ساهم لقاء الرئيسين الصيني تشي جينبينج والروسي فلاديمير بوتين، خلال حضور الأخير افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية ببكين في ٤ فبراير الجاري، في تعميق التعاون المتزايد بين الدولتين والرؤية المشتركة للعالم والنظام الدولي؛ إذ أعلنا عن شراكة “بلا حدود” ودعم كل منهما للآخر بشأن المواجهات المتعلقة بأوكرانيا، حيث تنخرط روسيا في أزمة متصاعدة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، فضلاً عن تايوان التي تلقى دعماً من جانب الدول الغربية بعد انتهاكات صينية لمجالها الجوي.
وفي ظلّ احتدام استراتيجية “منافسة القوى العظمى” بين الولايات المتحدة الأمريكية من جانب وروسيا والصين من جانب آخر في منطقة الإندو-باسيفيك وأوروبا، فإنه يتوقع أن تنتقل تلك المنافسة إلى الشرق الأوسط، باستغلال القوتين (الروسية والصينية) سياسات الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وتقليل الانخراط المكثف في صراعاتها وأزماتها لتعزيز تعاونهما في المنطقة، ولا سيما مع تزايد أدوارهما في العديد من ملفات الشرق الأوسط، وتلاقي مصالحهما المشتركة راهناً، بما قد يفرض عليهما توسيع مجالات انخراطهما سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في المنطقة.
رؤى مشتركة
لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية القوة الدولية الرئيسية والوحيدة في الشرق الأوسط، في ظل تصاعد الدورين الروسي والصيني، بعد الانخراط العسكري الروسي في سوريا وليبيا، ونمو الاستثمارات الاقتصادية والتكنولوجية الصينية بدول المنطقة، وزيادة الدولتين من مبيعاتهما العسكرية فيها، على نحو يعني أن الاتفاق الصيني-الروسي الأخير سوف يعزز من مقاربتى الدولتين المتشابهتين تجاه التطورات التي تشهدها المنطقة راهناً، وذلك على النحو التالي:
١- دعم المحور الثلاثي الإيراني-الصيني-الروسي: سيعمل الاتفاق الأخير بين موسكو وبكين على تعزيز التحالف الثلاثي بين إيران والصين وروسيا الذي شهد جملة من التطورات خلال الأشهر الماضية بعقد الجولة الثالثة من مناورات “حزام الأمن البحري ٢٠٢٢” في ٢١ يناير الفائت في شمال المحيط الهندي، وهي تدريبات بحرية مشتركة بدأت في عام ٢٠١٩، وتهدف إلى تعزيز التعاون المتعدد الجوانب والأمن المشترك بين الدول الثلاث، وكذلك دعم مساعي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي منذ توليه السلطة في أغسطس الماضي لتطبيق سياسة “التوجه شرقاً” بهدف تعميق العلاقات مع روسيا والصين، ولا سيما بعد انضمام طهران إلى منظمة شنغهاي للتعاون في سبتمبر الماضي، وهي كيان أمني آسيوي تقوده بكين وموسكو، وهو ما ترجمته زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بكين في ١٥ يناير الفائت، وإعلانه بدء تنفيذ وثيقة التعاون الشاملة الاستراتيجية مع الصين والممتدة لـ٢٥ عاماً بقيمة ٤٠٠ مليار دولار، والتي تم التوقيع عليها في ٢٧ مارس الماضي بين وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيره الإيراني -آنذاك- محمد جواد ظريف، فضلاً عن زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو في ١٩ يناير الفائت، على نحو سيعزز من الموقف الإيراني في مفاوضات فيينا، وسيزيد من الإصرار الإيراني على تنفيذ عدد من المطالب قبل العودة مجدداً للاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في 8 مايو 2018 وبدأت في فرض عقوبات أمريكية على إيران في 7 أغسطس من العام نفسه.
