كما كان متوقعاً، تمكن تيار المحافظين الأصوليين من السيطرة على معظم مقاعد مجلس الشورى الإسلامي في الانتخابات التي أُجريت في أول مارس الجاري، بالتزامن مع انتخابات مجلس خبراء القيادة. إذ أعلن وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، في 4 من الشهر نفسه، أنّ عدد المشاركين في انتخابات مجلسي الشورى الإسلامي وخبراء القيادة وصل إلى 25 مليون ناخب، بنسبة بلغت 41%.
ورغم أن هناك جولة إعادة سوف تجري خلال أبريل أو مايو القادمين، لحسم أكثر من ثلثي مقاعد العاصمة طهران، فضلاً عن 20 دائرة انتخابية في 15 محافظة من ضمن 31 محافظة، فإن ذلك في مجمله لا ينفي أن تيار المحافظين الأصوليين في طريقه إلى السيطرة على أغلبية مقاعد البرلمان في دورته الجديدة.
تداعيات مختلفة
سوف تفرض نتائج انتخابات مجلسي الشورى الإسلامي وخبراء القيادة تداعيات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- اتساع نطاق الاستقطاب السياسي: بدا لافتاً أن هذه الانتخابات تحديداً سوف تدشن مرحلة جديدة في العلاقة بين التيارات السياسية الرئيسية من جهة والنظام الحاكم من جهة أخرى. فلأول مرة، يقاطع الرئيس الأسبق محمد خاتمي الانتخابات، على نحو يشير إلى المدى الذي وصل إليه استياء تيار الإصلاحيين من الإجراءات السياسية التي يتخذها النظام، ولا سيما فيما يتعلق باستخدام “مقصلة” مجلس صيانة الدستور في رفض العدد الأكبر من مرشحي هذا التيار للاستحقاقات المختلفة.
بل إن تلك المقصلة طالت حتى أبرز أقطاب تيار المعتدلين، وفي مقدمتهم الرئيس السابق حسن روحاني الذي رفض مجلس الصيانة أهلية ترشيحه لانتخابات مجلس الخبراء رغم أنه كان عضواً في المجلس لثلاث دورات متتالية.
ورغم أن النظام يفرض قيوداً شديدة على تيار الإصلاحيين، منذ اندلاع الأزمة السياسية في عام 2009 نتيجة الاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مايو من هذا العام وأسفرت عن فوز الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية، والذي قادته ما عرف إعلامياً بـ”الحركة الخضراء”؛ فقد كان الرئيس الأسبق محمد خاتمي، الذي يُتهم بأنه أحد قادة ما تسميه السلطات ووسائل الإعلام القريبة منها “تيار الفتنة”، حريصاً على المشاركة بالإدلاء بصوته في كل الاستحقاقات الانتخابية المختلفة، لتأكيد أنه ما زال مؤمناً بالنظام الإيراني وبولاية الفقيه، رغم أنه يتعرض لإجراءات تعسفية من جانب السلطات على غرار عدم المشاركة في المناسبات العامة وعدم الظهور في الإعلام.
وقد تماهت “جبهة الإصلاحات” مع هذا الموقف الذي اتخذه الرئيس خاتمي، في إشارة إلى أن الاتجاه الأبرز داخل تيار الإصلاحيين بات يرى أن توجيه إشارات إلى النظام بأن الإصلاحيين ما زالوا موالين لولاية الفقيه لم يعد يُجدي نفعاً في ظل إصرار التيار المتشدد النافذ داخل مؤسسات النظام على تبني السياسة نفسها التي تقوم على إقصاء وتهميش تيار الإصلاحيين من مختلف تلك المؤسسات.
2- تصاعد الصراع داخل تيار الأصوليين: رغم اتفاق أكثر من جناح داخل تيار المحافظين الأصوليين على المشاركة في الانتخابات بقائمة واحدة، على غرار “شورای ائتلاف انقلاب اسلامى- مجلس ائتلاف قوى الثورة الإسلامية” (شانا) و”جبهه پایداری- جبهة الصمود”؛ إلا أن ذلك لا ينفي أن الصراع سوف يتصاعد داخل هذا التيار في مرحلة ما بعد انتهاء الانتخابات، التي ستفرض نتائجها توازنات سياسية جديدة داخل التيار، على نحو سوف يدفع بعض الأجنحة إلى التحرك من أجل تعزيز نفوذها داخل المجلس في دورته الجديدة، على مستوى هيئة رئاسته ولجانه المختلفة. بل إن رئيس الدورة المنتهية ولايتها محمد باقر قاليباف قد يواجه صعوبة في الاحتفاظ بمنصبه في ظل النتائج الجديدة التي أسفرت عنها الانتخابات، وفي ظل خلافاته مع العديد من أقطاب تيار المحافظين الأصوليين.
