المواجهة العربية للتغيرات المناخية – الحائط العربي
المواجهة العربية للتغيرات المناخية

المواجهة العربية للتغيرات المناخية



لاشك أن انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخى (cop 27) على أرض عربية لأول مرة فى مدينة شرم الشيخ المصرية بكل هذا الزخم والحضور الدولى الكبير على أعلى مستوى، يشكل فرصة مهمة للدول العربية للقيام بدور أكبر فى مواجهة أزمة التغير المناخى، خاصة أن المنطقة العربية من أكثر المناطق التى تعانى من آثار هذه الأزمة على مستوى العالم.

والحقيقة أنه كانت هناك محاولات عربية جادة للتعامل مع قضية التغير المناخى منذ سنوات، بدأت بصدور الإعلان الوزارى العربى حول التغير المناخى الذى اعتمده مجلس الوزراء العرب المسئول عن شئون البيئة فى ديسمبر 2007، وعكس وجهة النظر العربية فى التعامل مع قضايا تغير المنـاخ، محذرا من أن المنطقة العربية الواقعة فى نطاق المناطق الجافة والقاحلة ستكون من أكثر المناطق عرضة للتأثيرات المحتملة للتغيرات المناخية، من تهديد للمناطق الساحلية، وازدياد حدة الجفاف والتصحر وشح الموارد المائية، وزيادة ملوحة المياه الجوفية، وانتشار الأوبئة والآفات والأمراض على نحو غير مسبوق.

وهذه التغيرات سيكون لها انعكاسات سلبية على التنمية فى المنطقة العربية، مثل تراجع فى الإنتاج الزراعى والغطاء النباتى وفقدان التنوع البيولوجى ونقص فى تأمين الغذاء، وتهديد استثمارات اقتصادية حيوية، كما قد يكون لها تداعيات اجتماعية بسبب زحف المواطنين وهجرتهم من المناطق المتأثرة الى مناطق أخرى داخل الدولة الواحدة أو دول الجوار أو دول أخرى، مما سينتج عنه ضغوط متزايدة على البيئة والموارد، إلى جانب التداعيات على الصحة العامة بسبب تنامى تلوث الهواء وموجات الحرارة الشديدة واتساع نطاق الأمراض المعدية.

ورغم أهمية هذا الإعلان الوزارى فإن معظم الدول العربية لم تتعامل مع ما ورد به من إجراءات بالجدية الكافية وخاصة ما يتعلق بتبنى خطط عمل وطنية وإقليمية للتعامل مع قضايا تغير المناخ لتقييم تأثيراتها المحتملة ووضع برامج المجابهة والتكيف، يكون للحكومات دور محورى فى تنفيذها بالتنسيق والتعاون مع مراكز الأبحاث العلمية والجامعات ومؤسسات المجتمع المدنى والقطاع الخاص.

وكذلك التركيز على إنتاج الوقود الأنظف وتحسين كفاءة استخدام الطاقة فى جميع القطاعات، وتنويع مصادر الطاقة وفقاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة، والتوسع فى استخدام تقنيات الإنتاج الأنظف والتقنيات الصديقة للمناخ، واستحداث ونشر منهجيات وأدوات لتقييم آثار التغير المناخى ومدى التأثر به، وتحسين التخطيط للتكيف وتدابيره وإجراءاته، والإدماج فى التنمية المستدامة. والعمل على فهم واستحداث ونشر تدابير ومنهجيات وأدوات تحقق التنوع الاقتصادى، بهدف زيادة مرونة القطاعات الاقتصادية القابلة للتأثر بتغير المناخ.

