جلسة استماع:
المدخل الفكري لتفكيك بنية الخطاب المتطرف للتنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية

جلسة استماع:

المدخل الفكري لتفكيك بنية الخطاب المتطرف للتنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 21 يونيو 2022، جلسة استماع بعنوان “المدخل الفكري لتفكيك بنية الخطاب المتطرف للتنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية”، واستضاف المركز الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والدكتور حسين القاضي، والأستاذ حسين معلوم، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ محمد الفقي، والأستاذ كرم سعيد، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ علي عاطف، والأستاذة نادين محمد.

سمات رئيسية

يؤكد “الأزهري” أن التطرف والإرهاب لم يظهرا في الدين الإسلامي فقط، وإنما في كل الأديان، فهناك على سبيل المثال “جيش الرب” الأوغندي، وهو جماعة مسيحية متطرفة. وأيضاً قد يكون التطرف مرتبطاً بأفكار فلسفية معينة تتسبب في دمار هائل وإراقة الدماء، مثل تجربة هتلر، ولكنه يُحدد عدداً من السمات الرئيسية لخطاب التطرف في المنطقة العربية، في ضوء فوارق كبيرة بين موجة الإرهاب في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وبين الموجة المعاصرة، وأبرزها كالتالي:

1- عدم الاعتماد على بنية فكرية: موجة الإرهاب التي شهدتها مصر في السبعينيات والثمانينيات كانت تعتمد على بنية فكرية مغلوطة، فكانت الجماعات تحتاج إلى تواصل واحتكاك مباشر لنشر تلك الأفكار بين الشباب المراد استقطابه في المساجد، وعبر الكتب وأشرطة الكاسيت، وكانت تحتاج إلى استقطاب واجتذاب أكبر قدر ممكن من الشباب، يستخلص منهم من يقبل حمل السلاح، وفي نهاية المطاف، بعد اختراق عقل الشباب، يحتاج إلى محفز نفسي حركي، يحول فكرة التكفير من التكفير الجامد الذي يمكن أن يعيش به الفرد في المجتمع ولو منعزلاً، إلى تكفير حركي فعال مؤثر على الأرض يمارس نشاطاً على أرض الواقع. ولكن الآن بات الاستقطاب المبدئي يعتمد على اجتذاب أي نفسية محتقنة ومنفجرة على السوشيال ميديا، ويكون الاعتماد على الأبعاد النفسية، وبالتالي تراجع الجانب الفكري وصار هامشياً.

2- اختزال الزمن في عمليات التجنيد: وبناء على التحولات في آليات التجنيد المرتبطة بالتنظيمات المتطرفة والإرهابية، فإنه خلافاً للموجة السابقة للإرهاب التي كانت عمليات التجنيد تستغرق خلالها مدة زمنية قد تمتد لأشهر، فإن عمليات التجنيد في الموجة المعاصرة باتت أسرع، وقد تستغرق دورة التجنيد 8 ساعات فقط، وهذا يرتبط بعدم الاعتماد على البنية الفكرية في التجنيد. وهناك مثال واضح على ذلك، وهو الإرهابي “عبد الرحيم المسماري” الذي تمّ القبض عليه، واعترف بأنه انضم إلى “داعش” لمجرد سماعه إحدى أناشيد التنظيم، وكان هذا كل علاقته بالتيارات الجهادية، فجعلته يرغب في أن يعيش هذا الشعور بعد نقل عمليات التجنيد إلى السوشيال ميديا.

3- منتج متقدم من أفكار سيد قطب: من خلال رصد البناء الفكري للتنظيمات الإرهابية منذ تنظيم الفنية العسكرية والجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد والقاعدة وداعش وغيرها من الجماعات، نجد أنها تنهل من منهل واحد هو أفكار سيد قطب، التي جاءت في كتابه “في ظلال القرآن”، وهي أفكار شديدة التطرف والاتجاه نحو التكفير، وهي أفكار مركزية لدى جماعات التطرف. فمثلاً كتاب “رسالة الإيمان” لا يعدو كونه بضع صفحات من كتاب “في ظلال القرآن”، وأيضاً كتاب “الفريضة الغائبة” كان عبارة عن بضع فقرات من كتاب سيد قطب، وحتى أيمن الظواهري يُعد جسراً بين تلك التيارات وتنظيم القاعدة، وبالمثل فإن قائد تنظيم “بوكو حرام” تحدث في لقاء سابق عن تأثره بكتاب “في ظلال القرآن”، وأبو محمد العدناني المتحدث باسم “داعش” عكف على دراسة هذا الكتاب لمدة 20 عاماً، ولكنّ الفارق بين هذه التنظيمات أن النسخ الجديدة من التنظيمات عبارة عن منتج متقدم من أفكار سيد قطب.