3- تراجع تأثير تيار المحافظين التقليديين: كان لافتاً أن قائمة “صداى ملت – صوت الأمة” التي ترأسها النائب الأصولي -الذي تولى في الدورة العاشرة منصب نائب رئيس المجلس ورفض مجلس صيانة الدستور أهليته للترشح في انتخابات الدورة الحادية عشرة- علي مطهري، لم تحقق نتائج تذكر في الانتخابات، بل إنها تعرضت لهزيمة سياسية قوية. إذ لم يأت مطهري، على سبيل المثال، في قائمة أول 60 نائباً في العاصمة طهران خلال الانتخابات.
وقد حرص مطهري قبل الانتخابات على أن يضم داخل القائمة قوى سياسية مختلفة قريبة من تيار المحافظين التقليديين، على غرار “کارگزاران- كوادر البناء”، إلى جانب “اعتدال وتوسعه- الاعتدال والتنمية”، و”اعتماد ملي- الثقة الوطنية”، و”نداى ايرانيان- صوت الإيرانيين”، وحاول من خلال ذلك أن يستقطب أصوات بعض قوى تيار الإصلاحيين والمحافظين التقليديين. إلا أنه لم ينجح في ذلك نتيجة مقاطعة تيار الإصلاحيين للانتخابات.
وقد أصدر مطهري بياناً بعد خسارة قائمته في الانتخابات، أشار فيه إلى أنه يختلف عن موقف التيار الداعي إلى مقاطعة الانتخابات، وأن مشاركته في تلك الانتخابات لم يكن هدفها الحصول على مقاعد في المجلس بقدر ما كانت دفع المواطنين إلى المشاركة فيها.
واللافت في هذا السياق، هو أن هذا البيان نفسه قد يعرض مطهري لانتقادات قوية من جانب بعض القوى السياسية التي شاركت معه في القائمة، إلى جانب القوى الإصلاحية الأخرى التي قاطعت الانتخابات، باعتبار أن هذا الهدف الذي تبناه كان يخدم أجندة النظام الذي سعى إلى تحفيز المواطنين للمشاركة في الانتخابات، دون أن تكون هناك مؤشرات تكشف أن المنافسة في الانتخابات من الممكن أن تؤدي إلى مشاركة تيار المحافظين التقليديين أو الإصلاحيين في الدورة الجديدة للمجلس.
4- تعزيز دور البرلمان في الملفات الرئيسية: ربما يتجه مجلس الشورى في دورته الجديدة إلى محاولة تعزيز دوره في إدارة الملفات الرئيسية، على المستويين الداخلي والخارجي، خاصة الملفات التي تحظى باهتمام خاص، وفي مقدمتها الملف النووي والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، والصراع في المنطقة الذي تفاقم بفعل الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، فضلاً عن قضايا مثل الحجاب وحقوق المرأة، إلى جانب الأزمة الاقتصادية.
وهنا، فإن ذلك قد يؤدي إلى تصاعد حدة الضغوط على حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، التي رغم أنها تحظى بدعم من جانب المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، إلا أنها تواجه انتقادات بسبب تصاعد حدة التداعيات التي تنتجها الأزمة الاقتصادية.
مرحلة جديدة
في النهاية، يمكن القول إن انتخابات مجلسي الشورى وخبراء القيادة سوف تدشن مرحلة جديدة من الصراع السياسي داخل إيران، فرغم أن تيار المحافظين الأصوليين نجح في تعزيز نفوذه داخل المؤسسات الرئيسية؛ إلا أن ذلك لا ينفي أن النظام الإيراني سوف يواصل تبني سياسته التقليدية القائمة على عدم السماح لتيار سياسي واحد بالهيمنة على عملية صنع القرار، حيث سيتجه إلى تعزيز التباين في وجهات نظر القوى المنضوية تحت لواء هذا التيار، في إطار ما يمكن تسميته بـ”انشطار النواة”، على نحو يوحي بأن الصراع سوف يكون عنواناً رئيسياً للتفاعلات التي سوف تجري بين تلك القوى خلال المرحلة القادمة.