تهديدات أمنية:
انعكاسات تفكيك ألمانيا شبكة لتمويل فرع “داعش” بسوريا

تهديدات أمنية:

انعكاسات تفكيك ألمانيا شبكة لتمويل فرع “داعش” بسوريا



وجّه مكتب الادّعاء العام الاتحادي في ألمانيا، في 31 مايو الفائت، اتهامات لسبعة أشخاص (رجال وسيدات) يحملون الجنسية الألمانية، بجمع تبرعات مالية لتمويل تنظيم “داعش”، عقب 19 مداهمة متزامنة في ولايات عديدة هي: شمال الراين-ويستفاليا، وبادن-فورتمبيرغ، وراينلاند-بفالتس، وبريمن. وتشير المعلومات الأوّلية إلى أن الأشخاص السبعة يرجح أنهم جزء من شبكة دولية لجمع التبرعات لصالح “داعش” عبر التطبيقات المشفرة، وتسهيل تحويل بمبالغ مالية تُقدر بنحو 65 ألف يورو، وتوجيهها عبر وسطاء إلى سوريا.

أبعاد حاكمة

تشير الحملة الأمنية للسلطات الألمانية لاعتقال عناصر يُشتبه في تورطهم بتمويل تنظيم “داعش”، وبعض المعلومات المُعلنة حتى الآن، إلى عددٍ من الأبعاد الرئيسية، التي يتمثل أبرزها في:

1- تحرير نساء “داعش” من المخيمات السورية: لا يقتصر نشاط جمع التمويل من قبل موالين لتنظيم “داعش” على دعم النشاط العملياتي سواء في نطاق “القيادة المركزية” بالعراق وسوريا أو في أي من فروع التنظيم الإقليمية على اختلافها، ولكن يتعلق جمع التبرعات في حالة المجموعة الألمانية بتحرير نساء “داعش” في المخيمات بسوريا.

ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن موالين لتنظيم “داعش” أطلقوا حملات خلال السنوات الماضية لجمع تبرعات لتحرير نساء عناصر التنظيم المحتجزين في المخيمات بسوريا، عقب هزيمة تنظيم “داعش” في معركة الباغوز عام 2019، وتثار الشكوك حول إمكانية تحرير بعض تلك النساء بمبالغ مالية كبيرة.

وسبق أن واجهت مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تسيطر على مناطق في شمال شرقي سوريا، والتي تشرف على المخيمات والسجون التي تضم عناصر “داعش” وزوجاتهم، اتهامات بتحرير عناصر التنظيم مقابل مبالغ مالية، من خلال تفاهمات مع ذوي بعض تلك العناصر.

2- نشاط واسع لجمع التبرعات: من خلال المؤشرات الأوّلية للحملة الأمنية، فإن المجموعة المقبوض عليها لا تعمل منفردة، ولكنها تنشط في إطار شبكة موالية لـ”داعش”، تعمل على جمع التبرعات وإرسالها إلى الخارج. وبرز نشاط لشبكات موالية لـ”داعش” لجمع التبرعات عبر التواصل على تطبيقات التواصل الاجتماعي، وبعضها مشفرة، لتبادل الرسائل وتفاصيل التحويلات، قبل نقل الأموال عبر محطات في دول مختلفة، بعضها من ألمانيا إلى بريطانيا، على أن يتسلمها وسطاء لتسهيل عملية نقل الأموال إلى “داعش”.

3- نهج جديد لمكافحة تمويل الإرهاب: تتحرك ألمانيا في ملف مكافحة تمويل الإرهاب، ليس فقط على مستوى تفكيك الشبكات السرية، ولكن أيضاً على صعيد التدقيق في أنشطة الكيانات والجمعيات الرسمية، التي يشتبه في تورطها بتمويل التنظيمات الإرهابية، وتحديداً “داعش”، وأقدمت السلطات الألمانية على حظر نشاط بعض المنظمات، مثل قرار وزارة الداخلية الألمانية حظر منظمة “أنصار” الدولية في 5 مايو 2021، لتورطها في تمويل حركتي “حماس” الفلسطينية و”شباب المجاهدين” الصومالية.

4- شبكة من حاملي الجنسية الألمانية: ثمة ملمح مهم في تفاصيل القبض على العناصر السبعة المشار إليهم، وهو أن معظهم يحمل الجنسية الألمانية، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل حولهم، وما إذا كانوا من أصول عربية على سبيل المثال أم لا. ولكن بشكل عام، فإن المجموعة ليست من اللاجئين أو المهاجرين الذين يقيمون في ألمانيا جراء الأزمات التي شهدتها العراق وسوريا خلال السنوات الماضية.

دلالات مختلفة

تطرح العملية الأمنية الألمانية لتوقيف شبكة لجمع التبرعات لصالح عناصر “داعش” في الخارج عدداً من الدلالات الرئيسية، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- مواصلة الضغط لمكافحة تمويل الإرهاب: ركزالتحالف الدولي لمواجهة “داعش” بقيادة الولايات المتحدة، في مرحلة ما بعد تراجع تنظيم “داعش” على مستوى “القيادة المركزية” في العراق وسوريا خلال السنوات الماضية، على مكافحة تمويل الإرهاب، باعتبارها قضية مركزية، لحرمان التنظيم من إمكانية إعادة بناء القدرات مرة أخرى، بما يُسهم في تحجيم النشاط العملياتي، ويضعف من القدرات التمويلية للتنظيم، بعد خسارة المصادر التمويلية الرئيسية.