4- بروز الإغراق الإلكتروني من التنظيمات: إحدى أبرز السمات الرئيسية لموجة الإرهاب المعاصرة، هي القفزة إلى العالم الافتراضي. على سبيل المثال، جماعة الإخوان تهتم كثيراً بالجانب التقني والتلاعب بعالم الميديا، والسوشيال ميديا. وأيضاً تنظيم “داعش” يحاول توظيف السوشيال ميديا عن طريق بث المقاطع المرئية. وفي عام 2015 أغلقت إدارة تويتر 10 آلاف حساب تابعة لـ”داعش”. وبلغ التنظيم حد إصدار نسخة من مجلته الإنجليزية، وإصدارها كذلك بلهجة جنوب وشمال تونس مثلاً. كما برز استخدامه للألعاب الإلكترونية الخاصة بالأطفال للترويج لأفكاره، ونحن الآن نواجه نحو 40 تنظيماً متطرفاً، بدأت بجماعة الإخوان، وتلك التنظيمات ما زالت فاعلة حتى الآن، وهي الموجة المعاصرة لفكر الخوارج.

5- الاشتراك في منطلقات سبعة للتطرف: تشترك التنظيمات الـ40 المتطرفة في نحو 35 فكرة رئيسيةفي نشر أفكارها في المجتمعات، ولكن هناك 7 أفكار تُعد القاسم المشترك بينها جميعاً، وهي: (التكفير، والجاهلية، والولاء والبراء، والفرقة الناجية، وحتمية الصدام، والاستعلاء بالإيمان، والتمكين). وهنا فإن التكفير هو البذرة الأساسية للفكر المتطرف، من خلال تكفير المجتمعات. ورغم أهمية الأفكار السبعة، فإن “الولاء والبراء” هو محور استهداف فكرة الوطن، إذ تعمد تلك التنظيمات عبر حملة مسمومة إلى تشويه وتقزيم فكرة الوطن، مرة باعتباره “حفنة من تراب” ومرة أخرى “بأنها حدود صنعها الاستعمار”، وغير ذلك من المصطلحات والعبارات التي تستخدمها تلك التنظيمات المتطرفة. والحقيقة أننا بمراجعة كتابات أئمة الإسلام، نجد أنهم يتطرقون إلى نبل وجلال فكرة الوطن.

آليات فاعلة

تطرق “الأزهري” إلى عدد من الآليات والنقاط التي يمكن من خلالها مواجهة التنظيمات والجماعات المتطرفة والإرهابية، كالتالي:

1- الاهتمام بالبعد النفسي في دراسة الظاهرة: في ضوء المتغيرات التي طرأت على ظاهرة التطرف، لا بد من الاهتمام بدراسة الأبعاد المتعددة للتطرف والإرهاب، وتحديداً على مستوى البعد النفسي، في ظل عدم الاهتمام الواضح بهذا البعد، ولكن هناك إسهامات في هذا السياق منها كتابات الدكتور قدري حفني، والدكتور شاكر عبد الحميد. وهذا البعد يحتاج إلى توسع كبير في الدراسات، خاصة مع توظيف التنظيمات المتطرفة والإرهابية في استقطاب أي نفسية محتقنة ثائرة تبحث عن غطاء ومبرر، ولذلك نحتاج إلى دراسة نفسية أكثر تخصصاً وعمقاً.

2- إنتاج منصات فاعلة على السوشيال ميديا: لمواجهة التطور وتوظيف التنظيمات المتطرفة للميديا والسوشيال ميديا، فمن الأهمية تدشين منصات على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل ما نواجهه من أزمة فيما يتعلق بالبُعد التقني، وتقديم تلك التنظيمات بصورة ملحوظة لمواجهة هذه الأفكار، وكانت هناك إسهامات في ذلك من قبل دار الإفتاء المصرية، ولذلك يجب تدشين منصات بالغة القوة والفاعلية، عبر كيانات فعلية، تضم طواقم عاملة كبيرة، وتوفير الموارد المالية اللازمة لذلك، كما أنه سيتم استخدام تلك المنصات ليس فقط لمواجهة أفكار التطرف، ولكن أيضاً لنشر مقاصد الشريعة وتوليد العلوم.

