لم يعد هناك إلا أيام وينتهى عام 2021 ويهل عام 2022 الذى سوف يورث حفنة من الأزمات الدولية التى سوف يكون على دول العالم أن تبذل جهودا لتجاوزها لأن استحكامها يفتح أبواب الحرب والصدام. الأزمة الإيرانية التى تبدو على السطح كما لو كانت حول استئناف الاتفاق النووى الذى جرى توقيعه عام 2015 وقام على معادلة قوامها توقف إيران عن تطوير السلاح النووى مقابل رفع العقوبات عنها؛ فإنها فى الواقع باتت أكثر تعقيدا. لم يعد الأمر مجرد خطأ أمريكى من رئيس سابق (دونالد ترامب) بالانسحاب من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات مرة أخرى، أو صواب رئيس لاحق (جوزيف بايدن) فى العودة إلى الاتفاق. الأمر هو أن الأزمة برمتها تغيرت كثيرا، ولم يعد من السهل الادعاء بأن السنوات الأربع الماضية لم تحدث. على الجانب الأمريكى لم يكن الأمر مجرد خروج من اتفاق دولى ولو أن ذلك فى حد ذاته يخلق التساؤل عما إذا كان أى اتفاق جديد سوف يكون مختلفا من حيث النتائج أو أنه سوف يكون عرضة لنوايا رئيس جديد يجرى انتخابه بعد سنوات قليلة. فما حدث فعليا هو أن الولايات المتحدة اتبعت سياسة (الضغط الأقصى) الذى سبب ضغوطا اقتصادية فادحة، مضافا لها ضغوط عسكرية سيبرانية مع اغتيالات بالوكالة لعلماء وعسكريين إيرانيين قامت بها إسرائيل، وضاعف من آثارها أزمة (كوفيد- 19) التى كانت إيران من أكثر ضحاياها، وكانت النتيجة السياسية فى إيران حينما أدت إلى حركة إلى اليمين المتشدد. وعلى الجانب الآخر، فإن إيران لم تكن ساكنة خلال السنوات الأربع الماضية عندما استغلت مظلة الاتفاق النووى لكى تحرر الكثير من قدراتها الاستراتيجية فى اعتداءات على دول الجوار مستخدمة فى ذلك الأقليات الشيعية وأذرعها المسلحة فى العراق ولبنان وسوريا واليمن. وأكثر من ذلك فإن إيران لم تتوقف عن تطوير أسلحتها الصاروخية، فى الوقت الذى استأنفت فيه تطوير سلاحها النووى فزاد مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وانخفضت تقديرات المدة التى ستستغرقها إيران فى صنع قنبلة نووية من عام بموجب اتفاق 2015 إلى بضعة أشهر أو حتى أسابيع.
مرت مياه كثيرة تحت جسور السنوات الأربع ولم يكن كلها فى الاتجاهات الأمريكية الإيرانية، ولم تكن فقط فى سلسلة الظروف التى غيرت السياسة الداخلية فى كلا البلدين، وإنما لأنها واكبت تغيرات فى النظام الدولى كله نتيجة الصعود الصينى من ناحية والجرأة الروسية من ناحية أخرى. المؤكد هو أن كلا البلدين الصين وروسيا لا يوجد لهما مصلحة فى إضافة دولة نووية جديدة إلى النظام النووى العالمى الذى قام فى الأصل على فكرة الاحتكار النووى من قبل الدول الخمس الأعضاء فى مجلس الأمن. ولكنهما فى نفس الوقت يعرفان جيدا أنه جرى انتهاك هذا النظام من قبل الهند وباكستان وإسرائيل من قبل، وهناك دول أخرى لديها قدرات نووية كافية للتحول إلى السلاح النووى خلال فترة قصيرة مثل كوريا الشمالية واليابان وربما تايوان وكوريا الجنوبية أيضا. كما يعرفان أن كليهما واقع تحت ضغوط متنوعة، بعضها أيديولوجى نتيجة الحملة الأمريكية والأوروبية على الصين وروسيا فى مجال الديمقراطية وحقوق الانسان، وبعضها الآخر أمنى واستراتيجى كما هو فى بحر الصين الجنوبى بالنسبة للصين، وأوكرانيا بالنسبة لروسيا.
الحقائق الحاكمة للقضية الإيرانية خلال عام 2022 أولاها أن العالم ثلاثى القطبية (الولايات المتحدة وروسيا والصين) قد بدأ بالفعل تشكيل تفاعلاته القائمة على تعددية المصالح ما بين الإيجابى منها القائم على خصائص للاعتماد المتبادل القائم على التجارة فى حالة الصين والغاز فى حالة روسيا. أيضا المشكلات العالمية من الوباء إلى الاحتباس الحرارى، فضلا عن ضرورة منع انتشار الأسلحة النووية ومنع الهجرة وتحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط الذى يعانى الإرهاب والدول الفاشلة. ولكن هناك أيضا المصالح التى تتناقض فيها وتتنافس بالطرق التقليدية للتفاعل بين القوى الكبرى بحثا عن الهيمنة والنفوذ التى تتعامل مع التحالفات كما لو كانت من صميم الأمن القومى للدولة. باختصار فإنه بقدر ما توجد مساحات للفوز المشترك، فإن هناك قضايا ومساحات أخرى يكون فيها كل مكسب لطرف هو خصما مباشرا من الأطراف الأخرى. وثانيها أن الأطراف الثلاثة توجد على مائدة المفاوضات مع إيران حيث تقوم كل من إيران والولايات المتحدة باستخدام أوراق الضغط على الأخرى. إيران تقوم بالضغط عن طريق دعم خصوم أمريكا من فنزويلا فى نصف العالم الغربى، إلى (حماس وحزب الله والحوثيون) فى الشرق الأوسط، إلى توقيع معاهدات واسعة النطاق مع الصين. الولايات المتحدة من جانبها تضغط عن طريق إسرائيل التى تلح طوال الوقت على رفض الاتفاق والاستعداد لعملية عسكرية جراحية للسلاح النووى الإيرانى، وتَعِد أن بعضا من العقوبات سوف يبقى بعد توقيع الاتفاق الجديد.
إذا كان ذلك كله، وهو قليل بسبب المساحة، سوف يعوق التوصل إلى اتفاق، وبالتالى يخلق حالة من التوتر الذى يقود أطرافا غير صابرة إلى العمل العسكرى الذى ربما يعطى طهران المبرر لضرورة أخذ الأمور بيدها قبل أن تضيف إسرائيل تدمير مفاعلاتها النووية إلى المفاعلين اللذين دمرتهما فى العراق وسوريا من قبل؛ فإن هناك دوافع أخرى سوف تبقيهم على مائدة المفاوضات وربما التوصل إلى اتفاق. الأوضاع الاقتصادية والسياسية لدى الأطراف كلها مرهقة من تجربة الجائحة المتواصلة مع العام الجديد، وموجات التضخم التى أشعلت أسواق العالم. وبينما بات الرئيس بايدن فى حاجة ماسة إلى نجاح، فإن النظام الإيرانى فى حالة من الإرهاق السياسى والاقتصادى الذى يجعله أكثر استعدادا للوساطات الصينية والروسية للتوصل إلى اتفاق.
نقلا عن الأهرام