المرأة العربية والعدالة الاجتماعية – الحائط العربي
المرأة العربية والعدالة الاجتماعية

المرأة العربية والعدالة الاجتماعية



يعد دور المرأة مقياساً لتقدم الشعوب ونهضة الأمم لأن دورها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقفزات المنتظمة نحو حياة أفضل، فهي الأمومة والطفولة والأسرة، وهي الأم والأخت والزوجة، ولقد ساد انطباع عام أن المرأة المسلمة مقهورة في بلادها مغلوب على أمرها، وعزز من ذلك الانطباع بعض التصرفات التي استخدمت الدين غطاء لستر جرائمها، خصوصاً في التعامل مع المرأة، على الرغم من أن الإسلام قد جعل لها ذمة مالية مستقلة، وأعطاها حقين كبيرين أولهما التعليم وثانيهما العمل، والقائلون بغير ذلك مخاتلون، يميلون إلى سوء التأويل والخروج عن نطاق الحقيقة، ومع ذلك فإننا نتذكر بالدهشة أن المرأة العربية في مصر حصلت على حقوقها السياسية بما فيها حق الانتخاب والترشح والإدلاء بالصوت الانتخابي قبل أن تحصل عليه المرأة السويسرية في مطلع ستينيات القرن الماضي.

وأستطيع أن أتصور أن دولاً عربية أخرى قد سبقت مصر في ذلك، فربما أشير إلى التجربة التونسية التي قدمت مجتمعاً مدنياً يتسم بالرقي النسبي في مرحلة لم تكن فيها مثل هذه المفردات مطروحة أو معروفة، ويهمني في السطور المقبلة أن ألقي الضوء على بعض الحقائق ذات الصلة بقضايا المرأة وتحررها الإنساني والوطني، خصوصاً مع بدايات القرن العشرين، حيث ارتبطت موجة تحرير المرأة بحركة تحرير الأوطان وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من مسيرة شعبية وطنية لا تفرق بين رجل وامرأة، ونحن نتذكر الآن أسماء لامعة من مختلف الأقطار العربية والإسلامية واجهت عديداً من الأفكار المتخلفة، دعونا نستعرض الملاحظات التالية:

أولاً: لقد أعطت الشرائع السماوية والأرضية أيضاً للمرأة مكانة طبيعية فلا يمكن التذرع ببعض النصوص لتطويق دور المرأة وتحجيم انطلاقها، وكأننا نضع قيداً على حركتها وأساليب تقدمها، ولعل نظرة تاريخية يمكن أن تؤكد لنا أن المرأة قد تبوأت المراتب العليا في السلطة، وحكمت أوطانها في فجر التاريخ، فإننا نتذكر أسماء مثل حتشبسوت وكيلوباترا وشجرة الدر ومن بعدهن زعيمات لامعات ورئيسات لحكومات إسلامية وعربية، بل وعالمات اقتحمن مجال العلوم الحديثة على نحو يدعو إلى الإبهار والإيمان بأن المرأة لا تفتقر إلى شيء اختص به الله الرجل، إنما هو توزيع للوظائف والأدوار اختص بها الخالق مخلوقاته في كل زمان ومكان، ولا نجد مبرراً للتفرقة أو المفاضلة بين الجنسين، ونعتبر ذلك لغواً لا أهمية له، ويكفي أن نشير هنا إلى أن الإسلام الحنيف قد أعطى المرأة حقها كاملاً في استخدام اسمها لأبيها لا لزوجها كما هو النمط السائد في الثقافة الغربية المسيحية اليهودية، كذلك أعطتها كافة الشرائع حقوق ممارسة الأعمال المختلفة حتى وصلت بها إلى العمل العسكري، فكان هناك مقاتلات بارزات في صدر الإسلام، وفي مراحل التطور في كثير من المجتمعات الشرقية، ولعل كل المحاولات التي سعت إلى الإقلال من شأن المرأة اعتمدت إلى حد كبير على قضيتي الإدلاء بالشهادة فجعلتها نصف رجل، وفي نظام المواريث (للذكر مثل حظ الأنثيين) ولكل منها حكمة سمعناها وعرفناها وآمنا بها دائماً، لأن الأمر لا يبدو كما هو عليه من النظرة العابرة، بل إن هناك فلسفة تحكم هذا الاختلاف وتدعمه في كل حين.

