جلسة استماع
المناطق الرمادية: القضايا العالقة في العلاقات العربية-التركية

جلسة استماع

المناطق الرمادية: القضايا العالقة في العلاقات العربية-التركية



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 9 أغسطس 2023، جلسة استماع بعنوان “المناطق الرمادية: القضايا العالقة في العلاقات العربية التركية”، واستضاف المركز الدكتور أحمد أويصال، مدير مركز أورسام لدراسات لشرق الأوسط، وأستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة إسطنبول (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ محمد الفقي، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ كرم سعيد، والدكتور هيثم عمران، والأستاذ حسين معلوم، والأستاذ علي عاطف، والأستاذ محمد عمر، والأستاذة نادين المهدي.

ملفات متداخلة

يشير “أويصال” إلى عدد من الملفات الحيوية والأزمات في المنطقة العربية، التي تتداخل فيها تركيا بشكل كبير، ويمكن أن يساهم الانفتاح بين تركيا والدول العربية في حلحلة المواقف حيالها، إضافة إلى فرص واعدة لتعميق التعاون، وأبرزها:

1- الدعم المشترك للقضية الفلسطينية: تعد القضية الفلسطينية محورية بالنسبة للعرب وتركيا، فانتهاك حقوق الفلسطينيين يمنعالسلام الدائم في المنطقة، وبالتالي فإن التعاون في طريق توحيد الصفوف بين الفصائل الفلسطينية، وتحديداً بين تركيا ومصر خاصة، يمكن أن يدعم مسار السلام.

وعقب فشل صفقة القرن، فإن السلام وتطبيع العلاقات يجب أن يكون وفقاً لشروط ومبادئ واضحة ومحددة، وهي أحد الملفات التي تسمح بالتقارب بين تركيا والدول العربية، وتوحيد الجهود يؤدي إلى نتائج.

2- بلورة حلول إقليمية للأزمة السورية: ثار الشعب السوري في إطار ما يُسمى “الربيع العربي”، والآن تدعم روسيا وإيران النظام السوري، ولكن النظام السوري غير قادر على تقديم شيء في ناحية عودة السوريين الذين انتشروا في مختلف دول العالم، ومنها تركيا.

وتتمثل الأزمة في سوريا في أن نظام الأسد وأنصاره يريدون أن يتصرفوا وكأن شيئاً لم يكن، كما أن سوريا مقسمة بين نفوذ النظام، ونفوذ تركي بالشمال مع المعارضة، والنفوذ الأمريكي في مناطق الأكراد.

ولكن بدلاً من التدخل الأمريكي والروسي، لا بد لتركيا والدول العربية وإيران الجلوس مع بعضهم بعضاً للتوصل لحلول أيسر للأزمة السورية، ولكن هناك أزمة هي أن الأزمة السورية باتت مشكلة دولية.

وتركيا تريد الحل الشامل وليس الحل الجزئي، وتسوية ملفين رئيسيين، الأول: عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، ولكن النظام لا يريد أن يقبلهم. والثاني: ملف إعادة الإعمار، فنظام الأسد ليست لديه موارد للاستثمار في إعادة البناء، وروسيا وإيران كذلك، وينتظرون الدول العربية والخليجية خاصة لإعادة البناء في سوريا، ولذا فالتعاون التركي العربي فاصل وحاسم في مستقبل سوريا.

3- تحقيق التقارب في الملف الليبي: هناك أيضاً الملف الليبي،فلدى مصر وتركيا مصالح مشتركة ومتشابكة في ليبيا، مصر لديها مصالح أمنية واقتصادية، وتركيا لديها أيضاً مصالح ورابط تاريخية.

ويتصل الملف الليبي بملف شرق المتوسط، لأن اليونان بدعم من إسرائيل وأوروبا والغرب يهددون تركيا بمنطق اليونان، ولكن تركيا لديها مجال في البحر المتوسط وبحر إيجه، والمعادلة التركية تخدم مصر وليبيا كثيراً، في مقابل عدم استفادة اليونان وإسرائيل.

وبشكل عام فإن الأزمة الليبية تحتاج لتعاون بين تركيا ومصر، فتركيا تهتم بليبيا، خاصة عقب توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، ويمكن توقيع اتفاقية مماثلة بين تركيا ومصر، كما أنّ خط أنبوب الغاز عبر تركيا أسهل كثيراً بالنسبة لمصر، ولكن الحوار حول ليبيا سيأخذ وقتاً طويلاً.

4- إنهاء المواجهات المسلحة بالسودان: هناك قضية طارئة على الساحة العربية تتعلق بالمواجهات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”،وهذا يعكس أن منطقتنا مليئة بالأزمات.

وتركيا دائماً مع الشرعية والحكومة الموجودة في السودان، ونحن مع المؤسسات الحالية بما يخدم الشعب السوداني والمنطقة كلها، وما يحدث نتاج التدخلات في الملف السوداني، وهذا ليس جديداً، فمشروعات تقسيم السودان قائمة مع أزمة دارفور.

كما أن مصر والسعودية لديهما جهود بناءة لوقف الصراع بين طرفي الأزمة وإنهاء المواجهات المسلحة، ويمكن أن تدعم تركيا تلك الجهود والتوفيق بين الطرفين خلال الفترة المقبلة.

