منطقة خطر:
انعكاسات التوترات الأمنية في البحر الأحمر على الاستقرار الإقليمي

منطقة خطر:

انعكاسات التوترات الأمنية في البحر الأحمر على الاستقرار الإقليمي



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 24 ديسمبر 2023، جلسة استماع بعنوان “منطقة خطر: انعكاسات التوترات الأمنية في البحر الأحمر على الاستقرار الإقليمي؟“. واستضاف المركز السفير الدكتور يوسف الشرقاوي سفير مصر السابق في اليمن (كمتحدث رئيس في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ عمرو عبد العاطي، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ حسين معلوم، والأستاذ محمد عمر، والأستاذة نهلة عبدالمنعم.

نشأة مركبة

وتطرّق السفير يوسف الشرقاوي إلى تأثير وجود جماعة الحوثي في البحر الأحمر وظهورها القوي في اليمن منذ سنوات وذلك بسبب سياسات الرئيس السابق علي عبد الله صالح وعوامل أخرى في اليمن، بجانب دور إيران في نشأتها، وكل هذه العوامل أدت إلى بروزها على الساحة السياسية ومن ثم سيطرتها على أجزاء واسعة من أراضي اليمن، وخاصة في منطقة البحر الأحمر عبر فرض السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي بالنسبة لحركة التجارة العالمية، وقد اتضح ذلك خلال العمليات التي نفذتها الحركة منذ ديسمبر 2023 ضد السفن الإسرائيلية أو المتجهة لإسرائيل بسبب حرب غزة.

تداعيات متداخلة

وأوضح السفير يوسف الشرقاوي أن حرب غزة التي بدأت منذ العدوان الإسرائيلي على القطاع في 7 أكتوبر 2023 أدت إلى تداعيات متعددة، أحدها التوترات الأمنية في البحر الأحمر، فانتقال الهجمات إليه يعد أحد جوانب توسع هذه الحرب إلى حرب إقليمية رغم دخول حزب الله اللبناني في بداية الحرب، لكنه كان غير مؤثر لأنه اتبع أسلوب الكر والفر وتنفيذ عمليات محدودة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية غير مؤثرة بشكل كبير مثلما تفعل جماعة الحوثي في البحر الأحمر. وقد نجم عن التهديدات الأمنية في البحر الأحمر عدة تداعيات تمثلت في:

1- المساس بحركة التجارة العالمية: فقد تسببت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر ليس فقط في الإضرار بالسفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل، ولكن التأثير على التجارة العالمية، لأن البحر الأحمر يُعد أحد أهم شرايين الملاحة الدولية وخاصة لوجود مضيق باب المندب وقناة السويس، ولهذا أعلنت شركات كبرى دولية وقف عملياتها في هذه المنطقة، سواء شركات النفط أو الحاويات والسفن.

2- التأثير على خطوط إمداد النفط: أثرت عمليات الحوثيين في البحر الأحمر على خطوط وعمليات إمدادات النفط، سواء السفن أو أنابيب النفط المنتشرة على سواحل البحر الأحمر بين الدول، بجانب تعطل منصات الإنتاج خوفاً من عمليات الاستهداف.

3- التأثير على إيرادات قناة السويس: ما يجري في البحر الأحمر سيؤثر على حركة التجارة العالمية عبر قناة السويس مما يمثل ضرراً اقتصادياً لمصر.

4- استغلال الولايات المتحدة الهجمات لتعزيز الوجود في المنطقة: استغلت الولايات المتحدة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر لتعزيز وجودها وسيطرتها على المنطقة، فقد طرحت فكرة تشكيل قوة بحرية دولية باسم “حارس الازدهار” لعدة أهداف، من بينها:

اتخاذ القوة البحرية الجديدة كستار وبداية لتشكيل حلف الناتو الشرق أوسطي: فقد فشلت واشنطن في تشكيل هذا الحلف في السنوات الماضية، لكن معظم الدول العربية فطنت لهذا الأمر ولم تدخل في القوة البحرية الجديدة، فهناك مجموعات عمل دولية بالفعل قائمة يتم العمل من خلالها لتأمين الأمن البحري، مثل قوة المهام المشتركة (153).

توظيف القوة البحرية الجديدة كوسيلة للتطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة: تريد الولايات المتحدة استغلال قوة حارس الازدهار المرتقبة كأداة لتفعيل وتوسيع دائرة التطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة تحت ستار تعزيز التعاون البحري بشأن الملاحة الدولية ومن ثم توسيع التطبيع في مجالات أخرى.

الضغط على جماعة الحوثي بدرجة محدودة: تريد واشنطن استغلال القوة البحرية في الضغط على جماعة الحوثي بدرجة محدودة، فهي تحظى بعلاقات معها بالفعل ولا تريد القضاء عليها ولكن تحجيمها، فقد كانت هناك فرص كبيرة أمام الولايات المتحدة لحل الأزمة الأمنية لكنها لم تفعلها أو تضغط بالدرجة الكافية نحو الحل.

وتطرق السفير يوسف الشرقاوي إلى أهداف تصعيد جماعة الحوثي من الهجمات في البحر الأحمر، وتمثلت في التالي:

1- تنفيذ أهداف وأجندة إيران في المنطقة: في ظل التحالف بين الحوثيين وطهران تريد الجماعة تنفيذ أهداف إيران في المنطقة من خلال حروب الوكالة، فقد منحت حرب غزة إيران دوراً مهمّاً استغلته بقوة مقارنة بدول أخرى في المنطقة، هذا بجانب إيعازها لحزب الله لشن هجمات ضد إسرائيل ولكن محدودة عبر آلية الكر والفر، حيث تتبع إيران آلية “القيادة المحكومة والمنظمة” لمنع تصعيد الحرب الإقليمية بشكل كبير حتى لا تتضرر منها بقوة أو يتم القضاء بشكل كامل على وكلائها، فما زال الصراع محكوماً بآليات وتفاهمات معينة بين أطراف المنطقة، وكذلك إيران لها أهداف قوية في المنطقة، لهذا تريد تحقيقها عبر تقوية ودعم جماعة الحوثي بأسلحة متقدمة مثل الطائرات المسيرة الذكية والصواريخ الباليسيتة طويلة المدى، وهذا ساهم في الضغط على دول المنطقة بشكل كبير.