٢- الحفاظ على علاقات متوازنة مع كافة الدول: تتفق روسيا والصين على ضرورة الحفاظ على علاقات متوازنة بين جميع القوى الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، وتجنب الانحياز لأطراف النزاعات والخلافات في المنطقة، فضلاً عن تبني سياسة حذرة إزاء التورط في خلافات ونزاعات المنطقة، والتدخل في شئون دولها، حيث يهيمن النمط التعاوني على علاقات موسكو وبكين مع كل دول المنطقة تقريباً، وخاصة بين الدول التي تتصاعد بينها حدة الخلافات، فتحافظ الدولتان على علاقات استراتيجية مع إيران، وفي الوقت ذاته ترتبطان بعلاقات اقتصادية وأمنية مع إسرائيل.
٣- تأكيد سياسة عدم التدخل في شئون المنطقة: في ظل رفض كل من روسيا والصين الانتقادات الأمريكية والغربية لنظاميهما السياسيين، فإن التوافق بينهما سيعزز من موقفيهما المعارضين لسياسات الدول الغربية التي توجهان اتهامات لها بالتدخل في الشئون الداخلية لدول الشرق الأوسط، ولا سيما الحليفة لهما. ولهذا، أصدر مسئولو الدولتين العديد من التصريحات التي تنتقد التدخل الغربي في الشئون الداخلية لإيران والدول الأخرى بالمنطقة. ومن هنا، لا يتوقع أن تتخذا مواقف واضحة إزاء التطورات الإقليمية المثيرة للخلافات، حيث يشكل مبدأ “عدم التدخل” أحد المبادئ الرئيسية للسياسة الخارجية للدولتين.
٤- تقليص مساحات التصادم المحتمل: في الوقت الذي تسعى فيه القوتان الروسية والصينية لتعزيز نفوذهما العسكري في المنطقة، سواء بزيادة كل منهما من حصتها من مبيعات الأسلحة لدول المنطقة، والتواجد العسكري الروسي في سوريا وليبيا، وكذلك الصيني في جيبوتي؛ فإن الدولتين –حتى الآن– تعملان على تقليل مساحات التصادم بينهما، والتركيز على هدف مختلف عن الذي تسعى إليه القوة الأخرى، حيث يهدف التواجد العسكري الروسي في المنطقة إلى تأكيد الصعود الروسي وتحديه للقوة العسكرية الأمريكية عالمياً، بينما يركز التواجد العسكري الصيني على استمرار حرية الملاحة الدولية وضمان وصول إمدادات النفط من المنطقة إلى الصين، التي تعتمد عليها في تعزيز نموها الاقتصادي. وبالطبع، فإن ما يدعم من احتمال التعاون العسكري بين الدولتين المناورات المشتركة مع إيران التي بدأت في ديسمبر ٢٠١٩ بالقرب من مضيق هرمز.
٥- عدم تحدي النظام الأمني بالشرق الأوسط: على الرغم من احتدام المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية من جانب والصين وروسيا من جانب آخر، فإنه ليس من مصلحة موسكو وبكين تحدي النظام الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، لأنهما تستفيدان منه، حيث وفر الالتزام الأمريكي بأمن واستقرار المنطقة لهما المظلة لزيادة علاقاتهما الاقتصادية والسياسية بدول المنطقة وحلفائهما من دون تحمل تكلفة الحماية المادية لمصالحهما.
عقبات مستقبلية
مع أن التقارب بات سمة رئيسية في السياستين الروسية والصينية تجاه العديد من ملفات منطقة الشرق الأوسط راهناً، إلا أنه لا تزال هناك عقبات أمام التعاون الوثيق بينهما في المستقبل، ولا سيما مع المخاوف الروسية المتزايدة من الدور والطموحات الصينية في منطقة آسيا الوسطى، وهي منطقة نفوذ تاريخية لروسيا. ولذا لا تستبعد اتجاهات عديدة أن تكون المنطقة ساحة جديدة للتنافس بين القوتين الروسية والصينية، مع تزايد احتمالات الصراع بينهما في ظل اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقليل الانخراط في منطقة الشرق الأوسط، على نحو سوف ينتج فراغاً تسعى كل منهما إلى ملئه، ولا سيما مع أهمية المنطقة، التي تقع على مفترق طرق بين آسيا وإفريقيا وأوروبا.