المشاورات اليمنية/اليمنية التي دعا لها مجلس التعاون الخليجي جمعت الفرقاء اليمنيين على طاولة واحدة في الرياض، وهي مبنية على ما سبقها من جهودٍ سعوديةٍ وخليجية كانت آخرها «المبادرة السعودية»، والهدف واضح منذ بدء «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» وهو استعادة الدولة اليمنية وفرض سيادتها على كامل ترابها الوطني، ورفض اختطاف الدولة والولاءات للدول الأجنبية المعادية للشعب اليمني وللعرب دولاً وشعوباً.
بالتزامن مع هذا أعلنت «الهدنة» العسكرية بين «التحالف العربي» و«الجيش اليمني» من جهة وبين «ميليشيا الحوثي» من جهة أخرى لمدة شهرين، وهو هدف قديم ومستمرٌ للتحالف العربي والجديد هو موافقة «الحوثي» عليها، فما الذي جدّ ودفع بهذا الاتجاه؟
معلومٌ أن التحولات والتغيرات لا تكون نتيجة عاملٍ واحدٍ، بل عوامل متعددة تدفع باتجاه التغيير، وقد جرى في العالم دولياً وإقليمياً وداخلياً في اليمن الكثير مما يدفع باتجاه الهدنة وحلحلة الوضع المتأزم هناك، فالحرب الروسية الأوكرانية أثبتت للصديق والعدو قوة تأثير الدولتين القويتين في «التحالف العربي» وهما السعودية والإمارات، والمواقف السياسية المحايدة تجاهها وفي أسواق الطاقة نبهت العالم إلى استقلالية القرار وقوة التحالف وتطابق الرؤى تجاه الملفات الكبرى.
التحالف السعودي الإماراتي غير المسبوق في قوته واتساعه وتكامله ثابتٌ ومستمرٌ ويشكل صمام أمانٍ للدول العربية والمنطقة والعالم، وعلى الرغم من كل المحاولات لدق إسفين فيه من قبل جهات متعددة دولياً وإقليمياً على مستوى الدول والجماعات والتنظيمات، إلا أنه لا يزداد إلى قوةً وتأثيراً، وهو اليوم القائد لكل الحراك العربي سياسياً واقتصادياً.
تصريحات وزيري الطاقة السعودي والإماراتي في «القمة العالمية للحكومات» واضحةٌ وصريحة في بناء أسس جديدة للعلاقات الدولية إقليمياً ودولياً، واجتماع النقب التاريخي بين دول الإمارات ومصر والمغرب والبحرين وإسرائيل شكل نقطة انطلاق جديدةٍ نحو مستقبل مختلفٍ تنشده دول المنطقة وقد كان سمو الشيخ عبدالله بن زايد محقاً بقوله: «اجتماعات قمة النقب تعد لحظة تاريخية» «فمنذ 43 عاماً عندما قامت مصر وإسرائيل بإبرام معاهدة السلام، مع الأسف خسرنا على مدار هذه الأعوام معرفة بعضنا البعض بشكل أفضل والعمل معاً، وتغيير السردية القائلة بأن العديد من الأجيال من إسرائيل والعرب كانوا يعيشون في عداوة»، وأوضح أن «ما نحاول تحقيقه اليوم هو تغيير هذه السردية وخلق مستقبل مختلف والبناء على أمل أفضل بالنسبة لنا وأولادنا والأجيال المقبلة»، وولي العهد السعودي أوضح أن «إسرائيل حليف محتمل» في مقابلته مع «ذا أتلانتك». وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن زار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في الرباط، والمواقف السياسية معلنةٌ تجاه العديد من الملفات ومصالح دول المنطقة أولويةٌ والتحالف مستمرٌ، و«مفاوضات فيينا» باتت روسيا تتخذ منها مواقف أكثر قرباً لدول الخليج ومصالحها، وهذا كله له تأثيرٌ على الأزمة اليمنية.
صنّفت السعودية 25 اسماً وكياناً على قوائم الإرهاب لتورطهم في دعم«ميليشيا الحوثي»، وأوضح أمن الدولة السعودي أن السعودية تقوم بهذا التصنيف «بشكل منفرد ومنسق مع الولايات المتحدة الأميركية ممثلة في وزارة الخزانة الأميركية – مكتب مراقبة الأصول الأجنبية».
الحراك الكبير الذي يجري منذ سنواتٍ والتغييرات الإيجابية التي تحدث اليوم بشكل متصاعد كلها تؤكد أن السعودية والإمارات تقودان تغييراً واعياً على كافة المستويات، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، هو أكبر من الأزمة اليمنية، ولكنه مؤثرٌ عليها بشكل ظاهرٍ مكّن من نجاح عقد «المشاورات اليمنية» وإطلاق «الهدنة» بدعم خليجي وأميركي وأممي لم يكن ممكناً من قبل. أخيراً، فالدول الحية والقوية قادرةٌ على تغيير قواعد اللعبة بالوعي المتقدم والواقعية السياسية ومنطق التاريخ.
نقلا عن الاتحاد