مؤخراً تداولت معظم القوى والأطراف اليمنية مستقبل اليمن، وعلى إثر ذلك تغيرت سلطة الشرعية في سبيل رسم خريطة طريق لنقل اليمن من الحرب والتفكك إلى السلام والأمن. في الرياض وبرعاية مجلس التعاون الخليجي ودعم إماراتي تم ذلك، كما أعلن الرئيس عبد ربه منصور هادي عن تخليه عن منصبه وإعفاء نائبه الفريق علي محسن الأحمر من منصبه، وتفويض صلاحياته الرئاسية كاملة لمجلس رئاسي قيادي يضم ثماني شخصيات مناصفة بين الشمال والجنوب يترأسه اللواء د. رشاد العليمي.
ما حدث يدعونا للتفاؤل في ضوء موقع د. العليمي غير المحسوب على طرف دون آخر، وفي ظل ما يتمتع به من سمات قيادية وقبول داخلي قبل الخارجي، وهو الرجل المشهود له بالنزاهة والكفاءة، فضلاً عن خبراته السياسية والأمنية. ولا شك أن كل ذلك سيسعفه لإدارة ملف التفاوض مع «الحوثيين» لوقف الحرب وتحقيق السلام.
اللافت فيما حدث أن الصياغة النهائية لمخرجات اللقاء في الرياض كانت يمنية خالصة دون تأثير خارجي، وهو ما لقي ترحيباً من دول عربية مختلفة ومن جامعة الدول العربية، خصوصاً وأن الرغبة شديدة بالوصول إلى صيغة تلبي طموح اليمنيين، وبمساعدة عربية يمكن أن تصل الأمور إلى ما هو لخير اليمن. فكان أن ضخت الرياض وأبوظبي ثلاثة مليارات دولار في اليمن لإنعاش اقتصاده عقب تسمية أعضاء المجلس، وكان لهذا الدعم أثره المباشر بارتفاع قيمة الريال اليمني بنسبة 30%، فيما شهدت الأسواق اليمنية المحلية رواجاً لم تعرفه منذ سنوات.
بعيداً عن العواطف والأمنيات، من الضروري التأكيد على أن طريق السلام في اليمن لن يكون مفروشاً بالورد، فالشرخ لا يزال كبيراً بين المجلس و«الحوثيين». لكن على الطرف الأخير أن يقرأ المشهد جيداً ويلتقط الإشارة لطي صفحة الحرب، وهي رغبة يمنية بالدرجة الأولى، وعربية بالدرجة الثانية، وإقليمية ودولية أيضاً، فالجميع على قناعة تامة بضرورة وقف النزيف، ووقف التهديد الذي يؤثر على الملاحة البحرية وعلى تجارة النفط. وهنا علينا ألا نغفل عن الحرب الروسية الدائرة في أوكرانيا، وأثرها على إمدادات الطاقة العالمية.
الرغبة صادقة بوضع حد لمعاناة الشعب اليمني، والسعي الجاد لإخراجه من مستنقع الحرب والقتال الضاري، والذي إن لم ينته فالخسائر ستكون مستمرة.
إن الاهتمام بما يحدث لليمن داخله وخارجه ليس من باب الترف، ولا يجب أن يكون كذلك. إذ علينا أن لا ننسى الحقائق المرتبطة بالتاريخ والجغرافيا، وبأن منطقة الخليج العربي لا تتوقف عند مجلس التعاون الخليجي، ذلك أن المنطقة طبيعياً تمتد حتى العمق اليمني، وهو بالتأكيد عمق استراتيجي في منطقة الخليج. عدا عن أصالة أبناء اليمن وعراقتهم، والروابط التي تجمعهم بمحيطهم.
إن استقرار اليمن وبناء مستقبله على أرضية مستقرة سيؤثر إيجاباً على مستقبل دول المنطقة، والتي ستؤثر إيجاباً على نهضة اليمن كذلك. ولأني معني كمواطن عربي بأحوال اليمن بشكل أو بآخر، أتمنى أن تجتمع أقطاب القوى السياسية اليمنية على الحلول التي تجدها مناسبة لصالح اليمن أولاً، وليس لصالح أحد آخر.
ما حدث في الرياض فرصة سانحة ومهمة لإيصال اليمنيين إلى حل شامل ينهي ما يحدث في بلدهم. فلا الاقتتال نافع، ولا فساد النوايا، ولا حتى الأخذ بمصلحة حزب على حساب بقية الأحزاب، فيما الشعب مطحون في حرب لا تبقي ولا تذر.
نقلا عن الاتحاد