ثانياً: إن الإقلال من شأن المرأة يبدأ من المكانة المتميزة التي تواضعت عليها البشرية من إعطاء قيمة أعلى للذكورة، وإغفال حقوق المرأة ذلك المخلوق الذي أوصت الأديان به خيراً، ودعت إلى الحرص عليه والحفاظ على حقوقه، ولعلني أجازف هنا فأقول إن المرأة ذاتها هي المسؤولة أحياناً عن الإقلال من شأنها وإضعاف دورها، فهي تميز بين الفتى والفتاة في أساليب التربية التقليدية التي تجعل لميلاد الطفل فرحة وبهجة تزيد على الفرح بميلاد الطفلة في أغلب الأحيان، وإذا كان هناك امتياز واحد داخل الأسرة وليكن للتعليم مثلاً، فإن الأم تعطيه للولد على حساب شقيقته! وهذا أمر درجت عليه كل الثقافات بغير استثناء، بل إنني لاحظت في أوروبا احتفال الأسر بميلاد الطفل على نحو يفوق الطفلة حتى لو تظاهر الجميع بغير ذلك وادعى كل منهم المساواة الكاملة بين ميلاد ابن أو ابنة، فالأم هي التي تصنع لابنها الفتى مكانة متميزة على حساب شقيقاته لأن انحيازها له يعطيه شعوراً بالتميز لا يخرج من دائرته أبداً ويظل أسيراً له مدى الحياة.

ثالثاً: إننا معشر الرجال نتحدث دائماً عن حقوق المرأة ونخوض في ذلك كثيراً، متصورين أن ذلك الحديث يجعلنا نغسل أيدينا وننسى الماضي ويعفينا من تهمة الانحياز ضد المرأة أو التحامل عليها، لذلك فإن إهدار حق المرأة والاكتفاء بالتشدق بحرياتها وتعداد ميزاتها في العلن فقط، إنما يدل بوضوح على حالة الازدواج التي نعانيها نحن الرجال حين نتظاهر بحماسنا لحقوق المرأة، لكننا لا نعبر عن ذلك تعبيراً صادقاً أو صحيحاً، ولكننا نردد ذلك لامتصاص حالة الغضب وإظهار انتصارنا للمرأة وبث الشعور العام بأننا تقدميون نواكب العصر ونستجيب لنداءاته، بينما نحن نكيل بمكيالين ونقول ما لا نفعل ونفعل ما لا نقول!

رابعاً: لا يمكن أن يتحقق نهوض المرأة بمعزل عن النهوض العام للمجتمعات، فهي جزء لا يتجزأ منه ترقى بتقدمه وتتراجع بتأخره، لذلك فإن الحديث عن اجتزاء دور المرأة بين أدوار الحياة العامة الأخرى لكي يكون وحده نموذجاً للتقدم ونشر الشعور بالرضا هو أمر يستحيل تحققه، فالتقدم قضية غير قابلة للتجزئة والنهضة كذلك غير قابلة للتقسيم، لذلك فإن حديثنا عن التقدم وجدواه إنما يصدر عن عقل مستنير وروح سمحاء، وما رأينا مجتمعاً متقدماً وراقياً تكون المرأة فيه متخلفة أو منتكسة، وما رأينا أيضاً مجتمعاً راكداً تقوى فيه مكانة المرأة، فالعبرة دائماً بالتوافق بين أطراف المجتمع ذكوره وإناثه، ولا يمكن انتزاع دور المرأة وحده للدفع به للإمام، أو أن يحدث العكس فيكون الرجل متقدماً فكرياً والمرأة متخلفة ذهنيا، خصوصاً أن الدراسات الحديثة أثبتت أن معدلات الذكاء واحدة بغض النظر عن الجنس والتعويل على النوع للمرأة أو الرجل.

خامساً: دعونا نتأمل الضريبة القاسية التي تدفعها المرأة في زماننا الذي نعيش، أليست هي الضحية الأولى للنزاعات الدامية والحروب المسلحة، أليست هي التي تتقدم صفوف اللاجئين والنازحين والهاربين من المعارك والساعين إلى إنقاذ الطفولة والوصول بها إلى ملجأ تلوذ إليه! إنها كذلك، لذلك فإن تقديرها واجب واحترام دورها أمر حتمي، وليس صحيحاً على الإطلاق أن المرأة تعيش في استقرار، ولكن المجتمع يفتقره، بل على العكس فهي تمثل الترمومتر لحالة الرضا الذي يسود مجتمعاً معيناً وتشير بقوة إلى درجة الاستقرار فيه، كما أن تقدمها جزء من التقدم الشامل للمجتمع ككل، كذلك فإن نكوصها وتراجع دورها يؤدي أيضاً إلى ركود عام وتراكم شامل وانهيار لا يستطيع أحد أن يوقف انتشاره إلا بمشقة غير معتادة.

المرأة وعاء القيم ومدرسة التربية ورائدة الإصلاح، لذلك فإن رعايتها والاهتمام بها إنما يمثل أمراً أساساً يجب أن يسعى نحوه الجميع، وأن يناضل من أجله كل من يؤمن بالإنسان ودوره على هذا الكوكب، لذا فإننا نؤمن بمبدأ المواطنة الذي يؤكد أن مراكزنا متساوية، على الرغم من اختلافنا في الجنس أو اللون والدين، فالكل أمام القانون سواء في كل حين. تعيش المرأة في ظل العدالة، ولا يمكن أن تكون غير ذلك، مهما كانت الظروف والتحديات والطموحات أيضاً.

نقلا عن إنديبندنت عربية