع إلغاء تفويضي حربى العراق العديد من المشرعين الأمريكيين لتقديم مشاريع لسحب القوات الأمريكية من المنطقة. فقد قدم السيناتور بن كاردين مشروع قانون، في ٢٩ مارس الفائت، لإلغاء واستبدال تفويض عام ٢٠٠١، وقدم السيناتور ديك دوربين، في ٣٠ من الشهر نفسه، مشروع قانون لتقييد التفويضات العسكرية للكونجرس وإعلانات الحرب في المستقبل لمدة عشرة سنوات. كما قدم النائب مات جايتز، قبل ذلك بيومين، مشروع قرار لسحب الرئيس بايدن جميع القوات الأمريكية من الصومال، باستثناء تلك التي تحمي السفارة الأمريكية، في غضون عام واحد من اعتماده. وقد سبق أن قدم مشروع قانون لسحب القوات الأمريكية من سوريا، ولكن مجلس النواب رفضه، حيث صوت ضده ٣٢١ صوت مقابل ١٠٣، مع عدم تصويت 11 عضواً.

وهناك معارضة بين عديد من المشرعين الجمهوريين لإلغاء التفويضات العسكرية لكونها ستؤدي لإضعاف دور ومكانة الولايات المتحدة في المنطقة، التي تحولت مؤخراً لإحدى ساحات المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين، وفي وقت لا تزال المصالح والأمن القومي الأمريكي في الشرق الأوسط تواجه العديد من التحديات. فقد قال زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب السيناتور ميتش ماكونيل في بيان معارضته للقانون، أن التهديدات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط لم تنته، وأن القوات الأمريكية العاملة في منطقة الشرق الأوسط الملغمة بالتحديات الأمنية تحتاج إلى الدعم والسلطات القانونية. وقد عزز مخاوفه بالإشارة إلى الهجمات الأخيرة ضد القاعدة العسكرية في سوريا التي أسفرت عن مقتل أمريكي وإصابة ستة آخرين. ولذلك يدعو عديد من الجمهوريين، وكذلك البيت الأبيض، إلى استبدال التفويضات القديمة بإطار ضيق ومحدد أكثر ملاءمة لحماية الأمريكيين من التهديدات الإرهابية الحديثة.