وتعد ألمانيا من الدول الفاعلة في التحالف الدولي، سواء عبر عمليات مكافحة تمويل الإرهاب، أو من خلال الأنشطة الاستخباراتية والعسكرية، خاصة مع تأكيد اجتماع التحالف الدولي في المغرب، في 11 مايو 2022، على ضرورة مواصلة عمليات مكافحة تمويل التنظيمات الإرهابية، وتحديداً تنظيم “داعش”. وبالتالي فإن التحركات الألمانية تأتي في سياق تفاهمات وسياسات التحالف الدولي، والتنسيق بين الدول الأعضاء في كشف شبكات التمويل العابرة للحدود.

2- تركيز ألماني على تتبع وتفكيك الشبكات: بغض النظر عن عدم الكشف عن الروابط بين العناصر المشتبه بتورطهم في تمويل “داعش” حتى الآن، سواء كانوا يعملون ضمن شبكة واحدة لجمع التبرعات وتحويلها للخارج بتنسيق كامل بينهم، أم أن الكشف عنهم جاء بعد التوصل للوسيط الذي يستقبل الأموال منهم، فإن العملية الأمنية اتسمت بالتعقيد.

وامتدت العملية الأمنية لكشف الروابط بين تلك المجموعة عبر عدد من الولايات، بما يشير إلى تركيز الأجهزة الأمنية على نهج تفكيك الشبكات وتتبعها عبر الولايات المختلفة خلال الفترة الماضية. وهنا، يتوقع أن تكون عملية المداهمة قد جاءت عقب فترة ليست بالقصيرة من التحريات وجمع المعلومات الدقيقة عن العناصر السبعة، وربما امتدت لتعاون استخباراتي مع دول أوروبية أخرى.

3- تخوف ألماني من الارتدادات الداخلية: يمكن قراءةالعملية الأمنية الألمانية في ضوءالتخوف من ارتدادات النشاط التمويلي للموالين لـ”داعش” على الأراضي الألمانية، وما يفرضه من تحديات أمنية داخلية على المستويين المتوسط والبعيد.

وترتبط تلك التخوفات بإمكانية توظيف تلك الأموال في مراحل لاحقة، لتنفيذ عمليات إرهابية داخل ألمانيا أو في أوروبا بشكل عام، خاصة مع تحركات ألمانيا لتحجيم أي نشاط إرهابي محتمل على أراضيها خلال السنوات الماضية، وتوسيع دائرة الاشتباه في العناصر المحتمل تنفيذها عمليات إرهابية.

وإضافة لذلك، فإن ألمانيا تواجه تحديات أمنية، تتعلق بعودة بعض الألمان الذين انخرطوا سابقاً ضمن صفوف تنظيم “داعش”، خاصة مع احتمالات تشكيل روابط بين تلك المجموعات وشبكات التمويل.

4- معاناة “داعش” من أزمات تمويلية: رغم التقديرات الغربية بشأن تراجع المصادر التمويلية المختلفة لتنظيم “داعش” مثل النفط والتهريب عبر الحدود، والتي كانت توفر عوائد مالية كبيرة، عقب فقدان السيطرة على المساحات الواسعة التي كانت ضمن نطاق نفوذه؛ إلا أن التنظيم لا يزال يحتفظ باحتياطات مالية، ولكنها متراجعة وتتراوح بين 25 إلى 50 مليون دولار، وفقاً لتقارير مجلس الأمن الدولي.

وهنا، فإن تنظيم “داعش” يواجه مأزقاً في توفير مصادر تمويلية، بصورة تدفعه إلى محاولة تنويع مصادر التمويل، خاصة مع الاتجاه إلى الاستفادة من المصادر التمويلية المختلفة في البيئات المحلية، وبالتالي تمثل شبكات التمويل عبر جمع التبرعات منفذاً مهماً بالنسبة للتنظيم خلال الفترة الحالية، وهو ما يبدو واضحاً من خلال دفع التنظيم عناصره إلى إطلاق مبادرات تمويلية للموالين للتنظيم خارج نطاق النشاط العملياتي، وتوظيفها في مرحلة “القتال من أجل البقاء”.

5- توظيف “داعش” لخطابات “عاطفية”: تُشير حملات جمع التبرعات لعناصر تنظيم “داعش” والموالين له في ألمانيا وغيرها من الدول عبر الشبكات، إلى احتفاظ التنظيم بالقدرة على استمالة عناصر جديدة، ليس فقط على مستوى تجنيدهم للانخراط في نشاط عملياتي وتوجيه بعضهم إلى ساحات القتال، ولكن أيضاً على صعيد الاستفادة منهم في عمليات جمع التبرعات وتشكيل شبكات لذلك، أو المشاركة في النشاط الإعلامي للتنظيم.

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى اتجاه تنظيم “داعش” لتوظيف خطابات “عاطفية”، لجذب العناصر والموالين لدفع تبرعات، ويتضح ذلك من خلال توظيف مسألة تحرير “النساء” في المخيمات السورية، مقابل عدم إثارة مسألة تمويل النشاط العملياتي، وهو خطاب قد يجد رواجاً لدى قطاعات معينة داخل الدول الأوروبية، وتحديداً على مستوى المسلمين في ألمانيا، في ضوء ما تشير إليه دوائر في ألمانيا من تعرض المسلمات لتضييقات.

تحديات مستقبلية

لم تكن المداهمة الألمانية الأولى من نوعها في عمليات مكافحة تمويل الإرهاب، فقد سبقتها حملات متعددة، ولكن مع تكرار القضايا من هذا النوع فإنها تكشف عن تحديات مستقبلية في هذا الملف، خاصة في ضوء احتفاظ تنظيم “داعش” بالقدرة على توظيف خطابات “عاطفية” لاستقطاب بعض المتطرفين في الدول الغربية، بما يعني أن “داعش” ما زال يحاول احتواء تداعيات الضربات والهزائم التي تعرض لها خلال المرحلة الماضية.