«بريكس» تتكرس خياراً لـ«التوازن» الدولي – الحائط العربي
«بريكس» تتكرس خياراً لـ«التوازن» الدولي

«بريكس» تتكرس خياراً لـ«التوازن» الدولي



سيتوقف نجاح مجموعة «بريكس» على تحقيق أهدافها في ما يتعلّق بالاقتصاد العالمي، وفي رعايتها للدول النامية، فهذا ما سيصنع الفارق مع الغرب. أما النفوذ والتأثير السياسيان فسيأتيان تباعاً وليس تلقائياً، لأن المسيرة طويلة. والأكيد أن لدى «بريكس» قدرات تمكّنها من إحداث تغيير مهم على المستوى العالمي، إذا حافظ عملها على وتيرة طبيعية ومعايير موضوعية، فانضمام بعض الدول إليها مؤخراً عكس حاجةً دولية أكبر إلى أن تُحترم القيمُ الإنسانية الأساسية وتُطبّق على أرض الواقع، ويُفترض أن تبرهن «بريكس» أنه يمكن أن يُعوَّل عليها في هذا الشأن، طالما أن أقطابها يعلنون التزامهم القانونَ الدولي وينتقدون الانحراف في تطبيقه.
العنصر الآخر للنجاح أن تعمل بهدوء وتأنٍ على «تأسيس نظام اقتصادي عالمي متعدّد الأقطاب»، ومتى ما وُجد وأصبح واقعاً سيكون منافساً نزيهاً يقيم «التوازن» المنشود مع منظومة الغرب، ويبدّد كل هيمنة اقتصادية مالية كانت ولا تزال مقلقة لغالبية بلدان العالم وشعوبها.
لكن المهم ألا تتعجّل «بريكس» في تقديم أجندة مناهضة ومتحدّية للغرب، وتحديداً للولايات المتحدة، فالكثير من «أصدقاء بريكس» هم من «أصدقاء الغرب»، ورغم مآخذهم الكثيرة عليه، فهم غير مندفعين أو مُقبلين على الاختصام معه، سواء لأن بينهم وبينه تاريخاً طويلاً ومصالح باقية ومستمرّة، ما لم تتوفّر بدائل أفضل لتأمينها، أو لأن «الاقتصادات الناشئة» تركّز على نموّها الداخلي وتبحث خصوصاً عمّا يدعّم الاستقرار، وبالتالي فهي معنية بالانفتاح على العالم ولا يعنيها أن تنحاز إلى أي صراعات أو تصطفّ في استقطابات قائمة أو لاحقة.كانت دول «بريكس» خمساً وستصبح بعد قمة جوهانسبرغ إحدى عشرة، وقد تزيد في قمة موسكو السنة المقبلة إلى عشرين، فضلاً عن أن عشرات أخرى مرشحة للانضمام.
وهنا تجدر الإشارة إلى اعتبارين: أولاً، أن الوضع الدولي المضطرب سلّط الأضواء على هذه المجموعة في خضم أزمات اقتصادية وغذائية وطاقوية فرضتها الحرب في أوكرانيا، ونتج عن ذلك تقويم متنامٍ مفاده أن تلك حرب كان يمكن (بل كان ينبغي) تجنّبها، لا تركها تشتعل لأي سبب. ومع أن معظم الدول رفضها مفضّلاً الحياد بين طرفيها، إلا أنه يتعامل مضطراً مع تداعياتها بأي وسيلة.
وثانياً، أن الصين التي حافظت على دبلوماسية هادئة هي التي أعطت وزناً للخيار الذي تمثّله «بريكس»، ويمكن أن تبلور قيادة عقلانية – بوجود الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا – لأي تغيير متوقع في النظام الدولي، بمعزل عن مخرجات الحرب في أوكرانيا.
لا بدّ أن انضمام السعودية والإمارات ومصر، استناداً إلى ما لديها من «نفوذ إقليمي وعالمي»، يضيف إلى «بريكس» بعداً جيواقتصادياً وآخر جيوسياسياً يحققان توازناً مهماً داخل المجموعة نفسها، ويؤكّدان حرصها على مسار موضوعي مستقبلي. فهذه الدول العربية تتناغم مع بكين في قولها إن «بريكس لا تعادي الغرب ولا تشارك في مواجهة مع أي معسكرات»، وإن توسيع عضوية المجموعة يهدف إلى تعزيز «التضامن والتعاون مع الدول النامية» و«قوة السلام والتنمية في العالم».
ورغم أن موسكو تعتبر وجود السعودية والإمارات في المجموعة «يعطي زخماً لمسألة الطاقة»، فإنهما لا تُخضعان إنتاجَهما النفطي لأي صراعات دولية. أما إبراز «التخلص من الدولار الأميركي» كهدف وشيك لـ«بريكس» فيبدو متسرّعاً، إذ يجب أن يسبقه نجاح التعامل بالعملات الوطنية، وهو ما لا يزال محدوداً.

نقلا عن الاتحاد