5– تعميق مستوى التعاون على مختلف المستويات: تركيا تقدم الاستقرار والتجربة الاقتصادية من خلال تجربة سياسية واقتصادية مع قدرات تصديرية كبيرة، فرغم الصعوبات فإن عجلة الاقتصاد لا تزال تعمل.

كما أنّ ثمة أهمية للتعاون على مستوى القطاع الأمني، خاصةً أن تركيا تدافع عن أصدقائها، وبإمكان الانفتاح أن يؤدي إلى تشكيل حلف أمني في المنطقة، سواء جماعياً أو بشكل ثنائي، مع قدرات مسيرات بيرقدار، خاصة أن أنقرة تشارك بعض التكنولوجيا والخبرة، مقابل موقف الغرب وأمريكا حيث تبيع ولا تشارك أي شيء.

يمكن أن تعمل تركيا مع الدول العربية على مستوى تقوية كل طرف للآخر، خاصة على المستوى السياسي، إذ يمكن أن تدعم أنقرة القضايا العربية، وفي المقابل تدعم الدول العربية تركيا في بعض الملفات مثل المسألة القبرصية، ومواجهة اتهامات إبادة الأرمن.

تحديات رئيسية

يشير “أويصال” إلى مجموعة من التحديات التي تواجه الانفتاح والتقارب التركي مع الدول العربية، وتحديداً على مستوى الأزمات في المنطقة، وأبرزها:

1- رغبة الغرب في إضعاف دول المنطقة: تركيا منفتحة على العالم العربي والإسلامي، حتى إن الانفتاح الاقتصادي مع بعض الدول ظل مستمراً مع بعض التوترات، والخليج يمتلك موارد مالية كبيرة، وهذا سيفيد التعاون الاقتصادي.

وتركيا كانت تركز على العلاقات الغربية فقط، ولكن تتجه الآن إلى الدول العربية وآسيا الوسطى وأفريقيا، وهناك فرص استثمارية، وهذا يخدم تركيا والدول العربية، ولكن مع الحاجة إلى تدابير معينة ومناورة، خاصة وأن الغرب حاول أن يدمر الاقتصاد التركي.

أنقرة تبحث كذلك عن الاستقرار والتعاون، والدول الغربية لا تريد المنطقة قوية، وهنا فإن أنقرة مستهدفة مثل الدول العربية، فالغرب لا يريد دولة قوية، ويريد إنهاك دول المنطقة.

2- إدراك متبادل لتولي زمام القيادة بالمنطقة: مع تراجع دور القوى العظمى في المنطقة، لا يجب استبدال هذا التراجع لبعض القوى بأخرى، فعلى تركيا والدول العربية أن تقوي نفسها لتولي قيادة شؤونها، لتصبح المعادلة أن الجميع يحتاج إلى دول المنطقة، ولكن لو أضعفت دول المنطقة بعضها بعضاً فسيكون هناك استعانة بأطراف خارجية دولية.

مع وصول بايدن للبيت الأبيض، كان هناك تغير ملموس مع السياسة السعودية، والانفتاح مع إيران، والسعودية غير راضية عن توجهات بايدن، ونحن نرى أن السعودية تنفتح ناحية تركيا والشرق، وهذا شيء جيد. بإمكاننا أن نبني العلاقات المتوازنة مع بعضنا بعضاً، وهناك إمكانية للتعاون التركي الخليجي.

3- تدخلات دولية في تسوية الأزمة السورية: فيما يتعلق بالتحديات التي تواجه انعكاسات الانفتاح والتقارب التركي مع الدول العربية على الأزمة السورية، فإن الملف السوري بات أزمة دولية متعددة الأطراف.

وبالتالي فإن الحوار مع النظام السوري، ومحاولة إيجاد حلول إصلاحية وتسوية الملفات العالقة، لم يعد مقتصراً على النظام السوري فقط، وبات الأمر أكبر من ذلك باعتبارها مسألة دولية. على سبيل المثال، فإن الصين استخدمت حق “الفيتو” 10 مرات لصالح دعم النظام السوري وحليفتها روسيا حيال الملف السوري، من أصل 17 مرة استخدمت فيها حق “الفيتو”.

وبشأن الحوار التركي مع نظام الأسد، فإن تركيا تريد أن يكون النظام قابلاً للاستمرار، وأنقرة ترغب من النظام استقبال السوريين المقيمين في تركيا، خاصة أن الأمر بات حساساً للغاية، بعد التأثيرات الاقتصادية، مع استمرار عمليات الهجرة من مناطق نفوذ النظام السوري.

استثمار في الاستقرار

ويؤكد مدير مركز أورسام لدراسات لشرق الأوسط، أن تركيا لا ترى وجود أي أزمات مع دول المنطقة العربية، مع دفع العلاقات والانفتاح الاقتصادي، خاصة وأن تركيا بلد صناعي وتجاري وسياحي، ويريد الاستثمار في الاستقرار، بدلاً من عدم الاستقرار، خاصة مع تضررها من الأزمات في ليبيا وسوريا والعراق والسودان، فأنقرة لا تريد ترهيب سفن الشحن والمستثمرين، واضطراب خطوط النقل والتجارة الدولية بسبب الأزمات في المنطقة.