2- تعزيز دور الجماعة على الساحة الدولية: تريد جماعة الحوثي من التصعيد في البحر الأحمر تعزيز شرعيتها الدولية، والسعي للحصول على اعتراف دولي، فما زالت حتى الآن غير معترف بها، فالمجتمع الدولي يعترف فقط بالحكومة اليمنية الشرعية، لكن هذا الأمر لن يحدث فلا توجد اتفاقيات أو توجهات للاعتراف بهم كحكومة مستقلة، وإنما يجري التفاوض على دمجهم في العملية السياسية القائمة، فقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن مثل القرار رقم 2216 لا تعترف بهم، وهذا لن يحدث حتى لا تكون سابقة دولية تؤدي إلى تعزيز عمليات الانقسام والتمرد.

3- ممارسة الضغط على الدول العربية: استغلت جماعة الحوثي حرب غزة في تهديد الملاحة في البحر الأحمر واستهداف أهداف إسرائيلية لممارسة ضغوط شعبية على قادة وحكومات الدول العربية وإحراجهم أمام شعوبهم، بجانب تعزيز شعبيتها وتحسين صورتها في الشارع والأوساط الشعبية العربية.

آليات التحرك العربي

كما تطرّق السفير الشرقاوي إلى آليات ومحددات التحرك العربي لمواجهة تهديدات الأمن في البحر الأحمر، ومن بين هذه الآليات:

1- تعزيز التعاون العربي بشأن البحر الأحمر: من خلال عقد اجتماعات عاجلة للجامعة العربية لحماية الملاحة البحرية، فالدول العربية لم تأخذ قراراً جماعياً بشأن هذا الأمر منذ بداية التصعيد وحتى الآن.

2- الاهتمام بدبلوماسية الموانئ: عن طريق التعاون بين الدول العربية، وتعزيز عمليات وصناعة اللوجستيات، والتعاون بين الموانئ العربية لتعزيز الأمن البحري المشترك.

3- مواجهة استغلال دول الإقليم للتطورات الحالية: من المتوقع استغلال بعض الدول الإقليمية مثل تركيا وإثيوبيا وإيران للتطورات الحالية في البحر الأحمر للإضرار بالدول العربية، لذا يجب الانتباه لهذا الأمر ومنعه.

4- فتح قنوات تواصل مع القوى الكبرى: يجب تنويع التحالفات وإقامة قنوات تواصل مع الدول الكبرى الفاعلة مثل الصين وروسيا، وتشكيل لجان دولية للأمن البحري تضم الدول المشاطئة على البحر الأحمر للانضمام لها لتكون بمثابة آلية لحماية الملاحة البحرية انطلاقاً من الاتفاقيات الدولية القائمة بالفعل.

5- تشكيل مبادرة دولية لحماية الملاحة: يكون ذلك عبر طرح فكرة مبادرة أو منتدى دولي لحماية الملاحة الدولية، وتوسيع نطاقها لتشمل البحر الأحمر والمحيط الهندي وحتى تحويله إلى منتدى دولي بحري يركز على الأمن البحري فقط، لأن الأمن البحري مهم للغاية لدول المنطقة العربية، وشريان للتجارة والتواصل بينهم ودعم الاقتصادات العربية.

محدِّدات التحرك الأمريكي

كذلك تطرق السفير الشرقاوي إلى محددات التحرك الأمريكي تجاه ما يجري في البحر الأحمر من خلال التالي:

1- التقيد بانتخابات الرئاسة: يخشى الرئيس جو بايدن تصعيد الصراع في البحر الأحمر مع قرب انتخابات الرئاسة الأمريكية، فهو لا يريد الصدام في الوقت الحالي مع الدول العربية، أو الوقوع في صراع جديد بالمنطقة تستغله القوى الكبرى وخاصة الصين وروسيا.

2- ضبط تحرّكات الحوثيين: تمتلك الولايات بالمتحدة بالفعل تواصلاً مع الحوثيين، ولا تريد توسيع الصراع، حيث لا تريد تصعيد الصراع بقوة في البحر الأحمر، لأنه سيكون هناك ردع أمريكي قوي، وعدم الاكتفاء باعتراض الصواريخ والمسيرات التي تطلقها، سواء في البحر الأحمر أو تجاه إسرائيل.

3- توجيه ضربة عسكرية قويّة للحوثيين: قد توجّه القوات الأمريكية ضربة قوية للبنية التحتية العسكرية للجماعة في حال تمادت في الصراع رغم خشية الولايات المتحدة من هذا السيناريو، لأنه لن يقضي كلية على تهديدات الجماعة لأنه سيكون لديها إمكانيات وأسلحة أخرى قادرة على إلحاق خسائر واضحة بمصالح واشنطن وحلفائها في المنطقة.

4- عدم توسيع نطاق حرب غزة الخامسة: تخشى الولايات المتحدة من اتّساع نطاق حرب غزة إلى حرب إقليمية، لهذا ليس من مصلحتها توسيع الحرب في المنطقة، فالشارع العربي معبأ بالأساس ضد الولايات المتحدة بسبب دعمها لإسرائيل في حرب غزة، وقيام حرب لن يكون في صالحها.