وعاد الاهتمام العربى مرة أخرى بالقضية من خلال المؤتمر العربى الأول للحد من مخاطر الكوارث الذى عقد فى الأردن عام 2013، وقدمت خلاله الأمانة العامة للجامعة العربية خطة للتعامل مع قضايا تغير المناخ، بهدف تعزيز قدرات الدول العربية لاتخاذ التدابير الملائمة للتعامل مع قضايا تغير المناخ على نحو يقلل من آثاره السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية وبما ينسجم ومتطلبات التنمية المستدامة فى المنطقة العربية، من خلال الاستعداد لمجابهة الآثار المحتملة لتغير المناخ من خلال برامج التكيف، والإسهام الطوعى فى التخفيف من مخاطر تغير المناخ والمشاركة فى الجهود الدولية لخفض الانبعاث، فى إطار آليات الاتفاقية على أن يرتبط حجمه ومداه بما توفره الدول المتقدمة من الدعم اللازم من تمويل ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات، مع المحافظة على الموارد الطبيعية والبشرية وتأمين عدم تضرر المستوى المعيشى للمواطن العربى بتأثيرات تغير المناخ، وتعزيز وتيرة التنمية المستدامة فى الدول العربية.

وهذه الخطة العربية كانت تقوم على التقييم المتكامل لقابلية الضرر وفهم طبيعته وآثاره الاقتصادية والاجتماعية على القطاعات المختلفة، وتقييم المخاطر ومدى قدرة المجتمع ببيئته التنظيمية وفعاليته الاقتصادية على التكيف معه، وبناء وتعزيز التعاون مع الاستراتيجية الدولية للحد من الكوارث، وتحسين كفاءة إدارة الموارد الطبيعية باستخدام نظم الرصد والمراقبة والإنذار المبكر والتقنيات المناسبة، وكان من المقرر الانتهاء من تنفيذ هذه الخطة خلال عشر سنوات على مرحلتين، كل مرحلة خمس سنوات من خلال برامج وأنشطة وطنية وإقليمية مشتركة، بمشاركة الحكومات والمنظمات العربية والإقليمية والدولية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدنى والقطاع الخاص والإعلام، أى أنه كان من المفترض الانتهاء من تنفيذ كل عناصر تلك الخطة فى مطلع العام المقبل، ولكن الخطة تعثرت ولم تسر عملية التنفيذ بالشكل الذى وضعته الأمانة العامة للجامعة العربية عام 2013.

ورغم تعثر هذه الخطة نجحت الدول العربية فى القيام بعدة إجراءات بشكل جزئى لمواجهة آثار تغير المناخ، ومنها (إعلان القاهرة) الذى صدر عام 2019، فى أول اجتماع مشترك لوزراء المياه والزراعة العرب، والذى أكد على الأهمية الحاسمة لمسألة إدارة المياه فى تحقيق الهدف الثانى من أهداف التنمية المستدامة، مع كل آثاره فى تحقيق كامل خطة عمل التنمية المستدامة، وأعربوا عن قلقهم البالغ حيال ازدياد حالات انعدام الأمن الغذائى وسوء التغذية فى المنطقة، والتى تفاقمها ندرة المياه وتغير المناخ.

وكذلك إنشاء المركز العربى لسياسات تغير المناخ التابع للإسكوا للتعامل مع آثار تغير المناخ على التنمية المستدامة فى المنطقة، بالاعتماد على مجموعة من الشراكات الاستراتيجية، وتعزيز قدرة الدول الأعضاء على تقييم تغير المناخ والتكيف معه والتخفيف من آثاره والتفاوض بشأنه.

لقد أثبتت كل التقارير العلمية مدى تأثر المنطقة العربية بالتغيرات المناخية، ومنها الدراسات التى وضعتها الأمم المتحدة وأكدت أن منطقة حوض البحر المتوسط التى تشمل دولا عربية وأوروبية تعد (مركز التغيّر المناخى)، وستشهد موجات حر غير مسبوقة وجفاف وحرائق ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، ولا سبيل أمام الدول العربية إلا استغلال فرصة انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخى (cop 27) فى شرم الشيخ وبناء شراكات قوية مع المجتمع الدولى لمواجهة آثار التغير المناخى على المنطقة العربية، والعودة إلى تنفيذ خطة الجامعة العربية التى اقترحتها عام 2013 بعد تحديثها.

نقلا عن الأهرام