3- تجديد الخطاب الديني وضرورة بناء الثقة: يصعب تجديد الخطاب الديني في ظل عدم وجود استراتيجية واضحة محددة يمكن من خلالها توزيع الأدوار وتحديد أبعاد دور كل مؤسسة في تجديد الخطاب الديني، في ظل تعدد المؤسسات والجهات والأشخاص الذين يتحدثون في مسألة تجديد الخطاب، وهي حالة يمكن وصفها بـ”التخبط”، وليس هذا الأداء الأمثل للمؤسسة الدينية، كما أن ثمة بُعداً مهماً في مواجهة أفكار التطرف يتعلق بضرورة بناء الثقة بين رواد الخطاب الديني والناس، وهي نقطة شديدة الأهمية، ودونها لا إمكان لوجود عمل حقيقي، والمفتاح الحقيقي قضية الثقة.

4- التحرك السريع لوقاية المجتمعات من التطرف: لا بدّ من المواجهة السريعة للتطرف في المجتمعات، عبر تضافر جهود المؤسسات العلمية والفكرية، وإشراكها في المواجهة، لكي يكون المجتمع لديه حالة من الوقاية من تلك الأفكار والاستعصاء أمام تلك التيارات المتطرفة، وهذا يتوقف على مقدار النشاط للدول ومؤسساتها المختلفة، في مقابل أن التراخي عن مواجهة التطرف ينتج عنه انتشار هذه الأفكار. وعليه فإنه يجب عدم التأخر في مواجهة تلك الأفكار في المجتمع وإلا يتأثر، وهنا يمكن الإشارة إلى بعض تجارب المواجهة الفكرية لبعض المتطرفين الذين كانوا في السجون المصرية، وأحدهم يُدعى محمد حسن الزيني الشيخ، وكان المنظر لتنظيم التكفير والهجرة، وعند مواجهته فكرياً على مدار جلسات طويلة من قبل الشيخ الأحمدي أبو النور، تراجع “الشيخ” عن أفكاره تماماً.

5- ضرورة تفكيك أبعاد “التكفير” لدى التنظيمات: هناك بعض التنظيمات التي تراجعت عن استخدام لفظة “التكفير” مثل جماعة الإخوان لأنها باتت سيئة، ولكن علينا كشف خطاب التكفير لدى التنظيمات المتطرفة، خاصة أن جميع التنظيمات تنهل من “في ظلال القرآن” لسيد قطب، وليس كتابه “معالم في الطريق” إلا صفحات من كتاب “في ظلال القرآن”، وبالتالي التركيز يجب أن يكون على هذا الكتاب، وذلك لعدم إلقاء الضوء عليه باعتباره أساس التكفير، فالكتاب موجود في المكتبات والمساجد، وباعتراف يوسف القرضاوي فإن سيد قطب تكفيري، ورد القرضاوي على انتقاد بعض عناصر الإخوان له في هذه المسألة، إلا أنه استمر على موقفه. وهنا أيضاً يمكن الإشارة إلى وجود التطرف عند الشيعة، فهي ظاهرة ليست مقتصرة على السنة فقط، فهناك نواب صفوي وكان قائداً لتنظيم مسلح ويحمل أفكار التكفير. ويمكن القول إن الشيعة هم الفصيل الوحيد الذي جعل أصول الدين (7) وليس (6)، بإضافة فكرة الإمامة، وعند التأمل العميق للثورة الإيرانية نجد أنها متأثرة بأفكار حسن البنا، وبشكل أوسع أفكار التكفير عند سيد قطب التي جاءت في كتابه “في ظلال القرآن”.

تحرك سريع

وأخيراً، يؤكد “الأزهري” على ضرورة التحرك والعمل بالسرعة المطلوبة لمواجهة أفكار التكفير والتنظيمات المتطرفة، في ظل تقدمها على مستوى عدد من الأبعاد من بينها البعد التقني، والبراعة في توظيف مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن هناك إشكالاً كبيراً في سرعة المواجهة، والحاجة لاستيعاب المداخل المتعددة لتفكيك بنية الخطاب المتطرف، قبل أن يشير إلى أن انتهاء الفكر المتطرف والتنظيمات الإرهابية لا يتوقف فقط على المواجهة، ولكن يدخل فيها أبعاد سياسية دولية، إذ إن هناك بعض الدول الي تسعى إلى توظيف الإرهاب لصالحها، من خلال اللعب بهذه التنظيمات لتحقيق أهداف بعيدة، فمثلا قال السياسي الأمريكي هنري كيسنجر، إنه ليس في مصلحة أمريكا القضاء على “داعش” ولكن إضعافه، في مقابل رفض روسيا هذه السياسة لذلك تتجه إلى “التنظيف” بدلاً من “التوظيف”، أما الاتحاد الأوروبي فيسعى إلى تخفيف الأضرار جراء انتشار هذه الكيانات والتنظيمات، وطالما أنه ليس هناك اتفاق على القضاء على الإرهاب، فسيظل الأمر معلقاً، قد يختفي تنظيم ويظهر آخر في أي مكان بالعالم.